08 نوفمبر 2024
متلازمة نظام الحزبين الأميركية
ابتلى الأميركيون بنظام الحزبين، الديمقراطي والجمهوري اللذيْن احتكرا حكم أميركا مداورةً، عاشوا في ظل هذا النظام، ولم يدركوا غيره، فسلموا به، واعتبروه، بحكم التعوّد، أسلوب الحياة السياسية الحقّة لنظام ديمقراطي، يعتبره حرّاسه الأكملَ، والقدوة التي عملوا ويعملون ما في وسعهم لفرضه على دول أخرى، أو نصحها بتبنّيه واتباعه، على الرغم من قصوره، وفشله في أن يكون الشكل الأوّلي، على الأقل، لديمقراطيةٍ حقة. فشلٌ سببه اقتصار هذا النظام على حزبين يتشابهان حتى التماثل، حتى يبدوان حزباً واحداً، بنى نظاماً لم يترك فيه حيزاً لظهور حزب أو أحزاب أخرى وعملها.
يتبدّى جلياً مأزق الأميركيين، ناخبين ومرشحين، ويتكرّر بسبب هذا النظام كل أربع سنوات، عندما يحين موعد الاستحقاق الرئاسي، كما في استحقاق العام الجاري. إذ أنه لا خيار ثالث أو رابع أمامهم للركون إليه، ولا مكان لمن لا ينتمي إلى هذا النظام في حياةِ بلاده السياسية. فإن حاول مستقلون، أو أعضاء في أحزاب صغيرة، أن يطلّوا برؤوسهم على المشهد الانتخابي، سرعان ما ينسحبون أمام محدلة الحزبين، ليشكلوا، في البداية، ما يمكن اعتباره توابل ضرورية للطبخة الانتخابية الأساسية، ثم يتبخّروا قبل بدء مرحلة نضوج مكوناتها. وبفعل قوتهما وهيمنتهما على المشهد السياسي في البلاد، يتمظهر الحزبان بمظهر الثنائية الأبدية، الخير والشر التي لا بد أن يمثل أحدهما إحداها، كي ترجّح الكفة نحو الأخيَر. ولا يتمثَّل أحدهما الشر المطلق، كما لا يتمثَّل الآخر الخير المطلق، فهي نسبيةٌ لا بد من توفرها لاستمرار دوران هذه الحلقة، مقدمين بذلك مثالاً عن إرادةِ خالقٍ، خلق الثنائية فكانا على شاكلتها، وإن أطلّ طرفٌ ثالث فهو، بالضرورة، خارج هذه الحلقة، لأنه خارج إرادة خالقٍ، شاء الثنائية ولم يشأ تعدداً أوسع منها.
والحزبان، الديمقراطي والجمهوري، متماثلان كأنهما حزب واحد، فالذي يشدّ منهما في طرف هذا الحبل يُرخي في طرف حبلٍ آخر. وعلى هذا الأساس، تتوزّع معارضتهما أو دعمهما قضايا ومسائل تخص سياسة حكومة بلادهما الخارجية، كما الأمر مع سياستها الداخلية، معتمدين تبادلاً في أدوار المعارضة أو الدعم، فالذي يقول لك إن الجمهوريين أميَلُ إلى استخدام القوة في السياسة الخارجية، تستطيع أن تدحض رأيه بمثالٍ عن مرتكب أكبر جريمة قتلٍ جماعي في التاريخ البشري، هاري ترومان، وهو الرئيس الديمقراطي الذي أمر بإلقاء القنبلتين النوويتين على هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين، أواخر الحرب العالمية الثانية. وفي منطقتنا العربية، يقول متشائمون إن الحزبين متفقان على قتلنا، لكنهما مختلفان على طريقة القتل. فهما يتماهيان في دعم الكيان الإسرائيلي وجرائمه ضد العرب. وإن أشعل ممثل أحدهما حرباً في منطقتنا، كمثال جورج بوش الجمهوري وحربه على العراق، أدار ممثل الآخر حروباً فيها وأذكاها، كمثال باراك أوباما الديمقراطي وحربي العراق وسورية.
