متى يفهم العرب؟

24 ابريل 2015
يعيشون ومنذ عقود، على مآثر تاريخية (فرانس برس)
+ الخط -
عجبا لهؤلاء العرب، يزعمون أنهم أصحاب حضارة وتاريخ، بينما هم الآن في ذيل قائمة التقدم العالمي، يستوردون من الخارج كل لوازمهم، وقيمتهم الحقيقية في العالم تكمن في كونهم مستهلكا كبيرا.

يزعمون أنهم أصحاب دين وعقيدة، بينما يقتلون بعضهم بعضا بلا هوادة، ويحاول العالم كله التدخل في ما بينهم لوقف إهدار الدم، لكنهم لا يستجيبون، ولا تكاد تنطفئ لهم حرب حتى توقد حرب أخرى.

يزعمون أن لهم أفضالا على الدنيا كلها قديما وحديثا، وأنهم علموا العالم وأناروا مشاعله، بينما الواقع المعاش أن نسبة الفقراء بينهم كارثية، وعدد المرضى بينهم في تزايد مطرد، والبطالة وحش كاسر يضرب مفاصل مجتمعاتهم.

يروجون أنهم أصحاب علم وثقافة وتاريخ من الفنون، بينما لا قيمة حقيقية لهم حاليا في المجتمعات العلمية العالمية، وجامعاتهم في ذيل قوائم التصنيف العالمي، ومكتباتهم خالية تقريبا من أي إنتاج جديد مفيد، وفنونهم مجرد محاولات تقليد باهتة لما يقدمه الآخرون.

والمواطنون العرب في معظمهم، يعيشون ومنذ عقود، على مآثر تاريخية، فهذا يتحدث عن حضارة الأجداد، وذاك يتفاخر بالمال الوفير الذي تملكه البلاد، والثالث يتمسك بتقاليد بالية لم تعد تناسب العصر، والرابع انخلع كليا من ثقافته إلى ثقافة استوردها من الخارج، رغم كونها لا تناسبه بالأساس.

وكثير من العرب، للأسف، منفصل عن الواقع. بعضهم يعيش في عوالم موازية لا همّ له فيها إلا المتعة وتضييع الوقت، وآخرون يعيشون في عوالم افتراضية قوامها مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية، وغيرهم يعيش أوهاما اخترعها وروّجها وبات يصدقها، وفريق آخر يحيا على تفسيرات متعددة لنظرية المؤامرة الكونية.

كل هذا والحكام العرب في واد آخر. يروّج الحكام، في معظمهم، أنهم حملة مفاتيح الحرية والديمقراطية لمواطنيهم، وأن ما تعيشه شعوبهم لا يقارن به معظم الجيران، وأن اهتمامهم بشؤون مواطنيهم يستغرق جل وقتهم ويشغلهم عن الراحة. كلهم يرى نفسه الأب والقائد والمعلم والزعيم، كلهم يعامل الشعوب بمنطق فرعون موسى "لا أريكم إلا ما أرى ولا أهديكم إلا سبيل الرشاد".

يبقى لدى العرب بصيص أمل في عيش حياة أفضل تليق بهم كبشر، وبتاريخ ناصع عاشه أجدادهم، أمل يحاول بعضهم دعمه ونشره، وتحاول الأقلية المتنفّذة المستفيدة من الأوضاع القائمة الإجهاز عليه. يخبو الأمل أحيانا حتى يظن بعضهم أنه لا سبيل إلى التحرر والتطور والكرامة، وتستعر جذوته أحيانا أخرى حتى يظن بعضهم أنه بات قاب قوسين أو أدنى.
لكن يبقى الأمل قائما، ويبقى العرب في انتظار تحققه.
المساهمون