ما وراء قضية جاسوس المخابرات المصرية في ألمانيا؟

12 يوليو 2020
راقب الجاسوس نشاط المعارضة المصرية في ألمانيا (الأناضول)
+ الخط -

في الوقت الذي سرّبت فيه "هيئة حماية الدستور الألمانية" (المخابرات الداخلية)، معلومات عن رصد نشاط تجسسي يقوم به أحد الموظفين في دائرة المستشارة أنجيلا ميركل لصالح المخابرات المصرية، أفرجت برلين عن 80 مليون يورو للقاهرة، في إطار خطة لتبادل الديون بين البلدين. ما أثار انتقادات المعارضة التي تساءلت حول عدم اتخاذ الحكومة الألمانية إجراءات في القضية، إذ ذكر متحدث باسم وزارة الخارجية أن برلين لم تتحدث مع الحكومة المصرية في الموضوع، لأنه لم يتم الانتهاء من التحقيقات بعد. وذكرت الحكومة الألمانية أن الجاسوس المفترض في "المكتب الصحافي الاتحادي" (المكتب الإعلامي للحكومة الألمانية) لم تكن لديه إمكانية الدخول على نطاق واسع إلى البيانات في المكتب الذي كان يعمل فيه، حسبما أكدت نائبة المتحدث باسم الحكومة، مارتينا فيتس. ولم تعلق السلطات المصرية حتى الآن على الواقعة.

وأفادت صحيفة "بيلد" الألمانية، أول من أمس الجمعة، بأنه على الرغم من أن الحكومة الفيدرالية كانت على علم بقضية التجسس في المكتب الصحافي الفيدرالي منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، إلا أنها أفرجت عن ديون لمصر تصل إلى 80 مليون يورو الأسبوع الماضي. وأشارت الصحيفة إلى طلب من الوزارة الاتحادية للتعاون الاقتصادي والتنمية لـ"تحويل الديون والموافقة على التنازل عن مطالبات التعاون المالي تصل إلى 80 مليون يورو". ووافقت لجنة الموازنة في البوندستاغ (البرلمان) على الطلب في 1 يوليو/تموز الحالي. وفي أعقاب الكشف عن الجاسوس المصري، وجهت المعارضة انتقادات شديدة للحكومة الألمانية. ودان الحزب "الديمقراطي الحر" الأمر، وهو الحزب الذي صوتت مجموعته البرلمانية ضد تخفيف الديون رغم طرد المؤسسات السياسية والحقوقية الألمانية من مصر، وإدانة موظفيها، والإعلان عن تجسس مصر على الحكومة الفيدرالية. واستنكر "مكافأة النظام المصري بتخفيف عبء الديون". وأفاد الحزب بأنه من الأفضل للحكومة الاتحادية أن "تجمع كل يورو للتعاون الإنمائي وإنقاذ الحقوق المدنية والسياسية في البلدان التي تعاني من مشاكل".


أفرجت برلين عن 80 مليون يورو للقاهرة في إطار خطة لتبادل الديون


يذكر أن ما يسمى بـ"تبادل الديون" عبارة عن "تنازل من الحكومة الفيدرالية الألمانية عن مطالبات التعاون المالي الثنائي". وتخفيف عبء الديون هو "إجراء ضمن سياسة التنمية". وتخفيف الدين "المثير للجدل"، هو الشريحة الثالثة البالغة 80 مليوناً التي أصدرتها الحكومة الفيدرالية لمصر منذ عام 2011. بعدها، تنازلت الحكومة الألمانية عن 80 مليون يورو من الديون في عام 2019، إثر تبرئة موظفين ألمان في مصر في ديسمبر 2018، ثم عرضت الحكومة الفيدرالية على الحكومة المصرية تحويل 80 مليون يورو أخرى (الشريحة الثانية) في 15 مايو/أيار 2019، بناءً على موافقة لجنة الميزانية.

مع العلم أنه بحلول نهاية عام 2018، تمت تبرئة اثنين من موظفي مؤسسة "كونراد أديناور" القريبة من حزب "الاتحاد الديمقراطي المسيحي". وغادر الموظفان مصر، ونَجيا من عقوبة بالسجن لعدة سنوات. ووصفت المؤسسة الحكم على موظفيها بأنه "عقوبة غير مشروعة". ومؤسسة "كونراد أديناور" سياسية غير ربحية، انبثقت من "جمعية العمل التعليمي المسيحي الديمقراطي" التي تأسست سنة 1955.

بدوره، استبعد دبلوماسي مصري سابق أن تكون قضية الجاسوس، مصدر تهديد للتعاون الذي وصفه بـ"الوثيق بين القاهرة وبرلين". وأضاف، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن مصر "تقوم بدور مهم في كل قضايا البحر المتوسط وعلى رأسها قضايا اللاجئين، التي تشكل أولوية قصوى بالنسبة إلى برلين". وكشف أن "الأمن المصري يجهض الكثير من عمليات تهريب المهاجرين والمعسكرات المخصصة لنقل المهاجرين من تشاد ودول أفريقية أخرى إلى أوروبا".

