بدأت السلطات السعودية عقد جلسات سرية للموقوفين ضمن حملة الاعتقالات الكبيرة التي شنّها جهاز أمن الدولة في شهر سبتمبر/أيلول من العام الماضي واستهدفت رموز تيار الصحوة، أحد أكبر التيارات الدينية في البلاد، بالإضافة إلى كتاب وإعلاميين محسوبين على هذا التيار. ووفقاً لحساب "معتقلي الرأي" المهتم بشؤون ملف المعتقلين في السعودية، فإن السلطات بدأت فعلاً بمحاكمة المتهمين محاكمات سرية بعد نقلهم من سجن ذهبان في جدة إلى سجن الحاير في الرياض، أكبر السجون السياسية والجنائية في البلاد. ووفقاً للحساب فإن المحاكمات حتى هذه اللحظة شملت عدداً من "الشيوخ وشخصيات إعلامية وأكاديمية".
وأضاف الحساب أن "المحاكمات السرية لمعتقلي الرأي جريمة حقوقية كبرى، وأواخر ضحايا هذه المحاكمات من الأكاديميين والنشطاء كانوا محمد الحضيف، وصالح الشيحي، اللذين حكم كل منهما لمدة خمس سنوات، ومحمد العتيبي وعبدالله العطاوي، اللذين حُكما بمجموع 21 سنة.
بدورها، ذكرت الوسيلة الإعلامية السعودية "قناة 24"، التابعة لوزارة الداخلية السعودية، قبل شهرين أنها "ستقوم ببث مقابلات مع المعتقلين تتضمن اعترافات لهم بدعم الإرهاب والتجسس والتواصل مع دول خارجية تضمر للبلاد العداء والعمل على تقويض النظام الحاكم". ورغم أن القناة لم تبث هذه الاعترافات بعد، إلا أن هذه الاتهامات قد تكون وُجّهت للمعتقلين في المحاكمة. وهي تهم مؤدية إلى حد الإعدام، تماماً كما فعلت السلطات السعودية مع المعارض الشيعي نمر النمر مطلع عام 2016 حين قامت بتنفيذ حكم الإعدام بحقه.
وأبدى مراقبون اعتقادهم بأن "عمليات المحاكمة التي بدأت بالانعقاد سراً والتلويح بنشر اعترافات للمتهمين جاءت في سياق محاولة السلطات السعودية تجاوز الضغوط الدولية التي تتعرض لها في المحافل الدولية، بسبب حملات الاعتقالات الكبيرة وعدم الإفصاح عن أسماء الكثير من المعتقلين أو حتى أماكن تواجدهم، فضلاً عن التهم الموجهة لهم وعدم السماح لعائلات الكثير منهم بالزيارة بالإضافة إلى ورود تقارير تفيد بتعذيب بعض المعتقلين".
وذكرت منظمة "القسط لدعم حقوق الإنسان في السعودية"، ومقرها لندن، في بيان لها قبل أسبوعين، أن "السلطات السعودية وفي محاولة منها لتبرير حملات القمع الرهيبة، وعدت مرات عدة بنشر فيديوهات لاعترافات المعتقلين بالانتماء لما وصفته بتنظيمات إرهابية، ومحاولة تشويه صورتهم واختلاق خلايا للتجسس قام المتهمون بتأسيسها ولا أساس لها من الصحة".
وبحسب مصادر المعارضة السعودية في الخارج فإن "السلطات لم تمكّن المتهمين من وضع محامين لهم، ولم تعطهم أي ضمانات تكفل حقوقهم أمام القضاة. كما أن أي محامٍ يتطوع للدفاع عن المتهمين أو المطالبة بالإفراج عنهم سيُعتقل على الفور. وهو ما حدث مع شقيق الداعية الإسلامي سلمان العودة، الذي طالب السلطات بتوضيح مصير شقيقه بعد يوم واحد من اعتقاله فاعتقل على الفور. كما حدث أيضاً مع المحامي إبراهيم المديميغ، الذي كان يعمل كمستشار في مجلس الوزراء، حين اعتقلته السلطات نتيجة دفاعه عن بعض المعتقلات النسويات في المحاكم".
ويقول المعارض السعودي المقيم في لندن عبد الله الغامدي لـ"العربي الجديد: "يجب أن نعرف أننا نعيش في دولة قمعية لا تحترم أنظمتها التي سنّتها بنفسها، مثل نظام الإجراءات الجزائية الذي يعطي المعتقل الحق في معرفة سبب اعتقاله لحظة الاعتقال وكذلك حقه بتوكيل محامٍ، ولكن نستطيع أن نقول إن الدولة انتهت من مسرحية تشويه سمعة المعتقلين عندما اتهمهم الإعلام الممثل للسلطة بالتواطؤ ضد الدولة، خصوصاً إذا علمنا أن أغلبهم لا يتوافق معها في سياستها الخارجية والداخلية والاقتصادية والشؤون الاجتماعية والحقوقية".
وأضاف المعارض الذي قامت السلطات إبان هذه الحملة باعتقال والدته وأشقائه في محاولة منها لإجباره على تسليم نفسه للسلطات، أن "المحاكمات ستؤدي إلى نتيجة عكسية وقوية ضد النظام، خصوصاً إذا علمنا أن كل من اعتقلوا هم من المشاهير والمعروفين بعملهم الإصلاحي داخل المجتمع ولهم قبول شعبي كبير، وطريقة اعتقالهم التي حدثت وطريقة محاكمتهم اليوم ستجعل الناس تقتنع أن الإصلاح المزعوم من خلال النظام مستحيل".
ولا تكتفي السلطات السعودية بمعاقبة المعتقلين فحسب، بل تجبر عائلاتهم على نفي الأخبار التي تتسرب حول تدهور حالتهم الصحية. كما أنها أجبرت بحسب جمعيات حقوقية بعض العائلات على التصريح بأن أبناءها المختفين عن الوسائل الإعلامية ليسوا معتقلين، مقابل وعود منها بالإفراج عنهم قريباً.