ما هو المطلوب لنصرة القدس

24 ديسمبر 2017
لا يمكن إغفال دور الشعوب والهبة الجماهيرية للحق الفلسطيني
+ الخط -
لم يكترث الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالتحذيرات والنصائح التي وجهتها له هيئات أميركية وعالمية، ودول عربية وأوروبية، في محاولة لثنيه عن الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل، وذلك لما لهذا القرار من تأثيرات سلبية وما يمكن أن يترتب عليه من احتجاجات رافضة وفعاليات غاضبة قد تتجاوز ما يمكن توقعه أو السيطرة عليه، ويمكن أن تتدحرج لتتعدى المنطقة العربية، وبالتأكيد لم يغب عن أروقة الاستخبارات الأميركية خطورة وما سينتج عن هذا القرار الاستفزازي لما تتمتع به القدس من مكانة في قلوب الفلسطينيين والعرب وأحرار العالم.
إلا أن ترامب أقدم على الاعتراف بمدينة القدس عاصمة لدولة إسرائيل، متجاهلاً بذلك القرارات الدولية الخاصة بالمدينة المقدسة ومسقطاً من حساباته ما للفلسطينيين من حقوق مشروعة بالقانون ومتوارثة عبر الزمن، ولديه على ما يبدو قراءة مغايرة للواقع المعقد في المنطقة العربية، والفرصة المتوفرة له وفي الوقت الراهن لتمرير هذا القرار الذي أجلته إدارات أميركية متعاقبة على مدار 22 عامًا تعد فرصة ذهبية لا يصح تفويتها، فالمنطقة العربية تعصف بها حروب طَحنت قواها وفتت عصبتها وتركتها خاوية معدومة الخيارات وجاهزة لتقبل ما تمليه عليها الإدارة الأميركية، في ظل سعي أنظمة عربية بشكل علني وغير مسبوق لتطبيع علاقاتها مع دولة إسرائيل، وتنازلت لأجل ذلك عن شروطها السابقة التي كانت تفرض حل القضية الفلسطينية عبر القرارات الدولية والإقليمية، وخصوصاً قرار التقسيم والمبادرة العربية للسلام شرطاً أساسياً لإقامة علاقات مع إسرائيل والتطبيع معها.
قرار الإدارة الأميركية القاضي بالاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل يتطلب وقفة جادة تتضافر وتتشارك فيها الجهود الرسمية والشعبية، في سبيل إسقاط هذا القرار الجائر، والذي لا يقل خطورة عن وعد بلفور ويمثل عبثاً غير مسبوق في ثابت من الثوابت الفلسطينية والعربية الإسلامية والمسيحية على حد سواء، وتمرد على خط أحمر من الخطوط الجوهرية في تاريخ النضال الفلسطيني في جميع مراحله.
ويجب حشد كل جهد ونشاط وفعالية مهما كانت بسيطة أو متواضعة أو فردية حتى لو كان منشوراً على مواقع التواصل الاجتماعي أو صورة أو مادة فيديو أو أغنية، بما في ذلك أيضاً بيانات الاستنكار والشجب والتنديد والاعتراض والانتقاد والتحذير التي لا تتعدى النصوص الورقية، وذلك للوصول إلي حالة ثورية تنتشر في كل أصقاع الأرض، تحركها المشاعر الصادقة والتعاطف مع القضية الفلسطينية، فكل ما يصب في الصالح الفلسطيني مرحب به ومقدر، ومن شأن حجم التضامن والالتفاف حول القدس أن يربك الحسابات الأميركية والإسرائيلية وإن لم يدفعها للتراجع عن القرار يمكن أن يدفعها إلى تأخير عمليه نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس ويمنعها عن التجرؤ على الثوابت الوطنية الفلسطينية الأخرى.
لا يمكن إغفال دور الشعوب والهبة الجماهيرية في إسقاط هذا التجني على الحق الفلسطيني، فما من قوة مهما بلغت يمكنها أن تكسر إرادة الشعوب الغاضبة أو أن تسكت صوت الجماهير الثائرة والدور الأساسي في تحريك الشعوب يقع على الفلسطينيين في كافة بقاع الأرض عموماً وفي غزة والضفة وأراضي الـ 48 على وجه الخصوص، ومطلوب منهم أن يقدموا صوراً من التضحية والفداء والإقدام وبذل الغالي والنفيس من أجل القدس، وأن يعملوا على بقاء جذوة الاحتجاج والتظاهر والفعاليات المنددة مشتعلة ومستمرة وتزداد زخماً واشتباكاً مع العدو في نقاط الالتحام والمواجهة بكل وسائل النضال المتاحة والممكنة.
الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل أحيا القضية الفلسطينية في قلوب كثير من الشعوب العربية والعالمية وأيقظها بعد أن غفلت عنها تحت وطأة الأحداث التي عصفت بالشرق الأوسط، وهذا يدعو المناصرين والمتضامنين مع القضية الفلسطينية إلى استثمار هذه الفرصة في إعادة القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمام العالمي، لما في ذلك من أهمية في خلق طوق حماية لها من العبث الأميركي والإجرام الإسرائيلي.
