محامو سورية.. خارج سرب النظام والتنظيمات المسلّحة

06 نوفمبر 2014
محامون في باريس يُطالبون بوقف الحرب (ميغيل مادينا/فرانس برس)
+ الخط -
كان لمحاميّ سورية دور فاعل في الثورة التي انطلقت قبل أكثر من ثلاث سنوات ضد النظام الحاكم. فعمدت نقابة المحامين إلى فصل المئات ممن شاركوا في الحراك، خصوصاً أنها لا تتمتع باستقلالية بحكم سيطرة أجهزة الأمن والاستخبارات على مجالسها وهيئاتها. لم ينته الأمر هنا، فقد تعرض المحامون أيضاً إلى ملاحقات أمنية واعتقالات متكررة من الأجهزة الأمنية وغيرها من التنظيمات المسلّحة، كتنظيم الدولة الإسلامية "داعش".

محرّك الثورة

في نهاية شهر فبراير/شباط عام 2011، وقبيل انطلاق الثورة، أصدر محامو محافظة السويداء بياناً طالبوا فيه بإلغاء قانون الطوارئ، وتعديل الدستور، وإطلاق الحريات العامة، وكف يد أجهزة الأمن عن السوريين. وشكّل محامو حلب، إحدى أكبر مدن سورية، أولى الكيانات الاجتماعية التي شاركت في الحراك الثوري في المدينة. نظموا اعتصامات عدة في مبنى القصر العدلي وسط المدينة القديمة. وفي نهاية عام 2011، طالبوا بإطلاق سراح المعتقلين ووقف قمع التظاهرات.

في مرحلة لاحقة، شكل هؤلاء كياناً عُرف باسم هيئة محاميّ حلب الأحرار، ليتحول بعد سيطرة الثوار على ثلثي المدينة إلى بديل من النقابة المركزية التي يسيطر عليها النظام، وأحد أهم العناصر المكونة للهيئة الشرعية القضائية التي شُكلت في شهر سبتمبر/أيلول عام 2012، قبل أن تنسحب منها نهاية العام الماضي، إثر خلافات.
أيضاً، كان لمحاميّ إدلب وحمص وحماة ودمشق ودرعا ودير الزور دور أساسي في المجالس المحلية والهيئات القضائية، التي شكلها الثوار بعد تحريرهم مناطق واسعة في هذه المحافظات. إلا أن هذا الدور تراجع بشكل تدريجي في ظل سيطرة الهيئات الشرعية التي يشكل قضاة جبهة "النصرة" أحد أركانها. في السياق ذاته، يقول المحامي ياسر السليم إن "المحاكم الشرعية لا تعطي للمحامي دوراً فعالاً. في بعض المناطق، يشارك المحامون في الهيئات القضائية، كما هو الحال في كفرنبل مثلاً. أما في خان شيخون، فأدوار المحامين إدارية، ذلك أن الهيئة الشرعية تديرها جبهة النصرة".

رد فعل النظام

ورداً على دور المحامين في تحريك الثورة، أمرت أجهزة النظام الأمنية نقابة المحامين بشطب جميع المحامين الذين شاركوا في الاحتجاجات. وشمل القرار الصادر في بداية شهر أبريل/نيسان الماضي أكثر من 150 محام في حلب، و75 في دمشق، وما يزيد عن المائة في ريفها، و80 في درعا، وأكثر من 150 في إدلب، و100 آخرين في الحسكة.
كذلك، اعتُقل عشرات المحامين منذ انطلاق الثورة حتى اليوم. منهم عبدالله الخليل، أحد أشهر محاميّ مدينة الرقة المناهضين للنظام، وقد اعتقل في بداية أبريل عام 2011. إضافة إلى مؤسس المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، مازن درويش، الذي مر على اعتقاله أكثر من سنتين ونصف، وإسماعيل سلامة، وسلام عثمان من حلب، وميشيل شماس من دمشق، وبراهيم ملكي من الحسكة.
وقتل عشرات المحامين المقيمين في المناطق التي يسيطر عليها الثوار، نتيجة قصف النظام المستمر لهذه المناطق، خصوصاً في مدن حلب وريفها، ومناطق إدلب ودرعا وريف دمشق، بينهم أحمد شوبك، ومحمد أمين عبد اللطيف، وأسعد فيصل آغا، ومصطفى الضاهر، ونائل صباغ، وعبد الحميد نبهان، ورامز إدريس وغيرهم.