وأشار المصدر إلى أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي رفض، في لقاء سابق مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في القاهرة، إقامة معسكرات للاجئين على الأراضي المصرية، لكنه عرض طرقاً أخرى لإجهاض محاولات الهجرة عبر البحر المتوسط من خلال عمليات أمنية نوعية تمتد إلى خارج الأراضي المصرية في شرق ليبيا، أي في المناطق الواقعة تحت سيطرة مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر.

وأعاد المصدر التذكير بمسألة وصفها بـ"المهمة جداً بالنسبة لألمانيا وعلاقتها بمصر"، وهي "اتفاقات التسليح الضخمة التي لا يمكن التنازل عنها مع القاهرة، لا سيما أن البرلمان الألماني والتحالف الحاكم في ألمانيا، قرّر تعطيل كل صفقات السلاح مع المملكة العربية السعودية والإمارات ووقف إمدادهما بالسلاح حتى نهاية العام. وهي الصفقات التي تقدر بنحو 18 مليار يورو، ولذلك تحرص ألمانيا على اتفاقات السلاح مع كل من مصر والجزائر". وأشار إلى أنه منذ عام 2011 وقبلها "هناك برنامج للتسليح متفق عليه بين القاهرة وبرلين، ويشمل بيع 4 غواصات تم تسليم الأخيرة منها إلى مصر في 9 يونيو/حزيران الماضي، رغم انتقاد الصفقة داخل ألمانيا وخارجها، بسبب ملف مصر في حقوق الإنسان".

ولفت المصدر إلى أن "أزمة الطالب الإيطالي جوليو ريجيني الذي قُتل في القاهرة عام 2016، تعتبر أشد وطأة من أزمة الجاسوس المصري في برلين، ومع ذلك لم توقِف روما تعاونها مع القاهرة"، مرجحاً أن تكون برلين نظرت إلى أسلوب تعامل إيطاليا مع مصر في قضية ريجيني واستخدام الأزمة للضغط على القاهرة في ملفات معينة منها السلاح، ورأت "أنه يمكن استخدام قضية الجاسوس لممارسة الأمر ذاته مع مصر".


استبعد دبلوماسي مصري سابق أن تكون قضية الجاسوس مصدر تهديد للتعاون "الوثيق بين القاهرة وبرلين"


وحول الكشف عن الجاسوس الذي يعمل لصالح مصر في الحكومة الألمانية، قال مسؤول أمني مصري سابق لـ"العربي الجديد" إن نشاط جهاز "الأمن الوطني" (أمن الدولة سابقاً) خارج البلاد، تحديداً في ألمانيا، ليس بالأمر الجديد، إذ إن الجهاز كان مولجاً بمتابعة نشاط جماعة الإخوان المسلمين في ألمانيا في فترة التسعينيات، باحثاً عن أعضاء داخل الحركة وتجنيدهم للحصول على معلومات عن الجماعة ونشاطها.

ولفت المسؤول إلى أن تقرير "هيئة حماية الدستور الألماني" ورغم أنه غير معلن، لكن تسريباته تشير إلى أن العميل المصري يمارس نشاطه منذ أكثر من سنة وهو أمر جيد بالنسبة لجهاز الأمن المصري، لكنه أكد في الوقت ذاته أن اكتشافه يعتبر فشلاً للمهمة، لا سيما أن العميل، وبحسب المعلن، هو من دائرة ضعيفة ولم يحصل على معلومات ذات قيمة. ورجّح أن يكون اكتشاف الجاسوس المصري جاء على سبيل المثال بسبب "تردده على المسجد الكبير في برلين، أو متابعة شخصيات معينة، وشخصيات معارضة في جماعة الإخوان المسلمين".

ولفت المسؤول الأمني إلى جملة وردت في تقرير المخابرات الداخلية الألمانية، مفادها أن "أسلوب عمل أجهزة المخابرات العربية على الأراضي الألمانية يعيد إحياء خطط قديمة"، معتبراً أنه "رغم غموض تلك الجملة، لكن ظنّي أن المقصود بها العمليات التي نفذها جهاز أمن الدولة في التسعينيات، وأشار إليها اللواء السابق في الجهاز فؤاد علام في كتابه (الإخوان وأنا) وكشفه عن جهود الجهاز لتتبع التنظيم الدولي للإخوان في ألمانيا". وكان علّام قد روى في كتابه، واقعة تفاوض الأجهزة الأمنية في عصر الرئيس الراحل حسني مبارك مع قادة التنظيم الدولي من أجل مصلحة أرادها النظام في ذلك الوقت.

المساهمون