مثلّث حصار العمالة المصريّة في ليبيا

27 مارس 2014
عمال مصريون في طرابلس ينتظرون إجلاءهم في 2011 (getty)
+ الخط -

تواجه العمالة المصرية في ليبيا مخاطر عديدة يفاقمها تهاون الحكومات المصرية المتعاقبة إزاء حقوق مواطنيها في الخارج. وتشير الاحصاءات إلى أن أعداد العمال المصريين في ليبيا حالياً، تتراوح بين 500 ألف و750 ألفاً، في حين تجاوز العدد قبل ثورة فبراير/شباط 2011، المليونَي مصري. بعض المخاطر ما هو قديم، وبعضها الآخر طارئ حديثاً، وأبرزها الطائفية  والتحولات السياسية التي استجدت على العلاقات المصرية ــ الليبية بعد ثورة 17 فبراير.

 

التوظيف السياسي

قبل أيام، اقتادت مجموعات مسلحة 70 مصرياً من مناطق عين زارة وصلاح الدين وسوق الجمعة في العاصمة طرابلس الغرب، إلى السجن، بحجة التحقق من أوراقهم. لكن الحادثة تزامنت مع شائعة تفيد بتدخُّل عسكري مصري في شرق ليبيا. وقد أصدرت "المنظمة المصرية لحقوق الانسان" بياناً، دانت فيه "احتجاز السلطات الليبية 70 مواطنا مصريا في انتهاك صارخ للحق في الحرية والامان الشخصي"، مطالبة السلطات المصرية العمل على إعادة جميع المصريين الموجودين في ليبيا إلى بلادهم.

وسُجّلت  في العامين الماضيين اعتداءات متكررة على العمال المصريين في شرق ليبيا خصوصاً. وعلى الرغم من الامتدادات العائلية بين مصر وشرق ليبيا، الا أن مجموعة مسلحة قامت باختطاف 140 سائقا مصريا في مدينة اجدابيا، كعقاب للحكومة المصرية التي سمحت ببث قناة فضائية موالية لنظام معمر القذافي على قمر "النايل سات". كما ساوم بهم المختطفون  للافراج عن عدد من مهربي السلاح والمخدرات الذين ألقت السلطات المصرية القبض عليهم.

وفي السياق، شهد معبر مساعد – السلوم الحدودي، أكثر من 18 حالة إغلاق في وجه العمالة المصرية الوافدة براً خلال عامين. وصاحب الاغلاق اعتداءات واحتجاز لعمال مصريين  وسيارات نقل بضائع مصرية لأسباب يتعلق معظمها بـ"معاقبة" مصر لإيوائها عدداً من رموز نظام القذافي، أبرزهم أحمد قذاف الدم.

أما العاصمة طرابلس، فقد شهدت، في فبراير/شباط 2013، تعرُّض عمال مصريين للضرب الشديد بالأيدي والعصي والأرجل والأسلاك الكهربائية من قبل مجموعة مسلحة مجهولة. وقُتل عدد من المصريين وجُرح عدد آخر كرد فعل ضد المجلس العسكري المصري على خلفية سماحه بإعادة بث قناة "الجماهيرية" الفضائية الموالية للقذافي على القمر المصري "نايل سات" أيضاً، بحسب الإعلامي اسعد امبية.

ويرى المحلل السياسي  الليبي، سنوسي بسيكري، أن العلاقات المصرية - الليبية تتسم بحالة من  المراوحة والانحسار تصل إلى درجة العجز عن حسم الخلافات حول الملفات البينية التقليدية، كملف العمالة.

ويضيف بسيكري أن المخاض الذي يواجه الثورة المصرية، وعدم الاستقرار السياسي "يمكن أن يؤثر بشكل كبير على مسار العلاقات مع ليبيا، مع تغيُّر أولويات السياسة الخارجية المصرية بعد عزل الرئيس محمد مرسي، والدعم الخليجي للسلطات الحالية في مصر، وهو ما قد يصبغ الاقتصاد المصري بصبغة خليجية، ويعزز من الروابط الخليجية - المصرية في كافة المجالات، الأمر الذي يصبح معه تطوير العلاقات الليبية - المصرية إلى مستوى شراكة استراتيجية مستبعداً".

وأول استخدام للعمالة المصرية كورقة ضغط سياسية في ليبيا، حصل في العام 1977، حين اختلف القذافي مع الرئيس الراحل أنور السادات، بعد قيام الأخير بعقد اتفاقية "كامب ديفيد" مع إسرائيل. حينها، ردّت حكومة القذافي بترحيل العمالة المصرية، لا بل يشير شهود عاصروا تلك الحقبة إلى أنها تهاونت مع التنكيل بأي عامل مصري على الاراضي الليبية.

وقامت الاجهزة الامنية الليبية في حينها، بمداهمة منازل المصريين، ونهب وتخريب كل متعلقاتهم، حتى تمّ ترحيل جميع العمال من ليبيا، وانقطعت العلاقات منذ العام 1977، ولـ12 عاماً، حتى لقاء القذافي مع الرئيس المخلوع حسني مبارك في المغرب عام 1989. بعدها، تمّ إلغاء تأشيرات الدخول لمواطني البلدين، ونتج من هذا التحسن في العلاقات، توقيع عشر اتفاقيات تنظّم كافة أوجه التعاون بين البلدين، وذلك في العام 1991.

 

الطائفية الجديدة

أحد المخاطر التي طرأت بعد ثورة فبراير الليبية، هو الحالة الطائفية، مع انتشار التنظيمات الاسلامية المتشددة، وهو ما انعكس مراراً في استهداف مباشر لمصريين أقباط، على الرغم من وجود أعداد كبيرة من الزوار المسيحيين في ليبيا، من ذوي الجنسيات الأخرى، لم يتم تسجيل اعتداءات ضدهم، باستثناء ثلاثة افراد، منهم السفير الأميركي، ومهندس إيطالي في طبرق، ومدرس اميركي في بنغازي.

أما المصريون الأقباط، فقد تعرضوا ودور عبادتهم إلى عدد من الاعتداءات؛ ففي مارس/آذار2013، أُلقي القبض على عدد من الاقباط في شرق البلاد، بتهمة التبشير. كما توفّي مواطن مصري أثناء احتجازه على ذمة التحقيقات في تهم "تخابر وتبشير". 

وأثارت القضية جدلاً واسعاً في حينها، وتم ترحيل المقبوض عليهم، وجثة المتوفى بعد تدخلات دبلوماسية. وسبقت ذلك بأسبوع قضية أخرى مع اعتقال 55 قبطياً مصرياً، أفرجت عنهم طرابلس بعدما اتهمتهم بممارسة التبشير أيضاً.
كما تعرضت دور عبادة مسيحية في بنغازي (شرق) وفي مصراتة (غرب) لاعتداءات، وقُتل بعدها مواطن مصري، وأصيب ثلاثة آخرون، إثر هجوم بقنبلة استهدفت مبنى خدمات تابع للكنيسة المصرية في مدينة مصراتة في ديسمبر/كانون الأول 2012.

ومطلع الشهر الجاري، شهدت بنغازي مذبحة، حين قام مسلحون بذبح 7 مصريين أقباط بعد اقتيادهم من منازلهم. ثمّ تعرض قبطي مصري آخر، في اليوم التالي، لمحاولة اغتيال في المدينة نفسها.