وفي المناطق التي يسيطر عليها "داعش" شرق سورية، يتعرض المحامون إلى مضايقات واعتداءات متكررة، إذ يعتبرهم "مرتدين عن الإسلام" بحكم دراستهم القوانين الوضعية التي تضعها مجالس منتخبة وتطبيقها، وطالبهم بإعلان توبتهم في مقراته. ويقول المحامي، عبد الرزاق الياسين، الذي فر من مدينة الرقة إن "ذلك وضعنا أمام خيار واحد. فليس أمام المحامين من أبناء المناطق التي يسيطر عليها داعش إلا الذهاب إلى مقرات التنظيم وإعلان توبتهم وبراءتهم من كل أعمالهم السابقة ودراستهم، ليعملوا لاحقاً في التجارة، أو بيع الخضار أو المحروقات، أو ينتقلوا إلى العيش خارج مناطق سيطرة التنظيم".

على صعيد آخر، تعرض الكثير من المحامين العاملين في المناطق التي يسيطر عليها الثوار إلى مضايقات وتعديات من بعض كتائب الثوار، وصلت حد الخطف، على غرار ما تعرضت له مؤسسة لجان التنسيق المحلية ومركز توثيق الانتهاكات رزان زيتونة، إضافة إلى زوجها وائل حمادة، وسميرة خليل وناظم الحمادي. خُطفوا جميعاً من مكتبهم في مدينة دوما في غوطة دمشق الشرقية قبل نهاية العام الماضي.
واضطر آلاف محاميّ المدن والبلدات الواقعة شمال وشرق سورية إلى مغادرة البلاد، نظراً للظروف الصعبة التي تشهدها مناطقهم، بسبب قصف قوات النظام وتعديات التنظيمات المسلحة. فيما أصر آخرون على البقاء والعمل في مهن أخرى. أما أولئك الذين ما زالوا يعملون في المؤسسات القضائية في مناطق سيطرة النظام، فقد تغيرت طبيعة عملهم بشكل كبير في الفترة الأخيرة، بسبب تعرضهم إلى ضغوط من نوع خاص من الأجهزة الأمنية. ويقول المحامي، حسن عبد الباري، المقيم في دمشق: "تراوحت ضغوط أجهزة الأمن ببن الاستدعاء والتحقيق مع التهديد بالتوقيف عن العمل. وأخيراً، أصبحت أجهزة الأمن تمارس ضغطاً معنوياً في حق المحامين المعارضين للنظام، من خلال بث الشائعات وتخويف الموكلين، والتشهير بهم كالإشارة إلى فسادهم أو تبعيتهم قوى إقليمية أو دولية أعلنت مواقف معادية للنظام. كل هذه الأمور دفعت بهؤلاء المحامين إلى الاكتفاء بتسيير معاملات البيع والزواج وغيرها لسد رمقهم".

في المقابل، يشرح المحامي، أحمد حلبي، الذي يعمل في مدينة اللاذقية: "يتمتع المحامون المتعاونون مع أجهزة الأمن بامتيازات كثيرة في مقابل عملهم لمصلحتها. يستفيدون من توصية الكوادر الإدارية في المحاكم لتعيينهم للترافع عن الموقوفين. فتمكن المحامون المرتبطون بأجهزة الأمن من جمع ثروات طائلة خلال الثورة، إذ يحصلون على مبالغ مالية كبيرة من عائلات الموقوفين لدى أجهزة الأمن، خصوصاً من سجناء الرأي في مقابل إطلاق سراحهم، ليقتسموها في ما بعد مع مسؤولي الفروع الأمنية والقضاة العامين وقضاة النيابة العامة".
المساهمون