"كم مرة نسيتم مفاتيح سياراتكم، محفظة النقود، مذكرة اجتماعاتكم، مواعيد مهمة، كلمات المرور إلى حواسبكم، وجوه أشخاص لم تلتقوهم منذ مدة؟!. وكم من مرة تساءلتم: هل هذه علامات ألزهايمر مبكر، أم شيخوخة ذاكرة، أم مؤشرات على ضعف الذاكرة فقط والحاجة إلى تنشيطها.
محمد أبو الطيب، (37 عاماً)، وهو مقاول في إحدى الشركات الخاصة بالمغرب، يقول لـ "العربي الجديد"، إنه بدأ يشعر بالخوف من تكرار نسيانه، إذ يحدث أن ينسى أين وضع مفاتيح سيارته، أو ينسى رمز الدخول إلى حاسوبه، "أشعر وكأن ثقباً في ذاكرتي يتسع كل يوم، لقد بدأت أفكّر جديّاً في زيارة طبيب مختصّ في جراحة الأعصاب لمعرفة سبب ذلك".
محمد الذي كان يصفه أصدقاؤه وأقاربه بالذكاء وقوة التركيز، تغيّر في الآونة الأخيرة، حاله حال العديد من الأشخاص الذين باتوا يشتكون من ضعف الذاكرة وفقدان القدرة على التركيز. فما هي هذه الذاكرة؟ وما هي أبرز المشاكل التي تعترضها؟ وما هي خطوات تحفيزها واسترداد نشاطها؟
الذاكرة.. شبكة معقدة
تُعرّف الدكتورة المغربية نجاة شركاني، الاختصاصية في أمراض الدماغ والأعصاب والعمود الفقري والعضلات، "الذاكرة بأنها إحدى قدرات الدماغ التي تمكّنه من تخزين وحفظ المعلومات والمعطيات والصور واسترجاعها، إنها أشبه بشبكة معقدة تسهم في توازن وسيرورة الإنسان الطبيعية".
وفي الآونة الأخيرة أصبحت الذاكرةُ أحد الموضوعات الأساسية للعلم الحديث، الذي يطلق عليه "علم الأعصاب المعرفي"، وهو العلم الذي يجمع مجالاتٍ مشتركة بين "العلوم العصبية" neuroscience، وعلم النفس المعرفي.
أسباب تعطل الذاكرة
تقسّم الاختصاصية شركاني، في تصريحٍ لـ"العربي الجديد"، عوامل ضعف الذاكرة إلى قسمين: القسم الأول يندرج ضمن الأسباب المرضية العضوية، كتصلب الشرايين، اضطراب الغدة الدرقية، الأورام الدماغية التي تقيس المراكز الاستراتيجية القريبة من الدماغ، مرض ألزهايمر.
أما القسم الثاني، فهو المتعلق بضغوط الحياة ووتيرتها المتسارعة، وما ينجم عن ذلك من إرهاق، وأحياناً الدخول في دوامة اكتئاب، أو سيطرة الضغط النفسي، وكلها عوامل تؤثر مباشرة على الذاكرة، وتسهم في تشتيت التركيز وفقدان القدرة على إعادة ترتيب المعلومات وزيادة معدل النسيان.
ويعدّ تكرار النسيان، خاصة لدى فئة الشباب والمراهقين، مؤشراً واضحاً على ضعف الذاكرة، وفقدان القدرة على التغلب على الصعاب اليومية للحياة، في المقابل فإن النسيان يصبح أمراً طبيعياً عند التقدم في السن، ولا ينبغي الانزعاج منه، لأن الذاكرة البشرية مع التقدم في السن، وكأي عضو حيوي، تفقد نشاطها المعتاد فيما يتعلق بالأحداث البعيدة والتواريخ والصور، وتحتاج إلى كثير من الجهد من أجل فعل التذكر.
وتتطرّق الطبيبة إلى التأثيرات السلبية لاستعمال الهواتف الذكية والتلفزيون ومختلف وسائل التواصل الحديثة على الدماغ البشري، سواء بالنسبة للكبار أم الأطفال على المدى المتوسط والطويل، وبالتالي المساهمة بشكل كبير في تضرر الذاكرة.
