مجلس العزاء الدولي

12 ابريل 2017
+ الخط -
تحوّلت جلسات مجلس الأمن بخصوص الأزمة السورية، مع حالة الشلل التي دخلت فيها منذ أول فيتو روسي في 4/10/2011، إلى جلسات عزاء على عجز الأمم المتحدة عن القيام بدورها، وتطبيق ميثاقها بحماية حقوق الإنسان وحماية المدنيين من تبعات الصراعات العسكرية.
كان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، قد صرّح إنّ هناك جرائم حرب لا تزال ترتكب في سورية. على الرغم من ذلك، أصاب مجلس الأمن الدولي مجدداً الإخفاق في التصويت على أيّ من القرارات الثلاث التي طرحت بشأن مجزرة خان شيخون نتيجة الهجمات الكيميائية، وظهرت جلسة مجلس الأمن كأنها مجلس عزاء، بحضور كل المشاركين في المقتلة السورية وغياب "أم الصبي" القتيل.
مع رفع صور الضحايا واتفاق الجميع على أنها جريمة حرب، رفع أعضاء مجلس الأمن الدائمين أيديهم، معلنين تبرؤهم من الجريمة، ويدهم الأخرى مغلولة في الدم السوري. وفي نهاية الاجتماع، انفضّ الجميع عن طاولة المجلس التي تأخذ شكل حافر غير بشري، وهو أمر معبّر بشكل ما عن الطريق الطويل الذي سوف تستغرقه المنظمة الدولية، للوصول إلى اكتمال حلقتها الإنسانية.
كانت صور الأطفال المروّعة من ضحايا المجزرة التي تصدّرت كلّ وسائل الإعلام قد كشفت حالة التردّي التي وصل إليها المجتمع الدولي، فمع رفع تلك الصور في قاعة مجلس الأمن، حضر الضحايا بأرواحهم، ليتابعوا نقاشات المجلس وفشله في حماية حيواتهم، وليغادروا عالمنا وعلى وجوههم البريئة ملامح الدهشة من نقاشات الكبار، تاركين لهم الخزي والعار الذي لا يمكن أن يمحوه الزمن، أو جلسات النَّدب الدولي على أرواح أطفال بريئةٍ، تستخدم لتبادل الرسائل السياسية.
تعدّدت التحليلات حول غاية من قام بمجزرة خان شيخون، فهناك من يرى أنّها محاولة من موسكو أو طهران لاستكشاف حدود رد الفعل الأميركي، وقدرات الرئيس الأميركي المنشغل في معاركه الداخلية، وهناك من رأى أنّ النظام السوري أراد استغلال اللحظة التالية للتصريحات الأميركية، حول مستقبل النظام السوري بأنّه أمر يقرّره الشعب السوري، بالانقضاض على المعارضة التي وصل تهديدها إلى أطراف حي جوبر شرق دمشق، بحيث إنّ ضربة مثل مجزرة خان شيخون، إن مرّت من دون رد عملي، ستنهي آمال المعارضين بتحرّك المجتمع الدولي، ودفعهم نحو الحل السياسي وفق مفهوم النظام والعودة إلى "حضن الوطن".
أو في تحليل آخر، هناك احتمال وجود مخازن فيها أسلحة كيميائية للفصائل المسلحة "الإرهابية"، قرب مناطق سكنية قد أصابها القصف الجوي، وادعاء الذاهبين بهذا التحليل إلى أنّه لا بدّ من تحكيم العقل وعدم التسرّع في الحكم، انتظاراً لاتضاح الحقائق، مع إقرارهم، في الوقت نفسه، بصعوبة تحقيق ذلك، متجاهلين جريمة قصف مناطق سكنية، حتى لو فيها مخازن أسلحة، والمسؤولية المضاعفة في حال المعرفة بوجود قذائف كيميائية.
وهناك تحليل يفترض حاجة أميركا إلى المبرّر من أجل العودة بقوة إلى الأزمة السورية، وتغيير قواعد اللعبة العسكرية وتصوّر الحل السياسي الذي تحاول روسيا فرضه، مستغلة تراجع الدور الأميركي.
ما يحدث أنّ دخول السياسات الدولية وتشعُباتها في الأزمة السورية، وتداخل المصالح الدولية والإقليمية، جعل من تكرار المجازر وتبريرها، أمر يحتمل اختلاف وجهات النظر، وقد عملت الدول الكبرى في مجلس الأمن على إدارة الأزمة السورية فيما بينها، والتحكّم بحدود ردود الأفعال، عبر رسائل إلى أطرافٍ داخلية وخارجية، ووضع قواعد الاشتباك فيما بينها، وتبادل المعلومات عن موعد الضربات وموقعها، كما حدث مع ضرب مطار الشعيرات في قلب سورية.
بذلك كان على النظام السوري الذي أدار الأزمة بعقلية تشبه إدارة "مزرعة أبقار" أن يتوقع، مع إصرار الحليف الروسي على تجميد مجلس الأمن الدولي من القيام بدوره، خروج سياسة راعي البقر الأميركي عن طورها، مثلما فعل بوش في العراق، مع قدوم الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب.
ويتحمّل النظام المتمسّك بالحل العسكري المسؤولية عن كل ضحيةٍ مدنيةٍ بريئة، تستخدم للرسائل السياسية الداخلية أو الخارجية، وعمليات الانتقام والانتقام المضاد، فالعقل الانتقامي هو آخر ما يحتاجه السوريون الرافضون للعنف في بلادهم، وإنّ ما تحتاج له الأزمة السورية هو إيقاف العنف ورفضه، ولا تحتاج إلى تحليل أو تبرير للقتل لأيّ طرف كان، أو لأي سبب كان. ومن دون هذا الرفض للعنف، سيكون لأي قضيةٍ، مهما كانت قدسيتها، يحملها أي طرف سوري ضد طرف سوري آخر مخالف له، ليست سوى جريمة إنسانية وأخلاقية.
تستحق أرواح الأبرياء فرض إيقاف العنف بالقوة وإصدار قرار ملزم عن مجلس الأمن بوقف كلّ الأعمال القتالية، لأنّ الروح الإنسانية أكثر قدسيةً من كل مبرّرات القتل التي ترفع تحت رايات الشرعية أو الحرية.
578450E3-0A1E-4E86-8447-77DF4DA4E52B
578450E3-0A1E-4E86-8447-77DF4DA4E52B
علي طيبا (سورية)
علي طيبا (سورية)