ما يكتبه المغاربة في "فيسبوك"
رواد "الأرض الزرقاء" في المغرب منشغلون، هذه الأيام، بموضوعين، هما: من يصل، أولاً، إلى بلاد المغرب الأقصى، إيبولا أم داعش؟ ويضمر هذا الانشغال حالة يأسٍ، تخيم على رواد هذه المجرة، خصوصاً من جيل الشباب. وليس في الأمر حب لداعش، ولا عشق للجوائح، فقد عرف منها المغاربة ما يكفي.
وصل الحال "بمبحرين" إلى أن تمنوا وصول داعش، لكي "ينقذ" البلاد من دواعش أخرى، أشد فتكاً. دواعش سمينة وبأرصدة متضخمة في بنوك سويسرا، انتظر رئيس الحكومة، عبد الإله بن كيران، بلا طائل عودة أرصدتها المهربة، على الرغم من صدور عفو إداري عنها، ومهلة محددة في الزمان والمكان.
دواعش لم تذهب إلى سورية ولا العراق، ولم تلتحق بتنظيم الدولة الإسلامية، لكنها تنظيمات ولوبيات من المصالح، حولت البلاد إلى ضيعة كبيرة، واستطاعت، بنفوذها المالي، إفساد كل مظاهر الحياة المدنية في البلاد، وشكلت، اليوم، حزاماً مصالحياً قوياً، يشتري الحياة السياسية والنخب، ويتدخل في العمليات الانتخابية، ويردم كل الأصوات الحرة.
هؤلاء هم الدواعش الحقيقيون، وهم من يحولون دون ذهاب المغرب نحو مشروعه الديمقراطي الحقيقي. عبر عن ذلك سياسي مغربي كبير، اسمه عبد الرحمان اليوسفي، وهو يقود سفينة البلاد نحو انتقالٍ سلس، وصرخ من "عضتهم" بنكيران، عندما لم يجد قاموساً أقرب للتعبير عن قوى الضغط تلك، سوى الاستعانة بلغة "كليلة ودمنة"، فاستخرج التماسيح والعفاريت.
لنصدق حكاية الاستثناء المغربي، وهو يجري عمليته السياسية بهدوءٍ كثير، وربما بحنكة غير متيسرة في كثير من بلاد الجوار، أو الشقيقات العربيات. ولكن، هل الأمر كافٍ، ويشبع انتظارات الناس، وخصوصاً هذه الأعداد الكبيرة من الشباب في الجامعات، أو هذا الحيز الفائض من المتخرجين العاطلين الذين يشيخون على كراسي المقاهي والأرصفة.
الجواب هو لا. لأنه إذا كان الأمر تحت السيطرة، الآن، لا لأسبابٍ تتعلق بفاعلية العلاجات التي تقدمها الدولة، ولكن، بسبب سيادة نوع من التكافل الاجتماعي داخل الأسر في البلاد، والذي لا يزال موجوداً، وهنا تكمن معجزة المغاربة، فإن هذه الطاقة من المحبة ستنهك، وسينضب ثديها العائلي حتماً.
هل يتمنى المغاربة، فعلاً، وصول داعش؟ بالطبع لا. فيكفي البلاد دواعشها. وهل يشعرون بحاجة إلى أن تضيف "إيبولا" حملاً إضافيا على الحمار المثقل.
المغاربة يعرفون جيداً حكاية الحمار مع صاحبه الذي لمّا رأى سيده يمعن في إضافة مزيد من الأحمال فوق شواله، خاطبه ساخراً "أثقلني كما شئت، فأنا لن أنهض".
تصلح أرض "فيسبوك" لأن تكون عينة يومية تعكس مزاج الشعوب، والواقع أن النظام العربي لاهٍ تماماً عما يحدث في هذه القارة، وهو لا يتعظ بما حدث إبان الربيع، ويمضي، اليوم، بوسائله التقليدية المتجاوزة في التعاطي مع التعبيرات الشعبية، وقاعدته الذهبية في ذلك "مزيد من عمى الألوان، والعمل، في المقابل، على استقطاب نخب المال والسياسة"، في حين يجري ترك القاعدة الأوسع من الهرم الاجتماعي، أو "السواد الأعظم" نهباً لمافيات الجريمة والمخدرات، والبقية الباقية تكملها الأمراض الفتاكة، بما فيها أمراض التطرف الديني، وفؤوس متطلبات العيش اليومي، ومعاول الفساد العام المستشري في الجهات الأربع.
مغاربة "فيسبوك" يعبرون في أرضهم الافتراضية بكل تلقائية، وهم يقصدون قصداً أن يتوجهوا إلى المشرف على تسيير الشأن العام، يريدونه أن يسمع هواجسهم، أن يلتقط ما وراء التعبيرات الجارحة، أو تلك المرموزة، يخبرونه أن الأمور كيت وكيت، وأن الجمل ضاق بما حمل.
يقولون له بصريح العبارة: الدواعش تفتك بنا، و"إيبولا" سكنت العظام، وهم يقصدون أنه لا بديل عن حملة تطهير واسعة وكبيرة لحماية شيء اسمه "الاستثناء المغربي"، قبل أن يتحول هذا الاستثناء إلى مجرد حائط من ورق مقوى، وقبل أن تضج جدران "فيسبوك" بما هو أقوى.