وتعليقاً على الموقف الروسي المحتمل من عملية الضمّ، أشارت الصحافية الروسية المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط، ماريانا بيلينكايا، إلى أن الإدانة الروسية المرتقبة لضمّ الأراضي الفلسطينية، لن تؤثر على الخطط الإسرائيلية بأي شكلٍ من الأشكال، ولكنها ستتيح لموسكو حفظ ماء الوجه ومواصلة تعزيز العلاقات مع الدول العربية. ورأت بيلينكايا، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "روسيا تندد بضمّ الأراضي الفلسطينية مثلما نددت بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، لكن بيانات الإدانة الروسية تحمل طابعاً تحذيرياً، ولا تؤثر على الوضع، في ظلّ عدم توفر آليات للضغط على إسرائيل، بل ستواصل موسكو اتصالاتها مع تل أبيب".
وحول تأثير التخاذل الروسي عن الضغط على إسرائيل، على العلاقات مع الدول العربية التي دانت "صفقة القرن"، اعتبرت بيلينكايا أن "روسيا تتميز بموقفٍ مريح، يتيح لها التواصل مع كافة الأطراف الإقليمية والدول العربية. في المقابل، سيصبح من الصعب على الدول العربية المتعاونة مع إسرائيل تبرير التطبيع أمام شعوبها بعد ضمّ الأراضي الفلسطينية". وخلصت بيلينكايا إلى أن التعاون الروسي الإسرائيلي على المستويين الثنائي والإقليمي، كان سيستمر بصرف النظر عن بقاء نتنياهو أو عدمه، في ظلّ إدراك إسرائيل أن الموقف الروسي من "صفقة القرن" لا يغير شيئاً على الأرض، واحتياجها إلى التنسيق مع موسكو في سورية.
من جهته، اعتبر الأستاذ بقسم العلوم السياسية في الجامعة المالية التابعة للحكومة الروسية، غيورغ ميرزايان، أن إسرائيل تقوم بدور "مشعل النار" في المنطقة، في ظلّ عزم نتنياهو البدء بضم الضفة خلال هذا الصيف، مشيراً إلى أن "تحقيق هذه الخطة لن يؤدي إلى إطفاء التناقضات في فلسطين، بل سيعززها وسيوسعها، وعلى موسكو أن تدرك مكانها في هذا النزاع".
وفي مقالٍ بعنوان "موسكو ستضطر أن تتذكّر الشرق الأوسط"، نُشر بصحيفة "فزغلياد" الإلكترونية الموالية للكرملين، أوضح ميرزايان أن "الرئيس الأميركي دونالد ترامب يرى أنه يتعين على فلسطين القبول بالاعتراف بأنها الطرف الخاسر، والموافقة على إقدام إسرائيل على ضمّ جزءٍ هام من أراضي الضفة الغربية التي لا تعد في الوقت الحالي جزءاً من دولة إسرائيلية بشكل رسمي، وقيام القدس عاصمة لإسرائيل"، مع "الإلقاء بجميع قرارات مجلس الأمن الدولي بشأن وضع القدس وحدود 1967 واتفاق أوسلو في مكب نفايات"، على حد تعبيره، وذلك مقابل تعويض مالي في إطار الصفقة.
وأضاف كاتب المقال، أنه "حتى الآونة الأخيرة، ظلّت العقبة الرئيسية على طريق تحقيق السلطات الإسرائيلية لهذه الخطط، هي تعثر تشكيل الحكومة لأكثر من عام"، وشرح استعجال نتنياهو في تحقيقها بإدراكه أن "الغطاء السياسي" في البيت الأبيض قد يتلاشى بعد الانتخابات الرئاسة الأميركية المقرر إجراؤها في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، في حال فوز مرشح الحزب الديمقراطي (جو بايدن)، نظراً لموقف هذا الحزب الرافض لـ"صفقة القرن"، والتي لن يدعمها.
وفي ما يتعلق بالموقف الروسي من الصفقة، ذكّر كاتب المقال بأن روسيا انتقدت "صفقة القرن"، وعارضت ضمّ المستوطنات، وعبّرت عن سخطها من الانتهاك الإسرائيلي للقانون الدولي، مرجحاً في الوقت ذاته ألا تقدم موسكو على أي أعمال مباشرة معادية لإسرائيل، على الرغم من علاقات الشراكة التي تربطها مع العديد من البلدان العربية، والتي "لا تقل عنها مستوى شراكتها مع إسرائيل"، وفق رأيه. وخلص كاتب المقال إلى أن الاستراتيجية الأكثر فاعلية في الحالة الروسية، هي "توجيه انتقادات إلى إسرائيل بسبب انتهاكها القانون الدولي"، مع البقاء "فوق المعركة"، والحفاظ على "علاقات بناءة مع كل الأطراف قدر المستطاع".
يذكر أن الإعلان عن "صفقة القرن" في نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، أثار حفيظة الكرملين الذي كان قد عبّر على لسان المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، عن تعارض بعض أحكامها مع مجموعة من القرارات الأممية، فيما توجه نتنياهو إلى موسكو في زيارة قصيرة لإطلاع بوتين على تفاصيل الصفقة المثيرة للجدل.