في هذا الإطار يلزم التأكيد على ضرورة صياغة الخطاب الفلسطيني بطريقة تناسب العقل الغربي وتلفت انتباهه وتتوافق مع المعايير والقيم الأخلاقية والقانونية التي يؤمن بها من أجل التأثير عليه، خصوصاً أن الموضوع يتعلق بالمقدسات الدينية الإسلامية التي نالت منها وشوهتها كثير من المؤسسات الإعلامية الغربية بعد العمليات الإرهابية التي ارتكبها تنظيم داعش وجماعات الفكر المتطرف، والجرائم غير الإنسانية التي نفذتها الأنظمة الاستبدادية في قمع شعوبها المطالبة بالحريات والديمقراطية.
ويجب العمل على اقتناص أي فرصة يمكن من خلالها الوصول إلى المجتمع الأميركي وكشف الحقائق المخفية عنه وتسويق القضية والحق الفلسطيني عنده بلسان عربي يحمل هم القضية الفلسطينية ويدحض الرواية الإسرائيلية على أمل أن يشكل ذلك ضغطاً داخلياً على الإدارة الأميركية ومعارضة لها على تحيزها لإسرائيل وتنكرها للحقوق الفلسطينية وتجريمها أمام المجتمع الأميركي لتجاوزها القوانين الدولية وإجراءاتها غير المسئولة التي أدت إلي نسف جهود السلام.
سلاح المقاطعة، وخصوصاً الاقتصادية، يبرز في هذه المرحلة كسلاح فعال ومكلف ومؤثر في القرار الأميركي والإسرائيلي، وليس من الصعب إيجاد حالة من الوعي العالمي بضرورة مقاطعة المنتجات الإسرائيلية والأميركية مما يضر بمصالحهما واقتصادهما وقد عانت إسرائيل وما زالت تعاني من حملات المقاطعة التي تستهدف منتجات المستوطنات المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة.
السلطة الوطنية الفلسطينية بصفتها الجهة الرسمية المسؤولة عن الشأن الفلسطيني تملك العديد من أوراق القوة ولديها مساحة للمناورة والفعل المؤثر ويمكنها أن تعمل بالطرق الدبلوماسية والسياسية للاعتراض على هذا القرار عبر الوسائل القانونية والقنوات الدبلوماسية، ويتوجب عليها تقديم شكاوى بالخصوص إلى مجلس الأمن والمؤسسات الدولية كون القرار الأميركي يشكل انقلاباً على قرارات مؤسسات دولية لها اعتباراتها ووزنها في المجتمع الدولي.
كذلك ضرورة الإسراع في إنجاز المصالحة الوطنية الفلسطينية وإصلاح البيت الفلسطيني وترميم المؤسسات السيادية الفلسطينية، وعلى رأسها منظمة التحرير والانسحاب من التزامات أوسلو وما يتعلق بها من اتفاقيات ومعاهدات قيدت المستوى السياسي الفلسطيني وجعلت كثيرا من التحركات الرسمية الفلسطينية رهينة رغبة الاحتلال، والعمل على سحب الاعتراف بإسرائيل، ووقف التنسيق الأمني وإطلاق يد المقاومة الشعبية والمسلحة، والالتحام بالجماهير الغاضبة والاحتماء بها وعدم الرضوخ للإملاءات والضغوط الإقليمية الساعية إلي تصفية القضية والالتفاف على مسيرة صمود وتضحيات الشعب الفلسطيني على طول مسيرته النضالية.
على القيادة الفلسطينية أن تبحث عن حلفاء جدد وغطاء دولي يكون أكثر تفهماً وإنصافاً للحقوق الفلسطينية وفتح علاقات رسمية مع كل من يستطيع ويرغب في الوقوف بجانب القضية الفلسطينية ويحميها ويدافع عنها.
تبرز هنا أهمية رفع السلطة الفلسطينية شكاوى ضد مجرمي الحرب الإسرائيليين كوسيلة ضغط مجدية على الحكومة الإسرائيلية وإشعار لها بمدى الضرر الممكن إلحاقه بقادتها المتورطين بجرائم ترقى إلى أن تكون جرائم حرب ضد المدينين الفلسطينيين.
ويتحتم في هذه المرحلة على جميع الهيئات والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية عمل كل ما بوسعها من أجل دعم وتعزيز صمود المقدسيين المرابطين في المسجد الأقصى، للتخفيف من حدة وضغط المضايقات الإسرائيلية عليهم.
المأمول من الدول العربية والإسلامية والدول المتضامنة مع القضية الفلسطينية أن تقوم بسحب سفرائها من الولايات المتحدة وإسرائيل، وأن تعمل على إغلاق السفارات الأميركية والإسرائيلية في بلدانها والبحث عن آليات قانونية لإسقاط القرار عبر المؤسسات الدولية والمنابر العالمية والهيئات النزيهة والمتوازنة في التعامل مع القضايا الخلافية بين الدول والمناصرة لحق الشعوب في نيل حقوقها وتقرير مصيرها وعلى مجلس الأمن وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والبرلمانات العالمية وكافة المنظمات الإقليمية والدولية القيام بواجبها المنوط بها تجاه إحقاق الحق الفلسطيني.
(باحث فلسطيني في العلوم السياسية)
المساهمون