متى يظهر المهدي العربي؟

12 اغسطس 2016
+ الخط -
تحشد إيران آلاف المقاتلين من أبناء الفقراء من العراق ولبنان وباكستان وأفغانستان، لزجّهم في معارك حلب ضد أبناء الشعب السوري، في معركة طالما صوّرها أركان الحكم فيها مصيرية، ومن شأنها تغيير وجه المنطقة إلى الأبد.
ليس في حلب مراقد لآل البيت، فهي ليست رمزاً دينياً مثل دمشق، كما أنها أكثر المدن السورية بعداً عن فلسطين، بل هي أقرب المدن السورية إلى الغرب، عبر البوابة التركية، والغرب هو الجهة التي تمنّي إيران نفسها بإقامة العلاقات معه ودعوته للاستثمار فيها، كما أن الحرب في حلب، وبالمنطق الإيراني الذي يعتبر فلسطين هدفه المقدّس، يفترض أنها تعني مجرد تناقض ثانويٍّ، لا يجوز ولا يصح أن يستهلك موارد إيران، ويستنزف طاقاتها ويلهيها عن الأهداف الكبرى التي تعلن عنها دولة الملالي.
هو خليط من السياسات والتكتيكات الإيرانية المتناقضة التي تنطوي على مطامع إمبريالية، تتجلى في الرغبة في السيطرة على الفضاء الجغرافي المشرقي، مستثمرة، بدرجة كبيرة، حالة الفراغ السياسي في سورية والعراق ولبنان، جرّاء اهتراء بنى السلطة فيها، لكنها تستخدم أسلوباً تعبوياً، يقوم على الفرز الطائفي، ويستخدم في خطابه سردية المظلومية التاريخية، مع إجراء التحديثات المناسبة، لإسقاطها على الواقع الراهن، عبر التخويف من إعادة إنتاج تلك المظلومية، وبمفرداتها وتفاصيلها المشبعة بالتضليل والأوهام، من نمط إعادة السبي والاستضعاف والظلم وباقي تلك المفردات.
ولكن، قبل أن نلج في التحليل بعيداً، ثمّة ملاحظة يتوجب إيرادها، هي مفارقة بالفعل في هذا المقام، ذلك أن "داعش"، التنظيم الذي تتهم إيران باختراقه، حتى لا نقول أكثر، ساهم في جزء من ممارساته في إعادة إنتاج بعض مفردات تلك السردية، كالسبي والاستضعاف، بما يعزّز مقولة إيران، لكن ما حصل أن "داعش" لم يمارس تلك الأفعال في بيئةٍ شيعية، بل في بيئاتٍ يكفّرها الشيعة أنفسهم، اليزيدية، التي لا تختلف نظرة المراجع الشيعية في العراق إليهم عن نظرة داعش، بالإضافة إلى مفارقةٍ أخرى، أن تلك المناطق لم تكن استراتيجية بالنسبة لحروب داعش، وكأن الأمر اقتضى تحويلها إلى مسرحٍ لإنتاج كل ذلك الكم من الإرهاب الذي ستلتقطه إيران، لتوظّفه في خطابها التعبوي، وتبرّر لنفسها كل حروب الإبادة التي ستجريها في العراق وسورية ضد الطائفة الأخرى.
وبالعودة إلى التحليل، تشكّل إيران المحرك الأساس للصراع المشتعل في المشرق، كما أنها المسؤولة، بدرجةٍ كبيرةٍ، عن أغلب التداعيات والخراب الذي حصل في عمق الكيانات المشرقية، وأدى إلى تصدّعها، وتدمير النسائج الاجتماعية لتلك المجتمعات. ومن نافلة القول إن الجزء الأكبر من مساحة التطرف الناشئ في المنطقة جرى استدعاؤه نتيجة التصرفات
الإيرانية، وعلينا أن نتذكّر أن التنظيمات الجهادية في المنطقة تشكّلت لتحاكي التشكيلات التي صنعتها إيران في المنطقة، على نمط حزب الله ومنظمة بدر وأبو الفضل العباس، بل تشتغل أغلب تلك التنظيمات تنظيمياً وحركياً وفق النمط والأسلوب الذي صمّمته إيران التي استطاعت صناعة ما يسمى "النهوض" الشيعي، عبر تفسيرها استيلاء أعوانها في العراق على السلطة، وصمود حزب الله شهراً في صيف 2006 أمام الضربات الإسرائيلية، ووظفت هذه المعطيات في سياق سياستها التحريضية لشيعة المنطقة. وصحيح أنه لا يمكن القول إنّ جميع الشيعة في المنطقة لا ينخرطون في سياسات إيران، لكن الحقيقة أن تأثير إيران تغلغل في شرائح شيعية كثيرة، واستطاعت استقطاب عشرات الآلاف من الشباب، لخدمة أهدافها الإمبراطورية في المنطقة.
وتستثمر إيران في تلك البيئات، بوصفها ثروةً بشريةً كبيرة، وخزاناً لا ينضب، وهي تعمل بأريحيةٍ مطلقة، ضمن تلك البيئات، بعد أن استطاع أتباعها وأذرعها تحييد القوى المتنوّرة، وتهميشها عبر تشويهها، كما حصل في لبنان مع المثقفين الرافضين سلوك حزب الله، عبر اتهامهم بالتخاذل، وحتى العمالة، وإطلاق صفة "شيعة السفارة الأميركية". أما في العراق، فلا صوت يعلو فوق صوت المرجعيات والتشكيلات العسكرية التي تأتمر بإمرتها. وهكذا استطاعت إيران، ليس فقط تشكيل الوعي لدى هؤلاء، بل أيضاً على توجيههم بالاتجاه الذي تتطلبه مصالحها، وبما يحقق أهدافها.
والمشكلة في مواجهة هذا الواقع، عدا عن أنه يشكل خزاناً بشرياً هائلاً، من شأنه أن يصنع وقوداً دائماً لحربٍ طويلة، فهو، بالإضافة إلى ذلك، لا تشكّل الخسارات في إطاره ضغطاً على منظومة حكم الملالي، كونه عنصراً برانياً عن المجتمع الإيراني، ولأن الذهنية الإيرانية تتعامل بفوقيةٍ مع الشيعة الذين هم من خارج القومية الفارسية، وتحديداً العرب منهم.
على ذلك، فإن الحشد لمعارك حلب وخراب سورية والمشرق لن يتوقف، ما دام لم تظهر تغييرات في وعي شيعة المشرق وإدراكهم، وما دام أن دولة الملالي في إيران هي من تصنع وعي الغالبية الشيعية في المشرق. ويبدو أن هذا السياق الذي يحتاج إلى متغيراتٍ بنيويةٍ عميقةٍ، ولم تظهر مؤشرات له حتى اللحظة، هو الغالب، أقله في المديين المنظور والمتوسط. أما الآن، فليس لنا إلا أن نمني أنفسنا بظهور مهدي عربي، يكشف زيف ادعاءات المرشد الإيراني، علي خامنئي، أنه يسهر كل ليلة مع المهدي، ويأخذ منه التوجيهات، والتي في حال تطبيقها ستسرّع من عودته، والتي يبدو أنها، وحسب وصفة خامنئي، مشروطة بصناعة بركة دم كبيرة في المشرق.

5E9985E5-435D-4BA4-BDDE-77DB47580149
غازي دحمان

مواليد 1965 درعا. كتب في عدة صحف عربية. نشر دراسات في مجلة شؤون عربية، وله كتابان: القدس في القرارات الدولية، و"العلاقات العربية – الإفريقية".