وتلفت شركاني إلى الفرق بين ذاكرة البالغ والطفل التي تكتسي خصوصية كونها في مرحلة النمو، وتتابع "تظهر مشاكل ضعف الذاكرة عند الأطفال ابتداء من 4 سنوات وما فوق، وتتمثل في نقص التركيز، قلة الحركة، ضعف التحصيل الدراسي بشكل عام. وهنا ينبغي على الآباء الانتباه إلى هذه العلامات، وعرض أبنائهم على طبيب جهاز عصبي لتشخيص الحالة وفحص الدماغ والتأكد من أنه سليم، وإن كان هناك تأخر في النطق، أو في الحركة، يساهم في تعطيل عمل الذاكرة".
وتلفت الاختصاصية أيضاً إلى أنّ دماغ الطفل قد يتوقف عن الإدراك، ولا يتذكّر شيئاً في حالة الإصابة بأحد أنواع الصرع، ويتعلق الأمر بـ"النوبة الصرعية المصحوبة بغيبة"، هذه الأخيرة التي تتميز بنوبات صغيرة تكون مصحوبة بتوقف مفاجئ عن الإدراك.
خطوات تحفيز الذاكرة
توضح شركاني أن هناك العديد من الـخطوات لتنشيط الذاكرة وتحفيزها، ومنها الرياضة والنشاط البدني بصفة عامة، لدورهما الكبير في تنشيط الدورة الدموية وزيادة ضخّ كمية الدم التي تصل إلى المخ، وبالتالي تنشط عمل الخلايا الدماغية المسؤولة عن عملية تخزين المعلومات والذكريات واسترجاعها، كما أن النوم مهم لتحفيز العمليات المعرفيّة كافة، وإراحة الجسم والدماغ، فذاكرة جيدة ينبغي أن تنعم بالساعات الكافية للراحة، بالإضافة إلى الابتعاد عن التوتر النفسي والقلق اللذين يعرقلان عملية التركيز، والاهتمام بالغذاء الصحيّ الغني بالعناصر اللازمة التي تحتاج إليها الخلايا الدماغية.
وتنصح الطبيبة في هذا السياق بتناول الأغذية التي تقوي الذاكرة، ومنها الخضراوات والفواكه الطازجة، خاصة التي تحتوي على مضادات الأكسدة، لأنها تحمي الخلايا العصبية، والمكسرات والأسماك لأنها تحتوى على أوميغا 3.
وتضيف الاختصاصية أن هناك طرقاً أخرى لتنشيط الذاكرة من خلال التدريب الحسي السمعي والبصري، من خلال الحفظ والتكرار، والقراءة التي تساعد على تدريب المهارات الدماغية من دون بذل جهود كبيرة، وتعلم لغات جديدة، إلى جانب وجود ألعاب تساهم في الرفع من مستوى الذاكرة عند الإنسان، وخاصة لدى فئة المتعلمين والناشئة.
وتتابع لـ "العربي الجديد": "يختلف تنشيط الذاكرة من شخص إلى آخر، وكذلك تتفاوت درجة استجابة الذاكرة للخطوات السابقة بحسب الفئة العمرية ودرجة الاستعداد ونوعية الخلل".
هناك ألعاب تساهم في تنشيط الذاكرة (Getty) |
متى تنبغي زيارة الطبيب؟ وما هي العلاجات؟
تقول الدكتورة شركاني لـ "العربي الجديد": "إذا طالت مدة الأعراض لدى الشخص رغم أنه رتب حياته، وتغذيته، وحرص على النوم المنتظم، وابتعد عن التناول العشوائي للأدوية، وعن أسباب التوتر والإرهاق، آنذاك تصبح زيارة الطبيب أمراً ضرورياً لا مفر منه، لمعرفة الأسباب والتشخيص للبدء في العلاج".
الابتعاد عن التناول العشوائي للأدوية (Getty) |
وتشرح "يختلف العلاج من حالة إلى أخرى، حسب سبب ضعف الذاكرة، فإذا كان مجرد ضعف مردّه إلى التوتر أو الاكتئاب، فإننا نعالج ذلك عن طريق الأدوية والمكملات الغذائية الخاصة بتقوية الذاكرة، أما إذا كان الضعف مرتبطاً ببعض الأمراض العضوية، سواء الغدة الدرقية أو التعفنات، فيتم الخضوع لعلاج من شأنه أن يخفف مستقبلاً من مشكل ضعف الذاكرة، أما مرض ألزهايمر الذي يتسبب في تراجع ثابت في الذاكرة والوظائف الذهنية، فهناك علاجات خاصة به.