مبولا آخرهم.. لماذا لم يعد برشلونة المكان المناسب للمواهب الشابة؟

22 يونيو 2017
أكاديمية لا ماسيا خرجت الكثير من النجوم الكبار (Getty)
+ الخط -
أعلن موناكو رسمياً التعاقد مع جوردي مبولا، أفضل موهبة ضمن فريق شباب برشلونة الذي شارك مؤخراً في دوري أبطال أوروبا للناشئين. وقدم الجناح الموهوب بطولة مميزة للغاية ليسجل أهدافاً غزيرة، ويصنع لزملائه عديد الفرص، مع تمتعه بشخصية قوية رشحته ليكون النجم الأبرز على الإطلاق في تشكيلة الفريق الكتالوني طوال النسخة.

ورغم توقع الكثيرين لمستقبل أفضل لهذا اللاعب في كامب نو، فاجأ مبولا الجميع بطلبه الرحيل وقيامه بعمل الكشف الطبي مع موناكو، ليعلن نادي الإمارة التوقيع معه في ظل سياسة الإدارة ببيع النجوم الكبار والاستفادة من المواهب الصغيرة داخل فرنسا وخارجها.

فلسفة ناجحة
حصل فريق بارسا غوارديولا على مديح مضاعف من الخبراء والمتابعين، ووصل هذا الجيل إلى مصاف عمالقة الكرة عبر تاريخها، بسبب الكرة الجميلة التي قدمتها المجموعة داخل الملعب، والصيحة الجريئة لبيب بالاعتماد على خريجي أكاديمية الناشئين "لا ماسيا"، ليقدم كلاً من بوسكيتس وبيدرو وبيكيه وتياغو ألكانترا وقبلهم بويان وأسماء أخرى مستويات مبهرة. تحولت هذه الخطوة إلى نموذج مثالي لكل المنافسين، وأصبح هذا الاتجاه هو الأساس لمعظم الفرق فيما بعد، لدرجة أن تيتو فيلانوفا مساعد غوارديولا وخليفته في تدريب البلاوغرانا، اختار تشكيلة دخلت التاريخ من الباب الكبير يوم 25 نوفمبر 2012.

واجه البارسا ليفانتي في بدايات موسم 2011-2012 بعد فترة بسيطة من رحيل بيب، ليُشرك الطاقم التقني 11 لاعباً من مدرسة الشبان، وكانت التشكيلة كالآتي "فالديس، مونتويا، بيكيه، بويول، ألبا، بوسكيتس، تشافي، فابريغاس، بيدرو، إنيستا، وميسي"، في سابقة هي الأولى في تاريخ النادي، لتأتي هذه الخطوة كنتاج متوقع لفلسفة كرويف وطريقة عمل تلاميذه في حقبتي التسعينات والألفية الجديدة، ويحصل الكتلان على بطولات عديدة بتكلفة بسيطة جداً في سوق الصفقات، نظراً للاعتماد الكبير على كنز "لا ماسيا" الذي لا يقدر بثمن.

كان هذا في الماضي الجميل لكن الحاضر بدا مختلفاً إلى حد كبير، فبرشلونة الآن ترك مبولا يذهب إلى موناكو رغم أنف النادي، ويحاول استعادة ديولوفيو للمرة الثالثة خلال سنوات قليلة، وفرط في ساندرو راميريز بالبيع، مع محاولات مكثفة لإعادة تياغو ألكانترا بمبلغ فلكي بعد تركه برقم لم يتجاوز 25 مليون يورو فقط، لكن كيف حدث كل ذلك؟ ولماذا تحول برشلونة من قدوة في هذا المجال إلى شبح يتجاوزه الجميع ويسيرون بعيداً عن خطاه؟

الهروب إلى الفوز
دفع برشلونة الثمن غالياً بتفريطه في بعض ثوابته من أجل الفوز، لقد جاءت البداية مع مرض تيتو فيلانوفا وابتعاده لفترات طويلة عن الفريق دون إيجاد بديل له، ثم تولي تاتا مارتينو المهمة قادماً من الأرجنتين، نهاية بحصول لويس إنريكي على فرصة كاملة طوال ثلاث سنوات. فاز البارسا وخسر طوال هذه الفترة، حقق عدة بطولات وأخفق في البعض الآخر، لكنه تخلى عن جزء من مبادئه التكتيكية، بالاعتماد الكلي على ثلاثي الهجوم ونسف عملية التمركز في خط المنتصف، لينحدر المستوى بشكل مخيف في الفترات الأخيرة، للتركيز على الفرديات وترك القيمة الجماعية المعروفة عن النادي طوال مسيرته.

