محاولات إثيوبية لإرجاء اتفاق سد النهضة

25 فبراير 2020
تسعى إثيوبيا لتوليد الكهرباء من السد في 2021(فرانس برس)
+ الخط -

أعلنت مصر عقد جولة مفاوضات جديدة حول قواعد ملء سد النهضة الإثيوبي وتشغيله، في العاصمة الأميركية واشنطن، يومي الخميس والجمعة المقبلين، بحضور وزراء الخارجية والري في كل من مصر وإثيوبيا والسودان.

بينما قالت مصادر دبلوماسية مصرية لـ"العربي الجديد" إن الجولة ستخصص لمناقشة مسودة الاتفاق النهائي التي أعدتها وزارة الخزانة الأميركية والبنك الدولي، والتي تعتمد أساساً على الدمج بين المصفوفة المصرية الخاصة بكميات المياه المطلوب وصولها إلى مصر في فترات الجفاف، والمصفوفة الإثيوبية الخاصة بكميات المياه المطلوب تخزينها بشكل مستديم لضمان توليد الكهرباء من السد لمدة خمس سنوات تالية لبدء التوليد في صيف 2021. وأضافت المصادر أنّ من المحتمل مدّ الجولة يوماً أو أياماً أخرى، وأن مصر تدفع بشدة من خلال فريقها الموجود في واشنطن لتكون هذه الجولة "هي النهائية" في مسلسل المفاوضات.

وكشفت المصادر عن محاولات إثيوبية حثيثة حالياً، على صعيد الاتصالات المستمرة بين أديس أبابا وواشنطن من جهة، ومع القاهرة من جهة أخرى، لتأجيل إعلان التوصل إلى الاتفاق النهائي لفترة إضافية، غير محددة، إلى حين تهدئة الأوضاع السياسية المتوترة في إثيوبيا، بسبب الاستعدادات للانتخابات التشريعية في أغسطس/آب المقبل، التي ستشهد المواجهة الأولى بين رئيس الوزراء أبي أحمد وحزبه "الرفاه/الازدهار"، وقومية التغراي التي رفضت الانضمام إلى الحزب، وما زالت حركتها السياسية أبرز المعارضين على الساحة المحلية للتوصل إلى اتفاق حول السد.

وكان أبي أحمد قد أوفد سلفه رئيس الوزراء السابق هايلي ميريام ديسالين، الذي وقّع مع السيسي والرئيس السوداني المعزول عمر البشير اتفاق المبادئ عام 2015، لمقابلة السيسي في القاهرة السبت الماضي، محمّلاً إياه رسالة لم يفصح الطرفان عن فحواها، لكن الطرفين أكدا حرصهما على التوصل إلى اتفاق عادل ومفيد للجميع.

وأضافت المصادر المصرية أنه في مواجهة الضغوط المستمرة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب على أبي أحمد "لإنهاء مفاوضات سد النهضة بإعلان اتفاق، لا يحقق بالتأكيد كل ما يطلبه كل طرف، لكنه سيضمن حق إثيوبيا في التنمية السريعة"، فإن أحمد "يخيف المصريين والأميركيين من أن إعلان الاتفاق في الوقت الحالي قد يخفّض شعبيته إلى أدنى مستوى لها".
وذكرت المصادر أن "تخويف أحمد للأطراف المختلفة يرتكز على أن بقاءه في السلطة وفوز حزبه في الانتخابات المقبلة هو الضامن الوحيد لتنفيذ أي اتفاقات بشأن السد مع مصر والسودان". لكن في المقابل، ترى مصر أن الانتظار إلى ما بعد الانتخابات أو الإرجاء حتى الصيف المقبل، يُعتبر "غير مقبول" بالنظر إلى الخطة الإثيوبية التي أُعلنَت سابقاً بالبدء في ملء السد في يوليو/تموز المقبل، خصوصاً أن القاهرة ترغب في أن يكون الملء بدءاً من العام الحالي وبأسرع وقت، لاستغلال سنوات الفيضان والرخاء، كحل أفضل من الانتظار والإرجاء لسنوات لا يمكن التنبؤ حالياً بحجم فيضان النيل فيها.

وتأتي المحاولات الإثيوبية للإرجاء في ظل دعوات على مواقع التواصل الاجتماعي إلى التظاهر ضد أحمد وتداول شائعات على نطاق واسع في الشارع الإثيوبي وأوساط المعارضة في الخارج، تركز على أن أحمد، المنتمي إلى قومية الأورومو، يقدّم مصالح مصر والولايات المتحدة على المصالح الإثيوبية، ويعطّل إنجاز مشروع السد، على الرغم من أن الحقيقة هي أنه لولا الثورة الإدارية والأمنية التي قام بها أحمد فور وصوله إلى السلطة، لما كان السد قد بلغ هذه المستويات المتقدمة من الإنشاءات، بعد إبطاء لسنوات.

ففي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وقبيل انطلاق الاجتماعات الفنية الحاسمة برعاية الولايات المتحدة والبنك الدولي، صرّح نائب مدير مشروع السد، بيلاتشو كاسا، لوكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية، بأن عملية الإنشاء تتقدّم من دون أي تباطؤ "كما كان من قبل"، وأنه جرى بالفعل الانتهاء من لوح الوجه الخاص بسد السرج، وهو سد الخرسانة للوجه الصخري، الموجود على يسار السد الرئيسي، وللحفاظ على سلامة تدفق المياه، أُنجز العمل في جانب المجرى ليصبح السد قادراً على توفير الطاقة المطلوبة حتى 100 عام. وسيضم السد ثلاثة مجارٍ للمياه، بما في ذلك مجرى مائي في وسط السد الرئيسي، وممر للفتحات (قناطر) يمكن أن يسمح بأكثر من 14 مليون متر مكعب من المياه، وممر للطوارئ في الجانب الأيسر من سد السرج.


