تتسبب أشغال ورشات المحاجر في الجزائر، في تهجير سكان هذه المناطق الّتي تشكل نشاطًا حيويًا للمستثمرين الخواص، أو تحويل حياتهم إلى مأساة يعيشونها بشكل يومي. فكثيرًا ما تنقل وسائل الإعلام المحلية أخبارًا عن خروج مواطنين في مختلف مناطق البلاد إلى الشارع، رافعين مطلبًا واحدًا يتعلق بإغلاق هذه الورشات، الّتي أضحت تسمى بـ"محاجر الموت".
سعيد صاحب الـ60 عامًا، لم يكن يدري يوما أن المدينة التي سيشيّد بها منزله المتواضع ستتحول إلى كابوس بالنسبة إليه، من هول القنابل الّتي يسمع دويها في كل مرة.
يمر سعيد ببعض الفترات الّتي يفقد فيها صوابه، فيخيل له أن هجومًا للإرهابيين حصل بالبلدة وما عليه سوى الفرار بجلده وعائلته الصغيرة، لكن سرعان ما يعود إلى رشده ويتأكد أن القنابل الّتي ترتعد جدران منزله من شدتها، ما هي إلا متفجرات لتكسير الحجر في المحجرة غير البعيدة عن منزله.
في مدينة أقبو التابعة لولاية (محافظة) بجاية شرق العاصمة الجزائر، يتواجد جبل كبير حُوّل جزء منه إلى محجرة خاصة يستخرج منها الحجر ليعاد بيعه بأثمان باهضة، حيث عادة ما يستعمل هذا الحجر في بناء المنازل.
هذه المحجرة يعود تاريخ نشاطها إلى عشرات السنين، قبل أن تعتمر مدينة أقبو بالساكنة. ففي الماضي لم يكن نشاطها يؤرق أحدًا، لكن اليوم ومع توسّع النسيج العمراني أصبحت هذه المحجرة تثير سخط وهلع سكان المدينة الّذين خرجوا في العديد من المرات لقطع الطريق الرئيسي، مطالبين السلطات العمومية بإجبار صاحب المحجرة على غلقها نهائيا.
ويعود سبب احتجاجات سكان المنطقة، للمتفجّرات الّتي تستعمل في تكسير الحجارة، حيث تحدث هذه المتفجرات صوتًا مدويًا وتتسبب في إلحاق أضرار بليغة بالمنازل المجاورة.
تفجير النفسيات
سعيد، يروي لنا أن صوت المتفجرات الّذي يسمعه ألحق به أضرارًا نفسية ومادية، فهو من شدّة الهلع لم يعد يدري إن كان ما يسمعه متفجرات أو زلزال أو قنابل تستعمل في الحروب. أما أبنائه فقد أصبحوا مضطربين، ووضعهم النفسي لم يعد يختلف عن أوضاع الأطفال الّذين يعيشون في حالة حروب ونزاعات، إضافة إلى الأزمات التنفسية الّتي يحدثها الغبار الكثيف الناجم عن تفجير الحاجرة.
وفيما يتعلق بالأضرار المادية، يقول سعيد أنها تتمثل في التشققات الّتي لحقت بمنزله، حيث حدثنا قائلاً: "لقد تعبت حتى أكملت بناء هذا المنزل، عشت فيها سنين طويلة من الشقاء إلى أن رأيت منزلي المتواضع يكتمل أمام عيني لكنني لا أصدق ما قد أصابه اليوم، فمن صوت المتفجّرات أحس أن جدرانه تتصدع وقد يتهدم في أي لحظة".
هذه هي تصريحات سعيد ومأساته مع هذه المحجرة، التي يطالب اليوم السلطات العمومية باتخاذ إجراءات صارمة سواء بغلقها أو إيجاد حلولاً أخرى لمنع استعمال المتفجرات التي ألحقت به وعائلته أضرارًا مادية وصحية.
اغتصاب الطبيعة
محجرة أقبو ببجاية ليست الوحيدة الّتي تثير قلق المواطنين في الجزائر، بل توجد عشرات المحاجر الأخرى الّتي تنشط عبر ولايات جزائرية وبالقرب من توسعات سكنية، البعض يستعمل المتفجرات لتكسير الحجارة الكبيرة واستخراجها من الجبال، والبعض الآخر لا يجد صعوبات في استخراجها بسبب وجود حصى في المحاجر بدل أحجار كبرى ملتصقة بالجبال وبالتالي لا تستعمل المتفجرات.
ويقول الخبير الاقتصادي الجزائري كمال رزيق أن هناك 1000 محجرة تنشط عبر التراب الجزائري، فيما تم تسجيل 300 محجرة متوقّفة عن النشاط لأسباب تقنية أو تجارية.
وبخصوص المحاجر الّتي تضر بالسكان بسبب استعمال المتفجرات، يرى رزيق أن الدولة مطالبة بالتدخل من أجل حماية المواطنين إضافة إلى النظر في القيمة الاقتصادية لهذه المحاجر. ففي حال ما كانت تدر بالفائدة، يكون على السلطات ترحيل السكان المجاورين لها وتعويضهم، أما إذا كانت مثل هذه المحاجر ذات قيمة اقتصادية ضعيفة فمن الأفضل غلقها نهائيًا.
ويرى الخبير الجزائري أن قطاع المناجم الّذي يسير مثل هذه المحاجر مُعَول عليه كثيرًا، ويعتبر من القطاعات الإستراتيجية، ويجب تشجيع المجالات الناشطة في هذا القطاع، ويضيف المتحدّث أن الدولة تملك حلولاً أخرى بفتح المحاجر المغلقة المتواجدة خارج التوسعّات العمرانية.
قوانين "مردوعة"
سبق لوزير الطاقة والمناجم الجزائري الأسبق، يوسف يوسفي، أن أعلن عن تنفيذ قرار منح استغلال المرامل والمحاجر عبر الشريط الساحلي والمناطق الرطبة والمحمية، بموجب قانون تنظيم النشاط المنجمي عبر التراب الجزائري.
ويخول القانون السلطات المحلية صلاحية دراسة ملفات المستثمرين الخواص الراغبين في الحصول على تراخيص استغلال المحاجر.
وكان البرلمان الجزائري قد أثار قضية أضرار المحاجر المنتشرة في بعض المدن على السكان، إلاّ أن الوزير الجزائري أكّد أن هذه المحاجر شرعت في العمل قبل صدور قانون المناجم سنة 2001. وينص هذا القانون على منع المحاجر القريبة من المناطق العمرانية من النشاط، كما برّر الوزير نشاطها بغرض تلبية طلبات السلطات المحلية من منتوج ''الحصى''.
وسبق للحكومة الجزائرية أن أوقفت رخصة استغلال محجرة تقع بولاية سكيكدة شرق الجزائر، حيث جاء القرار لعدم احترام الشركة المستغلة لدفتر الشروط، خاصة مع تواجد منبع مائي بالقرب منها، ليتم اتخاذ هذا القرار لتفادي تلويث المياه الصالحة للشرب.
وينص القانون الجزائري أنه "لا يمكن الشروع في نشاط استغلال محاجر أو مرامل، إلا على أساس رخصة استغلال يسلمها الوالي المختص إقليميا". وتمنح رخصة الاستغلال عن طريق المزايدة من طرف الولاية (المحافظة)، في إطار إنجاز مشاريع الهياكل الأساسية والتجهيزات والسكن المقررة في برامج التنمية للولايات الجزائرية.