لا تزال الضجّة مستمرة حول المبادرة التشريعية لرئاسة الجمهورية التونسية التي حملت عنوان "مشروع قانون أساسي يتعلّق بإجراءات خاصة بالمصالحة في المجال الاقتصادي والمالي" والمعروفة أكثر بمشروع قانون المصالحة مع رجال الأعمال، لتصبح حديث الساعة ومحور نقاش في مختلف وسائل الإعلام التونسية، ومجالاً للتنديد والاستنكار خصوصاً من قِبل المعارضة وهيئة الحقيقة والكرامة المشرفة على مسار العدالة الانتقالية، وعدد من المنظمات المهتمة بهذا الشأن إضافة إلى أهل القانون.
وأعلنت هيئة الحقيقة والكرامة في بيان لها، رفضها لمبادرة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، الذي كان قد مهّد لها منذ خطابه بمناسبة عيد الاستقلال في 20 مارس/آذار، ولم يدّخر وقتاً كبيراً للإعلان عنها وتقديم مشروع قانون لمجلس النواب.
وأكد عضوا هيئة الحقيقة والكرامة، خالد الكريشي وابتهال عبد اللطيف لـ"العربي الجديد"، ما جاء في بيان الهيئة، التي اعتبرت أنّ مشروع قانون المصالحة سيُفرغ منظومة العدالة الانتقالية من محتواها ويؤدّي إلى التخلي عن أهم آلياتها في كشف الحقيقة والمساءلة والتحكيم والمصالحة وإصلاح المؤسسات لضمان عدم التكرار، كما أنّه يضمن الإفلات من العقاب لمرتكبي أفعال تتعلّق بالفساد المالي وبالاعتداء على المال العام.
وذكرت الهيئة أنّ مشروع القانون قد "أعدّ من دون استشارة أي من المؤسسات ذات العلاقة بموضوعه وخصوصاً هيئة الحقيقة والكرامة، لا سيما أنّه في ظل وجود نص بمشاركة أعضاء الهيئة في تركيبة لجنة التحكيم المقترحة في حدود الثلث".
اقرأ أيضاً: جدل حول قانون "السبسي" للعفو عن رجال أعمال "المخلوع"
وتعليقاً على الموضوع، اعتبر رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء، القاضي أحمد الرحموني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "ما تضمنه مشروع قانون المصالحة الوطنية من إجراءات يُعدّ التفافاً على مسار العدالة الانتقالية من شأنه التشجيع على الإفلات من العقاب ومكافأة الفاسدين وحمايتهم من المساءلة وتوسيع دائرة الفساد". وطالب الرحموني بسحب هذا المشروع، داعياً "مكونات المجتمع المدني والسياسي إلى التصدّي له ولجميع المحاولات الرامية إلى تعطيل مسار العدالة الانتقالية".
من جهته، أكّد رئيس الشبكة التونسية للعدالة الانتقالية كمال الغربي، رفضه القطعي لهذا المشروع، ودعا إلى "التصدي له إعلامياً وميدانياً، والمطالبة بسحبه من مجلس النواب ودعم هيئة الحقيقة والكرامة بالموارد المالية والبشرية لإتمام مهامها في ما يخصّ جرائم حقوق الإنسان الجسيمة وبخصوص الجرائم الاقتصادية، وتدعيم لجنة التحكيم والمصالحة للتسريع في عملها خصوصاً بعد إصدارها لدليل إجراءات تحركها". واعتبر الغربي في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "هذا المشروع يُعدّ بمثابة عملية سطو على بعض صلاحيات الهيئة، وتحصين قانوني للفساد والمفسدين وتبييض للرشوة والجريمة الاقتصادية في عهد الترويكا".
وكانت "الجبهة الشعبية" المعارضة قد انتقدت بشدّة مشروع القانون المذكور، وهدّدت بالنزول إلى الشارع لإسقاطه وعدم عرضه للنقاش في مجلس النواب. وأوضح القيادي في الجبهة منجي الرحوي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "خطورة هذا المشروع تكمن في أنه يغض النظر عن منظومة الفساد". وأشار الرحوي إلى أنّ "بعض الفصول تمت صياغتها على مقاس بعض رموز الفساد، وأن مشروع القانون برمته موجّه لمن قام بفساد مالي واعتدى على المال العام، ولا علاقة له بالعدالة الانتقالية، وبالتالي فهو مشروع ترضية للفاسدين من طرف رئيس الجمهورية".
لكن القيادي في حزب "نداء تونس" خالد شوكات، لفت في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن "مشروع قانون المصالحة المالية والاقتصادية جاء نتاجاً لسوء معالجة هذا الملف منذ الثورة، ذلك أنّه من المفترض في الحال الطبيعي للثورات أن يُنظر في هذه الملفات سريعاً، وأمام تأزم الوضع الاقتصادي وجب التحرك السريع". ورأى شوكات أنّه "في هذه الحالة وفي ظلّ استفحال الأزمة الاقتصادية، فإن الدولة في حاجة إلى حلول عاجلة جداً لتعبئة الموارد وتوفير بنية استثمارية ملائمة"، مشدداً على أن "هذه المبادرة لا تمس بجوهر العدالة الانتقالية التي ترتكز في عمقها على القضايا السياسية وانتهاكات حقوق الإنسان".
في سياق متصل، كانت ردّة فعل المستشار السباق لرئيس الجمهورية السابق المنصف المرزوقي، عدنان منصر، حادّة بوصفه عبر صفحته على الفايسبوك حزب "نداء تونس" بـ"حزب اللصوص". وكتب منتقداً مبادرة السبسي قائلاً إن "مشروع المصالحة الذي وافقت عليه الحكومة من دون أن تناقشه لأنه جاء إليها من قرطاج، هو قانون لمكافأة اللصوص والاعتذار منهم".
اقرأ أيضاً: البرلمان التونسي يشرع في مناقشة قانون مكافحة الإرهاب