لا يدري أحد إن كان فعلاً قد تعرّض دوستم لمحاولة اغتيال أثناء توجّهه شمالاً لمقاتلة حركة "طالبان"، على الرغم من منعه من قبل شورى الأمن، إلا أن البعض يدّعي بأن موكب دوستم تعرّض لانفجار من دون أن يصيب أحدا بأذى، وأن شورى الأمن الذي يتزعمه الرئيس الأفغاني نفسه قد خطط لذلك. في المقابل كان رد الرئاسة سريعاً وشديداً، متهماً الجنرال بإدلاء تصريحات غير مسؤولة، ومعلنة إجراء التحقيق في القضية.
ويتهم دوستم أيضاً الرئيس غني والرئيس التنفيذي عبد الله عبد الله، بـ"العمل لأجل إحياء خلافات عرقية"، ويقول إن "جميع تعيينات الرئيس التنفيذي في الوزارات وفي المناصب العالية من أبناء عرقية واحدة، أي الطاجيك، بينما يلتف البشتون حول الرئيس الأفغاني". ليس دوستم وحده من تحدث بشأن الخلافات العرقية، بل كثر في الحكومة وخارجها فعلوا ذلك. ومنهم مستشار الرئيس الأفغاني في إصلاح الحكومة، القيادي الأهم في جبهة الشمال، أحمد ضياء مسعود. يعتبر مسعود أن "التوظيف في الأروقة الحكومية يأتي على أساس عرقي، وأنه حصل بعد أن وزعت الحكومة بين منافسي الرئاسة غني وعبد الله على يد الأميركيين".
بدورهم، يرى كثر أن الخلافات العرقية متجذرة، وأن التعيينات على أسس عرقية موجودة كذلك، لكن هذه التصريحات وتلك الشكاوى لم تهدف إلى علاج المعضلة، بل لها أسباب أخرى سياسية. ذلك أنه بعد اجتماع بروكسل في الشهر الماضي، وعد الرئيس الأفغاني بإجراء تغييرات في المنظومة الحكومية، يقلّص بموجبها نفوذ وصلاحيات جميع أمراء الحرب الذي كانت معظم المناصب السيادية بأيديهم منذ سقوط طالبان. ومنهم نائب دوستم، ومسعود، وحتى عبد الله نفسه.
في السياق نفسه، قرّر الرئيس الأفغاني بعد التشاور مع أعضاء البرلمان ومجلس الشيوخ وزعماء القبائل، إقالة الكثير من الوزراء وحكماء الأقاليم، ومعظمهم من الموالين لنائب الرئيس الأفغاني وجبهة الشمال الذي ينتمي إليها عبد الله ومسعود. بالإضافة إلى تقويض نفوذ المسلحين غير المسؤولين والخارجين عن نطاق القانون.
عن هذه الخطوات، يقول العضو في البرلمان، عبد الله باركزاي، لـ"العربي الجديد"، إنه "على الرغم من انتقادنا للكثير من سياسات الحكومة، غير أننا نؤيد خطط الرئيس الرامية لإجراء الإصلاحات، ولإنجاح المصالحة مع جميع الأحزاب القتالية. وهؤلاء يدركون جيداً أن المصالحة ليست في صالحهم، بالتالي هم يحبون الفوضى في البلاد كي ينعموا بالقدرة والنفوذ في الحكومة". أما الخلافات العرقية فيتهم باكزاي هؤلاء أنفسهم بـ"العمل لأجلها حفاظاً على مصالحهم".
أما الحكومة فتحاول تهدئة الأمور، ويؤكد في هذا الصدد، النائب الثاني للرئيس الأفغاني دكتور سرور دانش، لـ"العربي الجديد"، أن "الوضع الراهن في البلاد أمنياً وسياسياً، يستدعي الاهتمام بالمصالح الوطنية وعدم استخدام أوراق مختلفة لأجل الحصول على المصالح الشخصية والتنظيمية". ويشير إلى أن "الوضع الأمني في البلاد أكبر تحدٍّ في وجه الحكومة، لذا يجب الاهتمام به والتضحية بالمصالح الشخصية والحزبية". ولا تقف المشكلة عند هذا الحد بل أن المسلحين المنتمين إلى الأحزاب، الذين يسمون أنفسهم بـ"الجيش القبلي" هم السبب الرئيسي في سقوطه، ينوّه أحد أعضاء مجلس الشيوخ الأفغاني عبد الله قرقول، إلى أن "مدينة قندوز سقطت مرتين في يد طالبان، والسبب يعود إلى أن المقاتلين يتخلون عن المنطقة كلما أرادوا".
مع العلم أنه في الآونة الأخيرة، قرر الرئيس الأفغاني جمع السلاح من المسلحين، وأن يكون السلاح فقط في يد الجيش والجهات المسؤولة. وعن ذلك يقول حاكم إقليم قندوز عمر خيل، إن "المسلحين غير المسؤولين، هم السبب في سقوط المدينة وهم السبب في صناعة الكثير من المشاكل الأمنية، ولكننا لا نستطيع أن نفعل شيئاً ضدهم، إذ أن هناك من داخل الحكومة من يؤيدهم، ويعطيهم السلاح، بل ويأمرنا بعدم التعرّض لهم".
لا تقف الأمور عند هذا الحدّ فحسب، بل إن المصالحة الأفغانية كذلك أحد أبرز وأهم أسباب إثارة حفيظة هؤلاء على الرئيس الأفغاني. فبعد أن دخل الحزب الإسلامي، أحد أكبر التنظيمات المسلحة وأكثرها تنظيماً، إلى المسار السياسي بجهود الرئيس الأفغاني، وفشلت جميع محاولات هؤلاء في تقويض المصالحة بين الطرفين، أثار هؤلاء ضجة في الأروقة الحكومية، وطالب بعضهم بمحاكمة زعيم الحزب قلب الدين حكمتيار، في حين أن هؤلاء أنفسهم كانوا في جانب من جوانب الحرب الأهلية بعد هزيمة الاتحاد السوفييتي (1979 ـ 1989).
ومع بدء الرئيس الأفغاني بإجراء محادثات جادة مع "طالبان"، ولمرتين في العاصمة القطرية الدوحة خلال الشهرين الماضيين، بدأ المسلحون يعرقلون ذلك، ويتهمون الرئيس الأفغاني بـ"الانحياز إلى فريق دون آخر". مع العلم أن ثمة من يرى أيضاً أن تصريحات دوستم لها أبعاد خارجية، إذ إن الجنرال كان أحد رموز الحكومة الشيوعية الموالية للسوفييت أيام الاحتلال، وما زال له علاقات قوية بموسكو، التي لا ترغب في المصالحة بين الحكومة الأفغانية و"طالبان"، بل تريد استخدام الحركة كأداة لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وبالتالي حرّضت دوستم ضد الرئيس الأفغاني. مع العلم أن أحمد زاي، لم يبق مكبّل اليدين، بل بدأ يُحرّك القبائل لتقف بجانبه في وجه هؤلاء. وفي الأيام الأخيرة عُقدت اجتماعات كثيرة لرموز القبائل المشهورة في البلاد، كقبائل أحمدزاي التي ينتمي إليها الرئيس، وقبائل وزير ومنغل، أشهر القبائل في الجنوب، وكل تلك أعلنت دعمها للمصالحة الأفغانية ولعملية الإصلاحات التي يعتزم الرئيس إجراءها في الحكومة.