في غضون ذلك، أعلنت السلطات السودانية أمس تسلّمها مسودة اتفاق أعدتها وزارة الخزانة الأميركية حول ملء سد النهضة وتشغيله. وتتكوّن المسودة من 17 بنداً، وتحدد سلامة السد، واعتماد الدراسات البيئية والاجتماعية، وتنص على إنشاء مجلس وزاري تنسيقي، مع تحديد آلية لحل النزاعات التي قد تطرأ في المستقبل.
ولم يقدّم وزير الري والموارد المائية السوداني ياسر عباس، معلومات تفصيلية عن مسودة الاتفاق، لأنها في مرحلة التفاوض وتحت الدراسة من الجانب السوداني وبقية الأطراف. وأوضح عباس، في مؤتمر صحافي عقده أمس في الخرطوم، أن 90 في المئة مما جاء في مسودة الاتفاق المقترحة من وزارة الخزانة الأميركية والبنك الدولي، اتُّفق عليها مسبقاً بين مصر والسودان وإثيوبيا، وأن 80 في المئة من المسودة كانت عبارة عن مقترحات سودانية خالصة، نافياً وجود أي ضغوط من واشنطن على الأطراف للقبول بالمسودة والتوقيع عليها، منوهاً إلى أن التوقيع على المسودة لن يدخلها حيز التنفيذ إلا بعد مصادقة الجهات التشريعية في الدول الثلاث عليها.

وجدد عباس نفيه لما جاء في تقارير صحافية، عن تنازل السودان عن جزء من حصته من مياه النيل البالغة 18,5 مليار متر مكعب لمصر، مشيراً إلى أن التفاوض الذي جرى في واشنطن لا يرتبط بالحصص، بل بملء سد النهضة وتشغيله، مبيناً أن السودان طوال جولات التفاوض لم يساند مصر ولا إثيوبيا، بل حرص على الدفاع عن المصالح السودانية وتقليل المخاطر، وأن الزراعة على النيل "التي تروى من الفيضان في السودان وحدها التي تتأثر بقيام سد النهضة، وخطتنا تقوم على الري الانسيابي لها في المستقبل".

يُذكر أن مصدراً إثيوبياً تابعاً لجبهة تحرير تغراي، أحد مكونات التحالف الحاكم الحالي، سبق أن قال في تصريحات لـ"العربي الجديد" الشهر الماضي، إن مسؤولين حكوميين في وزارة الطاقة ومشروع سد النهضة أبلغوا قيادات الجبهة بأن توليد الطاقة الكهربية من السد سيبدأ بصورة جزئية في يوليو/تموز أو أغسطس/آب 2021.
ومنذ اتصال ترامب بأحمد، مطلع الشهر الحالي، يبدو وكأن المفاوضات تسير في اتجاه سياسي رُسم لها بغية التوصل إلى اتفاق من دون الإفصاح عن طبيعة ما يُتَّفق عليه، وتلقت القاهرة طمأنات من واشنطن بحتمية توقيع الاتفاق. أما المسؤولون الرسميون الإثيوبيون، فبدأوا التمهيد إعلامياً لفكرة ضرورة عقد هذا الاتفاق، كرد فعل على مقالات صحافية وشائعات انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، بعضها كان متطرفاً في الهجوم على أحمد بحجة أن توقيع الاتفاق يفرط في السيادة الإثيوبية على السد، وبعضها الآخر زعم أن أحمد سيستمر في خداع مصر وواشنطن بالمماطلة في المفاوضات. وعقد وزير المياه الإثيوبي سيليشي بيكيلي الذي يقود المفاوضات عن بلاده، مؤتمراً صحافياً في الرابع من الشهر الحالي، وقال فيه إن "إثيوبيا حريصة على استكمال التفاوض وحل المشاكل مع مصر والسودان من دون تنازل عن مكتسباتها ومصالحها العليا".
وكان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو قد أدلى أثناء زيارته لأديس أبابا منذ 3 أيام بتصريح مربك، قال فيه إن اتفاق سد النهضة "بحاجة لمزيد من الوقت لتصفية الخلافات"، ما بدا مخالفاً للاتجاه الأميركي السابق إعلانه هذا الشهر.

وسبق أن كشفت المصادر الدبلوماسية المصرية ذاتها لـ"العربي الجديد" نهاية الأسبوع الماضي أن الأفكار والمقترحات الأميركية للحل ما زالت تواجه عراقيل بسبب رفض المصريين والإثيوبيين العديد من تفاصيلها، وأنها دارت تحديداً حول أمرين اثنين: أولهما، ضمان تمرير 37 مليار متر مكعب من المياه لمصر في أوقات الملء والجفاف، كرقم وسط بين ما تطالب به مصر، وهو 40 مليار متر مكعب، وما تطالب به إثيوبيا، وهو 35 مليار متر مكعب في فترات الملء، و32 مليار متر مكعب في فترات الجفاف.

أما الأمر الثاني، فهو ضبط آلية محددة للتنسيق بين مصر والسودان وإثيوبيا في إدارة فترة الملء الأول، ليُسمَح لمصر بالمطالبة باتخاذ التدابير الاستثنائية بناءً على مؤشرات مقياس فيضان النيل الأزرق بدلاً من مؤشرات السد العالي، وهو الأمر الذي ما زالت إثيوبيا ترى أنه سيمنعها من تنفيذ جدول ملء محدود للغاية زمنياً لا يزيد على 7 سنوات لملء السد بشكل كامل ومستديم، لإنتاج أكبر قدر من الكهرباء والحفاظ على وتيرة الإنتاج في الفترة بين صيف 2021 وخريف 2026.