لطالما نشطت المجموعات اليسارية في
لبنان، ضدّ ميناء اليخوت والرصيف الذي يحيط به، بما يضمّ من نوادٍ ومطاعم ومقاهٍ، في خليج مار جرجس، في العاصمة اللبنانية بيروت، أو ما بات يعرف بـ"زيتونة باي". لكنّ الوقفات الاحتجاجية على مدار السنوات السابقة، وحوادث الاقتحام للمرفق الحيوي، بسبب اتهام مستثمريه باحتلال
الأملاك العامة البحرية، ومحاولة تثبيت حق جميع الناس بهذه الأملاك، كانت تلاقي القليل من الاهتمام.
كلّ شيء تغير الآن،
فانتفاضة اللبنانيين التي بدأت في السابع عشر من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، استفادت من التحركات السابقة وصنعت تحركاتها الخاصة بزخم أكبر بكثير، حتى باتت روزنامة التحركات يومية في اتجاهات مختلفة من بينها "زيتونة باي".
نهار الأحد، بطقسه الصيفي المميز، كان على موعد مع متظاهرين بالمئات نزلوا ضيوفاً، على "أملاكهم العامة البحرية" في الخليج. هناك، جهزوا فطورهم منذ الصباح الباكر، مركزين في معظمهم على أن يكون طابع الطعام والمسليات من المطبخ اللبناني ومن الصناعات الغذائية اللبنانية المرتبطة بالفقراء خصوصاً؛ شأن المناقيش (معجنات)، وكعك "العصرونية"، والفشار، ورقائق البطاطس، والعصير المعلب بالكرتون الهرمي الشكل المعروف بـ"بونجوس" أو "بونجيص" في لفظ البعض، وفول وحمص، وترمس، وذرة، وغيرها.
لم يكتفوا بالطعام، بل تجولوا وهتفوا هتافات الثورة، ولا سيما: "الوطن للعمال يسقط يسقط رأس المال". وبينما لعب الأطفال في مساحة مميزة بالنسبة إليهم، وخصوصاً أنّ أرضية الرصيف خشبية، لا يشبهها ما يعرفونه على كورنيش المنارة، أو غيره، جلس البعض من الأهالي والمتظاهرين الآخرين، شباباً وشيباً، يدخنون النارجيلة، أو يصطادون، بل إنّ بعض الشبان لم يتأخروا عن السباحة في مياه الميناء، بالرغم من أنّها ملوثة بوقود اليخوت، وليس في الإمكان في الأحوال العادية السباحة فيها.
في كلّ الأحوال، كلّ هذه النشاطات غير ممكنة في الأحوال العادية، لكنّ المتظاهرين أرادوا أن يكون يومهم متكاملاً، خصوصاً في تأكيد حقوقهم في هذا الملك العام، في شعاراتهم التي حملوها أو هتافاتهم وأغانيهم، أو حتى في وجودهم نفسه هناك.
دفع هذا الوجود والنشاطات السابقة باتجاه "زيتونة باي" أصحاب اليخوت في معظمهم إلى الانسحاب بها خارج الميناء منذ الأسبوع الماضي، وخصوصاً بعدما اعتقلت قوى الأمن الداخلي يومها شابين قيل إنّها اتهمتهما بمحاولة إشعال النار في المكان.
بعيداً عن المكان، قليلاً، وفي قلب العاصمة، استمرت التظاهرات والاعتصامات، ولا سيما في الساحتين الرئيسيتين: رياض الصلح والشهداء، كذلك شهدت مناطق عدة من بيروت ولبنان تحركات احتجاجية. ومن هذه التحركات "مسيرة علمانية" وصلت إلى ساحة رياض الصلح، بعدما انطلقت من أمام مبنى وزارة الداخلية، في الصنائع، وجابت الأحياء الداخلية في مناطق الظريف وكركول الدروز وبشارة الخوري. وتوجه المشاركون في المسيرة إلى أهالي المناطق التي مروا فيها بالقول: "يلي واقف عالبلكون انزل لاقي شعبك هون"، ورددوا هتاف "علماني علماني بدنا وطن علماني".
|
من "مسيرة علمانية" (جميع الصور بعدسة: حسين بيضون) |