متحف هنري لوسيان: منازل بورود كثيرة

بيروت

عبد الرحمن عرابي

avata
عبد الرحمن عرابي
16 مارس 2016
4CF84731-F3A6-4C9A-A417-EEC4014F7DBA
+ الخط -
حوّل اللبناني هنري لوسيان العاصمة اللبنانية بيروت إلى حقل كبير من الورود المتناثرة، وانتقى أجملها لتكون منزله في منطقة البترون، شمالي لبنان. جال لوسيان في شوارع بيروت بحثاً عن المنازل الأثرية المُعرّضة للهدم، وجمع على مدى خمس سنوات كل ما يُمكن جمعه منها للحفاظ على شيء من التراث المعماري للمدينة التي زرعها المُستثمرون بالأبراج التجارية. قناطر خشبية وزجاج ملون، وأشكال متنوعة من البلاط و"الدرابزينات" الحديدية التقليدية اشتراها مُصمّم الإكسسوار من مالكي الأبنية قبل هدمها، وجمعها في قطعة أرض اشتراها في بلدة "كوبا" البترونية.
سبق حلم إنقاذ هذه الأجزاء من التراث حلم بناء المنزل بأشواط، يقول هنري "فقد كانت نيتي الأولى شراء منزل قديم أو حتى استئجاره وتركيب هذه القطع فيه، لكن الأسعار الخرافية التي طلبها بعض المالكين دفعتني لبناء منزلي الخاص. وبالفعل بنيته، وها أنا أتجهّز للانتقال إليه الآن".
في المنزل الفسيح المؤلف من ثلاث طبقات، ترتفع أصوات عمال البناء والغبار الناتج عن أعمال قص الأحجار وتقليم بعض البلاطات لاستكمال تبليط الطبقة الأرضية من المنزل.
هناك جمع العمال قطع البلاط التقليدي وبدأوا عملية إعادة تجميعها لتشكيل النقشة التقليدية التي ستغطي كامل الأرضية. يستعرض أحد العمال صورة التقطها لإحدى البلاطات التي عثر على شعار الدولة العثمانية على أحد وجهيها. ويؤكد العامل السوري المُختص في ترميم المنازل القديمة أنها من أقدم قطع البلاط التي صادفها خلال عمله في لبنان. يمسك العامل البانياسي بقطعة البلاط التي أخفى الغبار معالمها ويغسلها بشكل سريع تحت الماء، فتظهر جودتها العالية من أول غسلة. وهو ما يراهن عليه صاحب المنزل بالنسبة لكافة مكونات المنازل التي اشتراها بأسعار متفاوتة: "أنا متأكد من أن هذه القطع التي تبلغ من العمر مئة عام، ستبقى بالجودة نفسها لمئة عام أخرى في هذا المنزل". يقاطعه صوت إحدى الطائرات الصغيرة التي تحلّق فوق المنزل، فيُعلّق ضاحكاً: "إلا إذا دخلت إحدى هذه الطائرات إلى منزلي من شرفة المطبخ".

بيت من 45 منزلاً

استغرق هنري 5 سنوات من عمره في جمع هذه القطع الأثرية من 45 منزلاً أثرياً تعرّضت للهدم في العاصمة بيروت، "فكانت عمليات الهدم المؤسفة من نصيبي لأتمكن من جمع أكبر كمية ممكنة من هذه القطع الفنية". وفي محاولة منه لإنصاف التاريخ المعماري لبيروت، وثّق هنري بالصور أماكن وجود هذه القطع في المنازل قبل هدمها، ثم صوّرها بعد التركيب في منزله التراثي الجديد.
يخضع المنزل لورشة مستمرة منذ 3 سنوات، وهو تاريخ بدء أعمال البناء فيه، بسبب التعديلات العديدة التي طلبها هنري على بعض التفاصيل الفنية للقناطر والأعمدة الرخامية التي نقلها من بيروت. ويعتبر نفسه محظوظاً لأنه جمع القطع "من مناطق ذات انتماءات طائفية ومذهبية مُتعددة، وهو دليل على تقارب المعيشة بين الطوائف اللبنانية التي جمعتها كلها بيوت تراثية متشابهة".

رسومات يدوية

ولم يكتفِ لوسيان بنقل مكونات المنازل فقط، بل رسم بيده لوحة كبيرة على سقف القاعة الأساسية في المنزل بعد أن صورها في أحد المنازل التي تتعرّض للهدم في منطقة الأشرفية في بيروت. استغرقت اللوحة ثلاثة أشهر من العمل المُستمر حتى تمكّن هنري من إنجازها، قبل أن يستعين بشقيقة زوجته التي زيّنت أعلى الأبواب برسومات مميّزة لسيدات جميلات.
من هذه الأبواب ينتقل الزوار إلى الغرف الجانبية والشرفات التي تم تبليطها بقطع البلاط التقليدي، وسقفها بالعوارض الخشبية التقليدية التي نقلها لوسيان كاملة من إحدى المدارس القديمة المهجورة في منطقة الضناوي في بيروت. هناك عثر أيضاً على قناطر خشبية "فائقة الجمال تعرضت للكسر نتيجة لعب أطفال المنطقة بالكرة داخل القاعات المهجورة".

مشروع كتاب ومساحة عامة

يأمل لوسيان أن يتحوّل الكتاب الصغير الذي ألصق صور المكونات عليه، مُرفقةً بملاحظات بخط اليد لتاريخ نقل هذه المكونات ومكانها الأصلي، إلى كتاب كامل سيطبعه لتعريف زوار المنزل بتاريخ العمارة التقليدية في بيروت. ولن يقتصر الزوار على الأهل والأقارب فقط، إذ ينوي لوسيان تحويل جزء من المنزل إلى مساحة عامة "ليطّلع المهتمون على فن العمارة أو لإقامة المعارض، وحتى للزيارة والنوم لليلة أو أكثر".

اقرأ أيضاً: يوم أسود للصحافة اللبنانية: شبح الإقفال يطارد أعرق صحيفتين 

ذات صلة

الصورة
وضع حجر الأساس لمستشفى بيروت الحكومي الجامعي-الكرنتينا - بيروت - لبنان - 16 سبتمبر 2024 (محمد سلمان)

مجتمع

وُضع حجر الأساس للمبنى الجديد لمستشفى بيروت الحكومي الجامعي - الكرنتينا، ومن المتوقّع الانتهاء من إعادة إعماره وتجهيزه بالكامل بتمويل دولة قطر بعد عامَين.
الصورة
لبنان / آثار غارة على زبقين، 25 8 2024 (فرانس برس)

سياسة

شنّ الاحتلال الإٍسرائيلي ضربات استباقية على لبنان، بينما نفذ حزب الله هجوماً واسعاً بإطلاق عدد كبير من المسيرات في إطار رد أولي على اغتيال القيادي فؤاد شكر.
الصورة
أعداد محدودة من المصطافين على شاطئ صور (حسين بيضون)

مجتمع

لم يثن القصف على الحدود مع فلسطين المحتلة منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعض اللبنانيين عن ارتياد شاطئ مدينة صور من أجل الاستمتاع.
الصورة
نازح يستعد للعودة إلى سورية من البقاع اللبنانية، 14 مايو 2024 (فرانس برس)

سياسة

كشفت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" في بيان اليوم الثلاثاء أن شاباً سورياً توفي في أحد مشافي دمشق إثر تعرضه للتعذيب على يد أجهزة النظام السوري.
المساهمون