ما نتائج العقوبات ضد إيران؟

08 نوفمبر 2018
العقوبات تؤثر على السوق النفطية (Getty)
+ الخط -
أعلن كل من الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ووزير خارجيته، مايك بومبيو، يوم السبت الماضي، أن الولايات المتحدة ستبدأ اعتباراً من يوم الاثنين الموافق 5 نوفمبر/ تشرين الثاني في تطبيق العقوبات الاقتصادية ضد إيران

ولمّا قامت دول، مثل الهند والصين، بالاحتجاج الشديد على هذه الخطوة، وإبدائها الاستعداد لدعم إيران، قرّر رئيس الولايات المتحدة مع وزير خارجيته إعفاء ثماني دول من الالتزام باستيراد النفط  من إيران إعفاءً جزئياً، ولمدة 180 يوماً فقط، قابلة بعدها للتجديد، والدول المستثناة من قرار حظر شراء النفط الإيراني هي: الصين، والهند، واليونان، وإيطاليا، واليابان، وكوريا الجنوبية، وتركيا، وتايوان حسب تصريحات وزير الخارجية الأميركي  مايك بومبيو الاثنين الماضي.

والسبب في قيام الحكومة الأميركية بهذه التسهيلات أن هذه الدول لن تقبل تطبيق هذه العقوبات على إيران، وسوف تعتبرها عقوباتٍ موجهةً ضدها. ولا يُستبعد أن تكون هذه الدول قد وقّعت عقود شراء للنفط الإيراني، وبموجب أسعار تقل عن الأسعار الدولية، ما سيحمّلها أعباءً إضافية كبيرة، لو رضخت للطلب الأميركي. ولا يستبعد أنها اتخذت إجراءات احترازية (Hedging)، من أجل ضمان شراء النفط بأسعار ثابتة مدة طويلة نسبياً.

ولذلك رأت الإدارة الأميركية أن الحيطة والحفاظ على هيبتها تقتضيان اتخاذ إجراء إعفاء هذه الدول من مقاطعة النفط الإيراني ثلاثة أشهر قابلة للتجديد حسب الظروف.

وما دفع الإدارة الأميركية إلى ذلك خشيتها من أن أسعار النفط التي شهدت تراجعاً خلال الأسبوع الأخير المنتهي بيوم الأحد الموافق 4 نوفمبر/ تشرين الثاني، واستمر التراجع طوال هذا الأسبوع، وجاء في صالح الإدارة الأميركية الحالية، قد يرتفع سعر النفط ارتفاعاً كبيراً لولا هذا الإعفاء أو التراجع عن إلزام الدول المهمة المستوردة للنفط الإيراني.

وفي هذا الإطار، تخشى أميركا، إن هي أصرّت على موقفها من منع إيران تصدير نفطها، ورفضت إيران الانصياع لذلك، فقد يحتدم الصدام إلى درجة إغلاق مضيق هرمز. وإنْ حصل أمر تصعيديٌّ كهذا، فإن احتمالات الحرب سوف تتضاعف، وأسعار النفط سترتفع، سواء توقف تصدير النفط عبر مضيق هرمز، أو تحول إلى بحر العرب.

سوف ترتفع أسعار النفط ارتفاعاً كبيراً، بسبب نقص المعروض من النفط الإيراني (3 ملايين برميل يومياً) والنفط الخليجي (لا أقل من مليون ونصف مليون برميل يومياً)، وسوف ترتفع كلف الشحن والتأمين ضد مخاطر الشحن في بحر العرب القريب من مضيق هرمز. ونظرياً، تستطيع إيران أن تهدد موانئ في بحر العرب وحتى في البحر الأحمر من مناطق نفوذها في اليمن.

والرئيس الأميركي المهووس بالانتخابات وسط الفترة، والتي جاءت بعد يوم من بدء تطبيق العقوبات ضد إيران، لم يرد أن ترتفع أسعار النفط في محطات الوقود في الولايات المتحدة، ما يؤثر على قرارات الناخبين لصالح خصمه الحزب الديمقراطي.

