27 سبتمبر 2018
مجزرة في السجن
ارتكب النظام السوري جرائم ضد الإنسانية، سواء بالقصف على المدن وتدميرها، أو بترحيل السكان، أو باستخدام الأسلحة الكيماوية، أو حصار المناطق وتجويع سكانها. وشاركت روسيا في الجرائم ضد الإنسانية هذه، كما إيران أيضا. وهي جرائم لم يلتفت إليها "المجتمع الدولي"، حيث ليست روسيا وحدها التي حمت النظام باستخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي، بل أيضا عملت أميركا وأوروبا على إعاقة كل محاولة لمعاقبة النظام، وهذا ما أعلن عنه أكثر من عضو في اللجان التي تتابعت، للبحث في استخدام الأسلحة الكيميائية.
وعلى الرغم من أن "قيصر" سرَّب آلاف الصور لأحد عشر ألف معتقل قتلوا في السجون، إلا أن ردود الفعل كانت باهتة. والآن يبلغ النظام عن آلاف المعتقلين الذين "ماتوا نتيجة أزمة قلبية"، بجرأةٍ لا مثيل لها وكذب مفضوح. وبذلك يؤكّد الجريمة التي اقترفها بلا تردّد، وهي جريمة إبادة جماعية لعشرات آلاف المعتقلين، وربما مئات الآلاف. وقد ذكّرتني صور قيصر بما شاهدت، حين نُقلت من فرع المخابرات الجوية إلى مشفى 601، حيث لفت انتباهي، وأنا أنظر من شقّ في الغطاء الذي يُحكم إغلاق عيوني، شابان ذكّراني بأشكال جوعى أفريقيا، حيث "جلد وعظم"، حتى القلب كان يبدو ظاهراً. ظننت حينها أن هذا هو وضعهم قبل الاعتقال. مات واحد منهما وأنا هناك، وكان يتم نقل الآخر إلى الانعاش بين الفينة والأخرى، وأظنه توفي فيما بعد. حين شاهدت صور "قيصر" فهمت الحالة، حيث إنه عدا الضرب المستمر (كنا نتعرَّض للضرب بالكابلات، وبعصي كهربائية، والضرب أقسى في الفروع الأمنية)، كان الأكل محدوداً، حيث الكمية قليلة جداً، وهي في الغالب برغل أو أرز ومرق. بالتالي، لم تكن تفي لعيش، بعد زمن من الاعتقال. كان التجويع من آليات القتل في السجون، وكانت هذه ذات فاعلية، على الرغم من وجود حالات كثيرة من القتل تحت التعذيب، أو بأحكام قاسية. وواضح أن النظام كان يتقصّد ذلك، لأنه يريد التخلص من شبابٍ كثيرين شاركوا في الثورة.
ما يعلنه النظام من أسماء هو لشبابٍ جرى اعتقالهم في الفترة الأولى من الثورة، أي قبل التسلّح، ومن شباب شاركوا في النشاط السلمي (مثال داريا واضح هنا، حيث كانت الأكثر سلمية، والشباب الذين أُعلن عن وفاتهم كانوا من الداعين إلى السلمية). ويبدو واضحاً أن هؤلاء الشباب كانوا أكثر خطراً على النظام ممن حملوا السلاح فيما بعد، لأن النظام اعتبر نفسه قادرا على هزيمة المسلحين، والتحريض عليهم، وتلويث نشاطهم، لكنه عاجز عن مواجهة شبابٍ يتظاهرون سلمياً ومصممين على التظاهر السلمي خيارا للثورة السورية. ما يُنشر اليوم من أسماء هو لهؤلاء الشباب الذين كانت حيويتهم وجرأتهم وتصميمهم تثير الخوف لدى النظام، ولهذا قرَّر أن ينتهي منهم، معتقلين ثم موتى. كان أشدّ قسوة ووحشية تجاه هؤلاء، وها هو يُعلن قوائم موتهم.
ومن يدقق في القوائم لن يجد بين هؤلاء "إرهابيا"، لا من "داعش"، ولا من جبهة النصرة، ولا حتى من جيش الإسلام وأحرار الشام، وكل هذه المجموعات التي لبست طربوش الدين، وأرادت إقامة "دولة إسلامية". لم يكن النظام يريد هؤلاء، ولم يكن معنياً لا باعتقالهم أو قتلهم، بل كان ينقلهم بالباصات الخضراء من منطقةٍ يريد تدميرها الى أخرى، يريد أيضاً تدميرها، فقد أراد قتل الشعب الذي تظاهر يريد الحرية، وهو مَنْ وسمه بالإرهاب، لكنه دعم وجود الإرهابيين الحقيقيين، وكل الأصوليين الذين كانوا يخدمون ما يريد، مبرّرا للقتل، وقوة تخريب ضد الثورة.