وبعيداً عن النقاش التكتيكي حول برشلونة لوتشو، فإن المدرب صاحب الشخصية العنيدة لم يعتمد بشكل كبير على مواهب لا ماسيا، ربما كان سيئ الحظ بعدم تواجد أسماء بقيمة بوسكيتس وبيكيه، لكن أيضاً قام المدير الفني ببيع ساندرو راميريز وإعارة منير الحدادي لكي يشتري باكو ألكاسير برقم فلكي، لترد عليه لغة الأرقام بإثبات تفوق مهاجم ملقا على قائد فالنسيا السابق بالأهداف وصناعتها، وتطور منير كجناح ومهاجم متأخر قياساً بلعب باكو فقط كرقم 9 تقليدي.

خطايا إنريكي لم تتوقف عند هذا الحد، ليتجاهل الظهير الشاب غريمالدو طوال فترة تواجده في برشلونة، مما جعل اللاعب يقرر الرحيل ويذهب إلى بنفيكا برقم بسيط. والمثير للغرابة أن غريمالدو الآن مطلوب في عدة أندية كبيرة بمبالغ تصل إلى 35 مليون يورو، والأغرب أن برشلونة يلهث الآن خلف ظهير أيسر جديد في ظل تردي أحوال الوافد الفرنسي لوكاس ديين وعدم ثبات مستوى جوردي ألبا.

تيتو فيلانوفا أيضاً كان له من التسرع جانبٌ، فالمدرب الراحل فرط في تياغو ألكانترا بغرابة شديدة، رغم أن اللاعب الإسباني من خيرة نجوم الوسط في أوروبا، ولا يوجد أي نادٍ كبير يفرط في هذه المواهب بسهولة، لذلك عندما أراد برشلونة إعادته بأي رقم، رفض بايرن ميونخ بشدة وقررت إدارة النادي الألماني التجديد معه بالراتب الذي يريده.

وبالتالي فإن جزءاً رئيسياً من المشكلة يعود إلى القرارات الفنية للطاقم الفني والإدارة الرياضية، خصوصاً في حقبة "إنريكي-روبرتو فيرنانديز" التي شهدت غياباً كبيراً للناشئين، لدرجة أن لاعباً مثل مارلون شارك فقط بنهاية الموسم لدقائق معدودة رغم مستواه الجيد وكثرة الإصابات في خط الدفاع مع بيكيه وماسكيرانو وأومتيتي.

دورتموند وموناكو
يجب الإشارة أيضاً إلى تأثير ظهور بعض الفرق على الساحة الأوروبية خلال السنوات الأخيرة، كدورتموند في ألمانيا وموناكو بالدوري الفرنسي. نماذج ملهمة تعتمد على الشبان الصغار وتبيع النجوم الكبار دون خوف، ويعطي مدربوها الفرصة كاملة للأسماء الجديدة، وبالتالي أصبح كل لاعب صغير بإمكانه التألق سريعاً مع الكبار، والانتقال إلى دوريات مقبولة إعلامياً وجماهيرياً كالبوندسليغا والليغ 1، من أجل حلم اللعب في دوري أبطال أوروبا، وحتى العودة من جديد إلى ناديه الأصلي بعد سنوات.

يقول ريوزو مدير أكاديمية الناشئين في موناكو عن حالة نجومه الجدد ويخص بالذكر مبابي، "يستطيع التألق في أي مكان، لكنه حصل على الفرصة سريعاً مع موناكو فقط، لأننا نؤمن بالمغامرة ونملك الجرأة لإشراك لاعبين دون العشرين في المواجهات الحاسمة". وبعد نجاح هذا اللاعب سريعاً مع الكبار، نركز في مدراس الناشئين بالنادي على تصعيد المواهب المميزة إلى الفئات السنية الأكبر، لأننا نهدف إلى منافسة العمالقة فنياً داخل الملعب بموارد مالية أقل واهتمام إعلامي أضعف".