وعند نشر هذا المقال اليوم الخميس (8/ 11/ 2018) تكون نتائج الانتخابات الأميركية قد ظهرت، حيث أشارت النتائج الأولية لانتخابات الكونغرس الأميركي إلى احتفاظ الجمهوريين (حزب الرئيس ترامب) بأغلبية أعضاء مجلس الشيوخ والبالغ عددهم مائة سيناتور أو اثنين من كل ولاية أميركية، وفوز الديمقراطيين بأغلبية مجلس النواب، وذلك على الرغم من عدم انتهاء عمليات الفرز وعدم الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات الأكثر دراماتيكية في التاريخ الأميركي الحديث.

ولذلك، ارتبطت مواقف الرئيس الأميركي تجاه الصين، وروسيا، وإيران، وتركيا، والمملكة العربية السعودية، وأوروبا، وإسرائيل، كلياً برغبته الجامحة في الحفاظ على الأغلبية الجمهورية في كل من المجلسين التشريعيين. وحتى انتخاب حكام الولايات لا يعنيه كثيراً على الرغم من أهميتها، إذ إن ما يعزّز موقفه، ويحسّن فرص فوزه بفترة رئاسية ثانية في انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2020، هو فوزه في الانتخابات التشريعية التي انتهت قبل يومين.

ولكن، وبغض النظر عن النتائج، السؤال الكبير المطروح: هل ستغير الإدارة الأميركية من سلوكها تجاه العالم ابتداءً من هذا اليوم؟

إذا فاز حزب ترامب بالانتخابات، فإنه سيزداد ثقة، وسيشعر أن الشعب الأميركي قد منحه الشرعية في أن يكون أكثر عدوانيةً وسلطويةً مما كان عليه. وإن لم يفز، أو فاز جزئياً، فأعتقد أن خياره سيكون مشابهاً لخيار الفوز، لأنه يريد التعويض وإثبات صحة موقفه في العامين المقبلين، قبل استحقاق انتخابات شهر نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2020، والتي ستشمل إعادة انتخابه، بالإضافة إلى انتخاب ثلث أعضاء مجلس الشيوخ، وكل أعضاء مجلس الممثلين.

ولذلك، سيعتمد نجاح إيران في تخطي صعوبات العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من الولايات المتحدة، إلى حد كبير، على مدى تجاوب الدول الكبرى الأخرى حيال استمرار نهج الرئيس ترامب، وكأن الولايات المتحدة هي القطب الأحادي في العالم.

ولنعترف بأن روسيا لم يعد الاتحاد السوفييتي يملي عليها أن تطوّر اقتصادها، وأن تصبح اقتصاداً أقرب إلى الرأسمالية. أما الصين فهي بحاجةٍ إلى مهلةٍ زمنيةٍ، لتثبت أركان اقتصادها دولة عظمى، ومن دون الاعتماد إلى حد كبير على السوق الأميركية، ومن يدور في إطارها.

أما أوروبا فهي أيضاً بحاجة إلى بعض الوقت كذلك لإعادة ترتيب بيتها، بعدما انفرط عقد الأحزاب الحاكمة لصالح اليمين المتناسق مع الفلسفة المحافظة التي ينتهجها الرئيس الأميركي.

يعاني العالم من استفحال مشكلاته الاقتصادية والمالية، ولربما يفاجأ العالم بأحداث كبرى، كأن يحصل كساد اقتصادي عالمي، أو أن تتوسّع رقعة الحروب الإقليمية، أو أن نشهد تقلباتٍ سياسيةً داخل أقطار الشرق الأوسط، يصعب التكهن بها حالياً. .. لكن منطقتنا ستبقى حجر الرحى في كل ما يحدث.

المساهمون