مجرّد حادثة أخرى

16 ديسمبر 2015
غالباً ما تصف نفسها بـ "الخرقاء" (Getty)
+ الخط -

يخبط رأسها بالأرض، للمرّة الثانية على التوالي. تصحو من غيبوبة خاطفة، لم تدم إلا لحظات، قبل أن يثقل جمجمتها دوّار سمج. بأصابع مرتعشة وإنما حاسمة، تتلمّس أسفل رأسها بحثاً عن دماء محتملة. لا شيء. تعاود الكرّة، مرّة أخرى تِلوَ ثانية وثالثة.

تحاول النهوض. ثقل رأسها يمنعها. هو ثقل تتخلله ومضات على شكل حركات دائريّة. تضع راحتَي يدَيها على جانبَي عنقها، كأنما تريد سند رأسها حتى لا يلوي بثقله هذا. لا بدّ من أن تنهض. "إذا لم أفعل، سأفقد وعيي. إذا لم أفعل، لن يدري أحد بي".

تنهض. لمرّات عديدة، تمنع نفسها من السقوط أرضاً من جديد. توازنها مختلّ. كلما نظرت إلى الأرض، يجتاحها الدوار مجدداً. تستند إلى أحد جدران المكان. لا تهتمّ باتساخها. الوقت ليس مناسباً لوسواسها القهريّ. وتجول بنظرها الزائغ على الفسحة أمامها. لا بدّ من أن تعثر على نظّارتَيها ومفتاح سيارتها.

ارتجاج في الدماغ. هو تشخيص الطاقم الطبيّ في غرفة طوارئ ذلك المستشفى. بالتالي، ضرورة الخضوع إلى المراقبة لثمان وأربعين ساعة، خوفاً من نزيف محتمل لم يلحظه التصوير المقطعيّ الأوّل. من الممكن أن يحصل رشح بطيء خلال الساعات المقبلة. ويشرحون لها ما هي الأعراض الواجب التنبّه لها.

هي حادثة جديدة تتعرّض لها، تُضاف إلى أخرى في قائمة تطول. غالباً ما تصف نفسها بـ "الخرقاء"، هازئة من تعثّر يتكرّر بأشكال مختلفة، قد يكون أبسطها الارتطام بحافة السرير مرّات لا تُحصى ولا تُعدّ.

حوادث مماثلة ليست مستبعدة. كلّ واحد منّا معرّض لها، غير أنّها تتوقّف للحظات. ماذا لو حصل نزيف؟ ماذا لو وجب التنبّه له قبل ثمان وأربعين ساعة؟ ماذا لو خلّف إعاقة ما؟ صحيح أنّها حين وقوع الحادثة، تماماً كما الحال عند تعرّضها لأيّ موقف دقيق أو أزمة كبرى، عبّرت عن تماسك ورباطة جأش استثنائيَّين، إلا أنها وبعدما بردت خبطتها، راح الوهن والسوداويّة يجتاحانها.

طوال الساعات الثماني والأربعين، كانت تحاول تذكّر ما حصل وما الذي تسبّب في سقوطها أرضاً. لم تنجح في ملء الفراغ. هو فراغ امتدّ لثوانٍ ربما، أو أكثر بقليل. لكنّه يبقى فراغاً، ويؤرّقها. ماذا لو تكرّر الأمر؟ ماذا لو لم تسلم الجرّة في المرّة التالية؟ وفي محاولة للإبقاء على الأمور تحت سيطرتها، تحاول تبسيطها. مجرّد حادثة مثل غيرها. لماذا تكون مختلفة؟ لماذا تكون مقدّمة لحوادث أخرى قد تأتي نتائجها وخيمة؟ لماذا تكون مقدّمة لحادثة أخرى قد تعوّق حياتها، وليس فقط بعض مشاريع مع صديقة تزور البلاد بعد سفر طويل؟

ارتجاج. هو مجرّد ارتجاج في الدماغ. وتستمرّ الحياة، وإن بهذه الكلمات.

اقرأ أيضاً: موتٌ منقطعٌ 
دلالات
المساهمون