تمنح نتائج جوائز نوبل هذا العام، كالعادة، المزيد من المؤشرات حول سوء الحال الذي وصل إليه العرب في مسيرة تطور كوكبنا، وتظهر مدى بؤس أحوالنا مقارنة بأشخاص غيرنا يعيشون ظروفاً أفضل في مناطق أخرى من العالم.
بداية، ليس في الفائزين عربي واحد، وليس هذا مستغربا، بل إن فوز عربي هو الغريب، كما أن أسباب منح الجائزة للفائزين في مجالاتها المختلفة تجعل العربي يخجل من تاريخ ناصع من الإنجازات والأبحاث والاكتشافات حققه الأسلاف.
في الطب منحت جائزة نوبل لثلاثة علماء اعترافاً بجهودهم في ابتكار عقاقير لمكافحة الأمراض الطفيلية مثل الملاريا وداء الفيل، معظم الدول التي تستخدم فيها تلك العقاقير حالياً من دول العالم الثالث التي تضم الكثير من الدول العربية، وإلى جانبها أمراض أخرى مثل الكوليرا والسلّ في العراق وغيره، والحمى النزفية في موريتانيا وغيرها، والحصبة في سورية وغيرها، وكورونا في السعودية وغيرها.
أما جائزة نوبل في الكيمياء فمنحت لعلماء لإسهاماتهم في وضع خريطة لكيفية قيام الخلايا بإصلاح تلف الحمض النووي (دي إن إيه)، في حين ما زال العرب يتصارعون طائفياً وعرقياً، ويقتل بعضهم بعضا لأسباب تافهة أو دون أسباب أحيانا.
كما منحت جائزة نوبل في الفيزياء لعلماء اكتشفوا أن جسيمات النيوترينو دون الذرية ذات كتلة، ما يفتح باباً جديداً في فهم طبيعة الجسيمات الأساسية للكون، بينما ملايين العرب لا يعرفون عن الكون إلا الخرافات المتوارثة والإذعان لقرارات الحاكم والالتزام بعادات الطائفة والبحث عن مصالح القبيلة.
وقبل أكثر من أسبوع، قال علماء من سفينة فضاء تابعة لإدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) إن مياهاً مالحة تنساب خلال شهور الصيف على سطح كوكب المريخ. ما يزيد احتمال أن يكون على الكوكب نوع من أنواع الحياة، في المقابل يقتل عشرات العرب يومياً في صراعات داخلية محتدمة تمتد لسنوات مضت، أو بقصف طائرات استقدمها بعضهم من الخارج لقتل مواطنيهم في الداخل من دون أدنى مراعاة للحق في الحياة.
الهوة سحيقة بين ما ينتهجه قطاع من العالم لتحسين معيشة البشر وإيجاد بدائل للطاقة التي باتت على وشك النضوب، أو توفير طاقة نظيفة آمنة، أو فهم طبيعة الأشياء وسبر أسرار الكون، وبين قطاع آخر من العالم يشمل العالم العربي، ينتهج أوضاعاً معاكسة، ويقبع في صراعات دامية متصلة بلا طائل تستنزف فيها يوميا الدماء وتزهق الأرواح وتهدر الثروات.
ليس القطاع المتقدم من العالم بريئاً بالقطع مما آل إليه حال القطاع الآخر المتخلّف، بل ربما يستغل هذا التخلف لاستمرار تطوره.
اقرأ أيضاً: نقاش حول الحج