وبترجمة كلام الأكاديمي سنجد أن عثمان ديمبلي اختار دورتموند فقط بعد رحيله من رين، ليشارك أساسياً ويحصل على فترة كافية للنضج، كذلك لم يرض مارك بارترا بدكة البدلاء في برشلونة ويقرر الانتقال إلى الفريق الألماني أيضاً، وهو نفس الاتجاه الذي سلكه جوردي مبولا لكن في سن صغيرة جداً هذه المرة، ليرفض كافة العروض المقدمة من إدارة برشلونة، ويضمن اللعب أساسياً مع فريق بحجم موناكو، خصوصاً في ظل بيع برناردو سيلفا وإمكانية بيع مبابي أيضاً.

تذكرة عودة
 فرط البارسا في سيسك وبيكيه وألبا وأعادهم من جديد إلى النادي برواتب خيالية، كذلك حاول النادي مراراً وتكراراً التعاقد مع تياغو ألكانترا مرة أخرى، وها هو قريب من جلب جيرارد ديولوفيو بعد تألقه اللافت في ميلانو. وتبدو هذه الدلائل مناسبة لإقناع الصغار بترك أكاديمية "لا ماسيا" وعدم اللعب في صفوف الناشئين، لأن هناك إمكانية للعودة من جديد في حالة تألقهم، مع حصولهم على مزايا أعلى ومكانة أفضل، من باب "كل الممنوع مرغوب".

هناك حالات قصور واضحة تخص الإدارة الرياضية في برشلونة، كترك غريمالدو وتياغو وبارترا وساندرو، بالإضافة لإعارة منير الحدادي وهاليلوفيتش دون وضع بنود قاسية في عقودهم، تجعلهم يحصلون على دقائق أكبر في أنديتهم، وتمنعهم من اللعب أمام البارسا في المنافسات الرسمية، كما يفعل ريال مدريد على سبيل المثال، لكن أيضاً تجدر الإشارة إلى اختلاف حالة مبولا بالأخص، وتأثر عدد كبير من الناشئين بحلم اللعب في الشامبيونزليغ مع أندية ناجحة كموناكو.

اسم آخر في طريقه للرحيل أيضاً، إيريك غارسيا أحد أفضل لاعبي الوسط في لا ماسيا، ولكن هذه المرة الأمر لا يتعلق بالمال، لأن هذا الصغير مثل غيره يشعر بعدم التقدير المعنوي داخل النادي، وصعوبة اللعب في الفريق الأول بعد فترة، لوجود عدد كبير من الأسماء الشهيرة، واستمرار الإدارة في بيع أو إعارة الناشئين، مع جلب لاعبين جدد بأسعار فلكية من أندية أخرى. تعاقد لوتشو مع لوكاس ديين كظهير أيسر، ولم يعط نصف فرصة لسيرجي بالنسيا، اللاعب الرائع كظهير على الطرفين مع الفريق الرديف، وسط تجاهل شديد من المدير الرياضي ومساعديه، لتندر فكرة رؤية الأسماء الجديدة مع الفريق الأول.

لم يعد في البارسا من يملك صبر تشافي وبصيرة إنييستا، تبدلت الأحوال وتغيرت قواعد اللعبة وقوانين الاحتراف، ليفكر الجميع دون استثناء في مصلحتهم الخاصة وتصدر عناوين الصحف مبكراً، مع التأكيد على سلبية الإدارة في عدم وضع بعض القيود كالشروط الجزائية في عقود المواهب ذات المستقبل المبهر. لاعب مثل جوردي مبولا على سبيل المثال من الصعب إقناعه بالاستمرار، لكن من المجحف وضع 3 مليون يورو فقط كشرط جزائي في عقده، ليدفعها الفرنسيون بسهولة ويحصلون على لاعب يمكنهم بيعه بعد سنوات قليلة بضعف هذا الرقم 10 مرات على الأقل!

المساهمون