وعلى عكس الحياة السياسية في بعض الدول الأوروبية، حيث تظهر أحزابٌ وتيارات، وتختفي
أخرى، وفي انتخاباتها تنتصر أحزابٌ لم يكن انتصارها متوقعاً، يستمر نظام الحزبين غالباً على حياة الأميركيين السياسية منذ ما يقارب القرنين. وإنْ حدث وظهر حزبٌ أو تيار، وحصد شعبيةً بين الجمهور، يصادف أن يكون خارجاً من رحم أحد الحزبين. وهو ما ينطبق على "حزب الشاي" الذي خرج من رحم الحزب الجمهوري سنة 2009، لكنه لم يقطع حبل السرّة معه. وأطلق على نفسه "حركة حزب الشاي"، كي يبقى في كنف الحزب حركة، وليس حزباً مستقلاً ذا قيادة مستقلة، وهو من أشكال التنويع على اللحن المستمر ترداده عشرات السنين. فهو جاء ليؤكّد ما كرّسه الحزب الجمهوري من قبله، أي السياسات المفارقة لمطالب الجماهير الفقيرة والمساندة لقوى الرأسمال.
ومن مفارقات الحياة السياسة الأميركية، أن بيرني ساندرز، وهو شخصية له طرح مغاير سياسياً واقتصادياً، للمرشحيَن الآخرَين للرئاسة هيلاري كلينتون ودونالد ترامب، حين أراد خوض السباق الانتخابي مستقلاً، وجد أنه كي يقيض له الاستمرار في السباق، وفي عزمه الوصول إلى البيت الأبيض، عليه، والأمر كذلك، الانتماء إلى أحد الحزبين، فاختار الانضمام إلى الحزب الديمقراطي. وعلى الرغم من إعلانه مراراً أنه ديمقراطي، إلا أن ملفه التعريفي على الإنترنت بصفته عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي، يستمر في تقديمه عضواً مستقلاً في المجلس.
حاول أميركيون مستقلون مراراً كسر احتكار الحزبين للحياة السياسية في بلادهم، فحاولوا إنشاء تيارات أو أحزاب أو حركات احتجاجية. لكن مثالاً حول القمع (العالم ثالثي) لآخر تلك الحركات، وهي حركة "احتلوا وول ستريت" التي نشطت في أكثر من مئة مدينة أميركية رئيسية سنة 2011، تعطينا المثال حول صعوبة تحقيق ذلك. كما أنها توفر الدليل على مدى تحكّم قوى الرأسمال الكبير، من بنوك وشركات صناعة الأسلحة وغيرها، بقرار بلادهم السياسي، ومدى خوفهم من ظهور أي حزبٍ جديد يكسر احتكار الحزبين الهانئ للعمل السياسي في هذه البلاد.
يتبدّى جلياً مأزق الأميركيين، ناخبين ومرشحين، ويتكرّر بسبب هذا النظام كل أربع سنوات، عندما يحين موعد الاستحقاق الرئاسي، كما في استحقاق العام الجاري. إذ أنه لا خيار ثالث أو رابع أمامهم للركون إليه، ولا مكان لمن لا ينتمي إلى هذا النظام في حياةِ بلاده السياسية. فإن حاول مستقلون، أو أعضاء في أحزاب صغيرة، أن يطلّوا برؤوسهم على المشهد الانتخابي، سرعان ما ينسحبون أمام محدلة الحزبين، ليشكلوا، في البداية، ما يمكن اعتباره توابل ضرورية للطبخة الانتخابية الأساسية، ثم يتبخّروا قبل بدء مرحلة نضوج مكوناتها. وبفعل قوتهما وهيمنتهما على المشهد السياسي في البلاد، يتمظهر الحزبان بمظهر الثنائية الأبدية، الخير والشر التي لا بد أن يمثل أحدهما إحداها، كي ترجّح الكفة نحو الأخيَر. ولا يتمثَّل أحدهما الشر المطلق، كما لا يتمثَّل الآخر الخير المطلق، فهي نسبيةٌ لا بد من توفرها لاستمرار دوران هذه الحلقة، مقدمين بذلك مثالاً عن إرادةِ خالقٍ، خلق الثنائية فكانا على شاكلتها، وإن أطلّ طرفٌ ثالث فهو، بالضرورة، خارج هذه الحلقة، لأنه خارج إرادة خالقٍ، شاء الثنائية ولم يشأ تعدداً أوسع منها.
