ثورة صامتة غير منطوقة.. ثورة تشهدها مواقع التواصل الاجتماعي، المواقع التي تمنحك ترخيصاً للذهاب إلى أي مكان ترغب فيه. وباعتبار أن الكاميرا هي بمثابة جواز السفر الذي يتجاوز الحدود الأخلاقية، والأحكام الاجتماعية، فإن الصور الفوتوغرافية القديمة (فترة الستينات والسبعينات) هي الصور المرغوبة التي تحظى بنسبة مشاهدات ومشاركات عالية.
ثمة حالة حنين تجتاح الجيل الجديد تجاه الصور القديمة، وبعض صفحات الإعجاب المتخصصة بهذه الصور على الفيسبوك، مثل صفحة "أنتيكا" التي حظيت بآلاف الإعجابات. كما من الملفت أيضاً انتشار الصفحات والمجموعات الخاصة بالملك فاروق!
هل هي محاولة بائسة لاسترداد ذلك الزمن؟
هوس واضح باستخدام صور نجوم ما يسمى الزمن الجميل، مثل مارلين مونرو، وبريجيت باردو، وكاترين دونوف، أو فاتن حمامة، ومريم فخر الدين، ونجلاء فتحي. هؤلاء النجمات اللواتي يحيين ثانية في صورة مطبوعة، بنفس القدر المكثف الذي كانت عليه صورهن قبل عدة عقود خلت.
تبدو "الصورة" بمثابة العون الأكثر ثقة في التعرف إلى ذلك الزمن. لعلها محاولة جادة لرؤية ما هو حقيقي بصرياً، وما هو قابل للتفسير بتعابيره الخاصة به، وما هو موضوعي.
هذا يدل بوضوح على أنّ الجيل الجديد سينبش الماضي، وتحديداً ذلك الماضي السابق لحكم الأحزاب والعسكر.
إنه الجيل الذي يمحّص، ويتمعّن في كلّ تفاصيل الصور العتيقة.
لمّح كافكا ذات مرّة إلى حقيقة أن الكاميرا قد تكذب، لأن أدقّ العدسات لا يمكن أن تلتقط تلك الحياة الخفية التي تومض من خلال تخوم الأشياء، مثل لعبة الضوء والظل.
الآن، يريد هذا الجيل "مضاعفة" عيونه من خلال تصفح صور الماضي التي ربما تعطي، على نحو وهمي فقط، نظرة عين مبسطة خاطفة.
عندما نتبنى صورة لأحد أو مكان، فهذا ينبئ عن ميولنا وأفكارنا.
عقب تهديم حي "المدينة" الأثري بحلب، انتشرت صور ذلك الحي عبر الفيسبوك، واحتلت صور "البروفايلات" على نحو ملفت.
هذا لن ينطبق عليه توصيف حالة الحنين وحسب.. إنّما يحمل أخطر من ذلك. وهو تماماً ما قالته ذات يوم أغاثا كريستي: "نحتفظ بالصور ليس بسبب الحب، أو العاطفة، إنّما بسبب الكراهية.. أجل للحفاظ على رغبة الانتقام حيّة. أحد ما سبّب لنا إساءة.. يمكن لنا أن نحتفظ بصور تذكّرنا بذلك".
سيكون للهواة الفضل بإنجاز موسوعة بصرية، كمحاولة جادة لخلق علاقات جديدة مع ماضيهم.
* كاتبة من سوريا