"المناطق المتنازع عليها"، مصطلح عرفه العراقيون بعد الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003، ويُعتبر إحدى أسوأ تركات واشنطن في زمن الحاكم المدني بول بريمر.
ويُطلق هذا المصطلح على جميع المدن والبلدات المختلطة قومياً ودينياً، وتقع غالبيتها في شمال وشرق العراق، ضمن محافظات كركوك وصلاح الدين ونينوى (شمال) وديالى (شرق) وواسط (جنوب شرق).
ونشأ الخلاف على تلك المناطق بعد إقرار الإقليم الكردي شمالي العراق، بسلطات وصلاحيات ذاتية شبه كاملة بعيداً عن بغداد.
وتقول سلطات إقليم كردستان العراق إنّ تلك المدن والمناطق كردية، ويجب أن توضع تحت سلطة الإقليم، الأمر الذي ترفضه بغداد.
وبسبب هذا الخلاف، أخضعت بغداد تلك المناطق ضمن مادة دستورية عُرفت باسم المادة 140 أو "مادة المناطق المتنازع عليها"، بين بغداد وأربيل، وتقضي بتنظيم استفتاء عام لأهالي تلك المناطق لتخييرهم بين البقاء مع بغداد ضمن السلطة الاتحادية للدولة أو الالتحاق بالإقليم.
غير أنّ عمليات تغيير ديموغرافية جرت في تلك المناطق وطاولت العرب المسلمين والمسيحيين، خلال السنوات الماضية، حيث استوطن عشرات آلاف الأكراد فيها، تسبّبت بشكل رئيسي في إيقاف تنفيذ الاستفتاء.
وفيما يلي شرح مفصل عن "المناطق المتنازع عليها"، بحسب المحافظات العراقية التي تقع فيها:
كركوك
تُعتبر مدينة كركوك، ذات الغالبية التركمانية، مع خليط عربي وكردي، من أهم المناطق التي يسعى إقليم كردستان لضمّها، بسبب احتوائها على آبار النفط والغاز التي تمثّل مورداً مهماً للدولة العراقية.
وبحسب مختصين، فإنّ إقليم كردستان لا ينوي إعلان "دولته" ما لم يضمّ كركوك؛ لأنّها تمثل الشريان الاقتصادي الذي سيموّل الإقليم، في حال انفصاله.
تعرّضت كركوك، والتي يعيش فيها العرب والأكراد إلى جانب التركمان، بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، لحملة واسعة من التكريد، بعد استقدام حكومة إقليم كردستان أكثر من 500 ألف كردي وتوطينهم بالمدينة، بحسب سياسيين تركمان يؤكدون أنّ هذا الأمر تمّ على حساب التركمان والعرب الذين أُرغموا على ترك المدينة، بعد خضوعها لتغيير ديموغرافي واسع.
بعد سقوط الموصل ومدن عراقية أخرى بيد تنظيم "داعش" الإرهابي، منتصف عام 2014، سيطرت القوات الكردية "البشمركة" على كركوك والمدن والبلدات القريبة منها، وعلى آبار النفط بشكل كامل.
وأعلنت "البشمركة" جميع هذه المناطق تابعة لإقليم كردستان، ورفعت العلم الكردي فوقها، قبل أن تشركها في استفتاء الانفصال، والذي تم إجراؤه في 25 سبتمبر/ أيلول الماضي، وهو أمر استفزّ الحكومة العراقية التي أقالت محافظها نجم الدين كريم الذي ينتمي لـ"الاتحاد الوطني الكردستاني".
نينوى
يُطالب الأكراد بضم عدد من مدن وبلدات محافظة نينوى، لإقليم كردستان، فيما ترفض حكومات بغداد ذلك.
من أهم مدن محافظة نينوى التي يطالبون بضمّها: مدينة سهل نينوى ذات الغالبية المسيحية، والتي تضم أقليات أخرى من التركمان والشبك والإيزيديين.
وبعد انطلاق معركة تحرير الموصل، في 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2016، دخلت قوات "البشمركة" الكردية سهل نينوى واستوطنت فيها وأعلنتها مدينة كردية، وهو أمر أغضب مسيحيي المدينة الذين انخرط بعضهم في تشكيلات مسلّحة، قالت إنّها ستقاوم التمدّد الكردي، كما طالب مسيحيو سهل نينوى بتحويل المدينة إلى محافظة تستقطب جميع مسيحيي العراق.
وفضلاً عن هذه المدينة، استغلّت القوات الكردية معركة الموصل لتدخل بلدات تلكيف والشيخان والحمدانية والبعاج والقحطانية وزمار وسنجار، وتعلنها مدناً تابعة لإقليم كردستان، فضلاً عن سيطرتها على مدينة مخمور ذات الغالبية العربية، وسيطرتها على سد الموصل الحيوي الذي قالت إنه يجب أن يبقى خاضعاً لحمايتها.
ديالى
تطالب حكومة إقليم كردستان بضم مدينة خانقين بمحافظة ديالى، بحجة أنّها ذات أغلبية من الكرد "الفيليين" الذين تمتد أصولهم إلى إيران، كذلك تدعي تبعية مدينة كفري ذات الخليط العربي التركماني الكردي ومدن قرة تبه وبلدروز والسعدية وجلولاء التي يمثّل الأكراد فيها أقل من نصف سكانها.
صلاح الدين
بعد دخول تنظيم "داعش" الإرهابي عدداً من المدن العراقية، منتصف عام 2014، فرضت قوات "البشمركة" الكردية سيطرتها على جزء من بلدة طوزخوماتو بمحافظة صلاح الدين القريبة من حدود كركوك، على الرغم من أنّ البلدة ذات غالبية تركمانية، وادّعت تبعية طوزخورماتو لإقليم كردستان.
واسط
يطالب إقليم كردستان بضمّ مدينة بدرة وجصان، في محافظة واسط جنوب شرقي بغداد، إلى مناطق صلاحياته. وتضمّ بدرة وجصان خليطاً من العرب والأكراد، ويتحدّث بعض سكانها بلغة كردية قريبة من لهجة سكان مدينة خانقين بمحافظة ديالى.
الخط الأخضر
عقب سيطرة تنظيم "داعش" الإرهابي على مساحات شاسعة من مدن شمال وغرب العراق، عام 2014، تقدّمت القوات الكردية "البشمركة"، بدعم أميركي، إلى المناطق المتنازع عليها، وتمكّنت من انتزاعها من قبضة التنظيم، وضمّها بشكل أحادي إلى إقليم كردستان، بما فيها كركوك وآبار النفط والغاز، وهو ما أثار حفيظة بغداد، طيلة السنوات الماضية، من دون أن تتحرّك وسط خوضها معارك مع "داعش".
فجر الإثنين 16 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، أطلقت بغداد، وردّاً على الاستفتاء الكردي للانفصال عن العراق، عملية واسعة سمتها "فرض الأمن والقانون"، تمكّنت خلالها من استعادة السيطرة على جميع تلك المناطق، بعد الدفع بقوات مدرعة ومشاة، بإسناد من سلاح الجو العراقي.
أمام ذلك، عادت، اليوم الأربعاء، القوات الكردية "البشمركة" بشكل كامل إلى ما يُعرف بخط حزيران أو "الخط الأخضر" ويعني عودتها إلى ما كانت عليه عند حدود الإقليم السابقة، قبل اجتياح تنظيم "داعش" للعراق.