والحزبان، الديمقراطي والجمهوري، متماثلان كأنهما حزب واحد، فالذي يشدّ منهما في طرف هذا الحبل يُرخي في طرف حبلٍ آخر. وعلى هذا الأساس، تتوزّع معارضتهما أو دعمهما قضايا ومسائل تخص سياسة حكومة بلادهما الخارجية، كما الأمر مع سياستها الداخلية، معتمدين تبادلاً في أدوار المعارضة أو الدعم، فالذي يقول لك إن الجمهوريين أميَلُ إلى استخدام القوة في السياسة الخارجية، تستطيع أن تدحض رأيه بمثالٍ عن مرتكب أكبر جريمة قتلٍ جماعي في التاريخ البشري، هاري ترومان، وهو الرئيس الديمقراطي الذي أمر بإلقاء القنبلتين النوويتين على هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين، أواخر الحرب العالمية الثانية. وفي منطقتنا العربية، يقول متشائمون إن الحزبين متفقان على قتلنا، لكنهما مختلفان على طريقة القتل. فهما يتماهيان في دعم الكيان الإسرائيلي وجرائمه ضد العرب. وإن أشعل ممثل أحدهما حرباً في منطقتنا، كمثال جورج بوش الجمهوري وحربه على العراق، أدار ممثل الآخر حروباً فيها وأذكاها، كمثال باراك أوباما الديمقراطي وحربي العراق وسورية.
وعلى عكس الحياة السياسية في بعض الدول الأوروبية، حيث تظهر أحزابٌ وتيارات، وتختفي
ومن مفارقات الحياة السياسة الأميركية، أن بيرني ساندرز، وهو شخصية له طرح مغاير سياسياً واقتصادياً، للمرشحيَن الآخرَين للرئاسة هيلاري كلينتون ودونالد ترامب، حين أراد خوض السباق الانتخابي مستقلاً، وجد أنه كي يقيض له الاستمرار في السباق، وفي عزمه الوصول إلى البيت الأبيض، عليه، والأمر كذلك، الانتماء إلى أحد الحزبين، فاختار الانضمام إلى الحزب الديمقراطي. وعلى الرغم من إعلانه مراراً أنه ديمقراطي، إلا أن ملفه التعريفي على الإنترنت بصفته عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي، يستمر في تقديمه عضواً مستقلاً في المجلس.
حاول أميركيون مستقلون مراراً كسر احتكار الحزبين للحياة السياسية في بلادهم، فحاولوا إنشاء تيارات أو أحزاب أو حركات احتجاجية. لكن مثالاً حول القمع (العالم ثالثي) لآخر تلك الحركات، وهي حركة "احتلوا وول ستريت" التي نشطت في أكثر من مئة مدينة أميركية رئيسية سنة 2011، تعطينا المثال حول صعوبة تحقيق ذلك. كما أنها توفر الدليل على مدى تحكّم قوى الرأسمال الكبير، من بنوك وشركات صناعة الأسلحة وغيرها، بقرار بلادهم السياسي، ومدى خوفهم من ظهور أي حزبٍ جديد يكسر احتكار الحزبين الهانئ للعمل السياسي في هذه البلاد.