وكانت مصادر قد أكدت لـ"العربي الجديد"، في وقتٍ سابق، أن حركة "النهضة" قد تسير في اتجاه خيار التحالف مع "قلب تونس" حكومياً إذا اضطرت إليه.
وأكد رئيس حركة "النهضة" راشد الغنوشي، أول من أمس الإثنين، في تصريح صحافي، أن "حكومة الكفاءات الوطنية المستقلة التي سيقترحها رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي، ستكون أكثر الحكومات التي تحظى بالتأييد، لأنها ستكون مفتوحة أمام الجميع، ولن تقصي أحداً". وأشار الغنوشي إلى أن تونس "تحتاج اليوم إلى حكومة كفاءات وطنية مفتوحة أمام كل الأحزاب والتيارات، وأمام غير الحزبيين، على قاعدة خدمة البلاد". وفي هذا التصريح اختلافٌ مع ما أشار إليه رئيس الحكومة المكلف بشأن "حكومة كفاءات وطنية مستقلة عن كل الأحزاب، مقياسها الكفاءة والنزاهة". وأكد الجملي أنه سيعلن تشكيلته الحكومية خلال الأيام القليلة المقبلة، وسيتم عرضها على الأحزاب، قبل إحالتها إلى البرلمان لنيل الثقة، مضيفاً و"ليتحمل الجميع مسؤولياته".
ويبدو أن "قلب تونس"، الذي بقي متفرجاً على مشهد محاولة تشكيل الحكومة، كان ينتظر منذ البداية سقوط التحالف بين "النهضة" و"التيار الديمقراطي" وحركة الشعب، مستغرباً في الوقت ذاته الانقلاب عليه بعد تصويته لصالح رئاسة راشد الغنوشي للبرلمان، لكنه، كما كثيرين، كان يدرك أن هذه المجموعة (الأحزب التي كانت تفاوض في ما بينها) تتبادل عدم الثقة، ولا ترغب في التحالف في ما بينها، وإنما كانت تحاول تجنب الضغط الشعبي الذي كان يدعو إلى التحالف بين المكونات الثورية.
وتؤكد مصادر حزبية، لـ"العربي الجديد"، أن فكرة حكومة كفاءات ليست جديدة، وأن "قلب تونس" دعا بقوة إلى تشكيلها منذ البداية، لكن الغنوشي فضّل الذهاب إلى "التيار" و"الشعب"، تحت ضغط فريق داخل الحركة، ومناخٍ عام كان يرغب في حكومة ثورية تحمل تغييراً حقيقياً. وانضم "تحيا تونس" في اللحظات الأخيرة للمشاورات، في محاولة لاسترداد دورٍ للشاهد في المشهد الجديد. وبحسب هذه المصادر، فإن الشاهد هو الذي وقف وراء التحركات الأخيرة التي قادت إلى قصر قرطاج، مساء الإثنين، في محاولة أخيرة لإنقاذ التحالف الرباعي الذي أقصى "ائتلاف الكرامة"، وقبله الغنوشي على مضض. ويبدو أن هذا الإقصاء جاء أساساً من "تحيا تونس"، مع احتمال ظهور امتعاضٍ فرنسي أيضاً من وجود "الائتلاف" في المشهد الحكومي، بعدما كال لباريس الاتهامات منذ نجاحه في الانتخابات.
من جهته، كشف الأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي، في تصريح تلفزيون إثر الاجتماع في قصر قرطاج، أن الغنوشي أكد خلاله أن الوقت انتهى بخصوص مشاورات تشكيل الحكومة، وأنه لم يعد هناك أي إمكانية للعودة إلى الحوار مع هذه الأطراف التي سبق التفاوض معها. واعتبر المغزاوي أن رفض "النهضة" مواصلة التشاور، يؤكّد أن قرارها منذ البداية هو التحالف مع "قلب تونس"، لكنها حاولت التذاكي والتحايل والتظاهر بالتشاور مع بقية الأحزاب، على حدّ تعبيره. وأضاف الأمين العام لحركة الشعب، أن الرئيس قيس سعيّد أعلمهم بأنه فوجئ بتوقف المشاورات بعدما كانت قد حققت تقدماً، داعياً إياهم إلى إيجاد حلّ لتقريب وجهات النظر وطرح النقاط الخلافية.
وفي هذا الصدد، ترى المصادر نفسها، التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، أن مبادرة سعيّد جاءت في الوقت الضائع، وأنها كانت تشكل نوعاً من دفع "النهضة" إلى ما يسمى بحكومة الرئيس، بما يسلبها زمام المبادرة من ناحية، وقد يدفع إلى عزلها في مرحلة ثانية، من ناحية أخرى، وهو ما يفسر موقف الغنوشي القاطع خلال الاجتماع.
لكن قرار الجملي بالذهاب إلى حكومة مستقلة عن الأحزاب يحمل أيضاً في طيّاته جنوحاً نحو الاستقلال عن "النهضة" نفسها، ويُذكّر بالخلاف الذي كان قائماً بين الشاهد والرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، وقد يكرر الأخطاء والنتائج نفسها، وهو بهذا المعنى مغامرة سياسية حقيقية ليس بإمكان أحد التنبؤ بمآلاتها، إلا أنه قد يكون حلاً مؤقتاً لمرحلة معينة، ينهي الأزمة السياسية الراهنة، وسيتم تقييم نتائجه وبحث جدواه في مرحلة لاحقة. لكن خيار الجملي يواجه في الوقت نفسه معارضة حقيقية، حتى من داخل "النهضة"، لأنه يتعارض مع تصويت التونسيين ويعود بالجميع إلى مربع "التكنوقراط"، ما يحيله إلى فشل سياسي وحزبي، يتعارض مع نتائج الانتخابات.