سيتّضح قريبا أن مجزرةً جرى ارتكابها في السجن، طاولت عشرات آلاف الشباب، الشباب الذي ناضل سلمياً من أجل الحرية، وإسقاط النظام. كان هؤلاء الخطر على النظام، وليس "داعش" ولا جبهة النصرة، أو غيرهما.
وعلى الرغم من أن "قيصر" سرَّب آلاف الصور لأحد عشر ألف معتقل قتلوا في السجون، إلا أن ردود الفعل كانت باهتة. والآن يبلغ النظام عن آلاف المعتقلين الذين "ماتوا نتيجة أزمة قلبية"، بجرأةٍ لا مثيل لها وكذب مفضوح. وبذلك يؤكّد الجريمة التي اقترفها بلا تردّد، وهي جريمة إبادة جماعية لعشرات آلاف المعتقلين، وربما مئات الآلاف. وقد ذكّرتني صور قيصر بما شاهدت، حين نُقلت من فرع المخابرات الجوية إلى مشفى 601، حيث لفت انتباهي، وأنا أنظر من شقّ في الغطاء الذي يُحكم إغلاق عيوني، شابان ذكّراني بأشكال جوعى أفريقيا، حيث "جلد وعظم"، حتى القلب كان يبدو ظاهراً. ظننت حينها أن هذا هو وضعهم قبل الاعتقال. مات واحد منهما وأنا هناك، وكان يتم نقل الآخر إلى الانعاش بين الفينة والأخرى، وأظنه توفي فيما بعد. حين شاهدت صور "قيصر" فهمت الحالة، حيث إنه عدا الضرب المستمر (كنا نتعرَّض للضرب بالكابلات، وبعصي كهربائية، والضرب أقسى في الفروع الأمنية)، كان الأكل محدوداً، حيث الكمية قليلة جداً، وهي في الغالب برغل أو أرز ومرق. بالتالي، لم تكن تفي لعيش، بعد زمن من الاعتقال. كان التجويع من آليات القتل في السجون، وكانت هذه ذات فاعلية، على الرغم من وجود حالات كثيرة من القتل تحت التعذيب، أو بأحكام قاسية. وواضح أن النظام كان يتقصّد ذلك، لأنه يريد التخلص من شبابٍ كثيرين شاركوا في الثورة.
ما يعلنه النظام من أسماء هو لشبابٍ جرى اعتقالهم في الفترة الأولى من الثورة، أي قبل التسلّح، ومن شباب شاركوا في النشاط السلمي (مثال داريا واضح هنا، حيث كانت الأكثر سلمية، والشباب الذين أُعلن عن وفاتهم كانوا من الداعين إلى السلمية). ويبدو واضحاً أن هؤلاء الشباب كانوا أكثر خطراً على النظام ممن حملوا السلاح فيما بعد، لأن النظام اعتبر نفسه قادرا على هزيمة المسلحين، والتحريض عليهم، وتلويث نشاطهم، لكنه عاجز عن مواجهة شبابٍ يتظاهرون سلمياً ومصممين على التظاهر السلمي خيارا للثورة السورية. ما يُنشر اليوم من أسماء هو لهؤلاء الشباب الذين كانت حيويتهم وجرأتهم وتصميمهم تثير الخوف لدى النظام، ولهذا قرَّر أن ينتهي منهم، معتقلين ثم موتى. كان أشدّ قسوة ووحشية تجاه هؤلاء، وها هو يُعلن قوائم موتهم.
ومن يدقق في القوائم لن يجد بين هؤلاء "إرهابيا"، لا من "داعش"، ولا من جبهة النصرة، ولا حتى من جيش الإسلام وأحرار الشام، وكل هذه المجموعات التي لبست طربوش الدين، وأرادت إقامة "دولة إسلامية". لم يكن النظام يريد هؤلاء، ولم يكن معنياً لا باعتقالهم أو قتلهم، بل كان ينقلهم بالباصات الخضراء من منطقةٍ يريد تدميرها الى أخرى، يريد أيضاً تدميرها، فقد أراد قتل الشعب الذي تظاهر يريد الحرية، وهو مَنْ وسمه بالإرهاب، لكنه دعم وجود الإرهابيين الحقيقيين، وكل الأصوليين الذين كانوا يخدمون ما يريد، مبرّرا للقتل، وقوة تخريب ضد الثورة.
سيتّضح قريبا أن مجزرةً جرى ارتكابها في السجن، طاولت عشرات آلاف الشباب، الشباب الذي ناضل سلمياً من أجل الحرية، وإسقاط النظام. كان هؤلاء الخطر على النظام، وليس "داعش" ولا جبهة النصرة، أو غيرهما.