16 فبراير 2020
ما لا ترغب دول حصار قطر سماعه
مضى أكثر من خمسين يومًا على قرار رباعي الحصار؛ السعودية والإمارات والبحرين ومصر، قطع علاقاتهم الدبلوماسية مع قطر وإغلاق المنافذ البرية والبحرية والجوية معها، وتقييد حركة المواطنين القطريين ومواطنيهم كذلك، وإيقاف حركة التبادل التجاري والاقتصادي، ليصل الأمر إلى حد الغذاء والدواء في سوابق دولية لا تخطر ببال أحد، غير الأنظمة العربيّة.
بعد كل ما جرى وصار من تجييش وتسويف، لا يجد رباعي الحصار في جعبته السياسية لا خفي حنين، ولا حتى حمار جحا، وهو كان يمنّي النفس بحسمٍ قريبٍ، لا يزيد زمنيًا عن الأيام العشرة المذيّلة أسفل المطالب المرسلة إلى الدوحة، عبر وساطة كويتية حرصت هذه الدول على إفشالها منذ اليوم الأول، ولم تقابلها بالود والترحاب كما فعلت قطر. يتحدث إعلامهم بحسرة عن طي الأزمة تارة، وتأجيلها تارة أخرى، فيرد عليهم الوزير الإماراتي، أنور قرقاش، المولع بإدارة شؤون بلاده الخارجية عبر "تويتر" بأن الأزمة تمر بمرحلة ضبابيّة مقصودة، أو غير مقصودة، معزيًا نفسه ومتابعيه بانتصاراتٍ خلبية مفادها عزل قطر.
ما لا تريد دول حصار قطر رؤيته أن قطر لم تهزم (إن لم تكن انتصرت) سياسيًا ودبلوماسيّا في الجولة الأولى من الأزمة، وأن ما نقلته صحيفة واشنطن بوست عن مسؤولين أميركيين عن اختراق الإمارات موقع وكالة الأنباء القطرية مثّل ضربة قاسية، نسفت بجرة قلم أحلام يقظة لطالما راودتهم عن راية بيضاء سترفعها قطر عاجلًا أم أجلًا. ما تتجاهله دول الحصار عمدًا أن صمود الشعب القطري، وإصراره على دعم قيادته، فاق كل توقعاتهم، وأن الاقتصاد القطريّ على الرغم من بعض الخسائر المتوقعة، بقي صلبًا على مستوى مؤسساته ومؤشراته، وأن قائمة المطالب الـ 13 التي كانت غير قابلة للتفاوض، ألغتها قطر بقرار مسبق، من دون أن يكترث بها أحد بعد انتهاء مدتها.
ما لا يرغبون تصديقه أن جهودهم في الحشد الدبلوماسي ضد قطر فشلت دوليًا، فقد انحازت
ألمانيا إلى قطر علنا، فيما حاولت باريس، بتنميق خطابي، إخفاء موقفها الأقرب إلى الدوحة، والحال نفسه بالنسبة إلى بريطانيا التي رفعت النبرة الإنسانية في انتقاد الحصار في رسالةٍ مبطنة على أنها ترفضه سياسيًا. لكن أبرز ما تعمى أبصارهم عن تلمسّه أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، المنحاز إليهم لم يحسم معركتهم، بل فرمل، باتصال واحد، خطواتهم في التصعيد قبل أن تقلب البيروقراطية الأميركية الطاولة عليهم، وتحشرهم في زاوية التبرير والدفاع عن سلوكٍ غير مسؤول، انحدر بخطابهم السياسي والإعلامي إلى قعر غير مسبوق.
ما لا ترغب دول الحصار الإقرار به أنها أصبحت محط هجوم إعلاميّ لاذع من منصّات إعلامية غربية عريقة، لا يجرؤون على المطالبة بإغلاقها، على غرار شبكة الجزيرة، و"العربي الجديد"، حتى وإن كذبوا ما تنشره من حقائق ضدهم. وما عجزوا عن قراءته أن مضامين تقرير الخارجية الأميركية عن عام 2016 فندت جميع ادّعاءاتهم ضد قطر، فيما يتعلق بقضية الإرهاب، وعدت الدوحة شريكًا رئيسيًا يلعب موقعًا متقدمًا في دعم الولايات المتحدة في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية والمنظمات الإرهابيّة. وإذا كان ممولون للإرهاب يستغلون النظام المالي، غير الرسمي في قطر، كما أورد التقرير، فإن الإمارات تحولت إلى مركز ماليّ لتمويل الإرهاب، ولم تفلح الجهود الحكومية في السعودية في إيقاف تدفق الأموال إلى منظماتٍ تصنف في اللائحة الأميركية منظمات إرهابيّة. ما لا يرغب إعلام الحصار بسماعه أن ثمة بونا شاسعا وهوة واسعة ما بين قائمة الإملاءات السابقة تختلف جذريًا عن المبادئ الست التي أعلنت في القاهرة، والتي قد لا يختلف عليها أحد. ثمّة إصرار على استغباء المتابع بالإيحاء أن المبادئ الست التي تستحضر مصطلح القانون الدولي بوصفها "تعويذة" تمثل امتدادا للمطالب الثلاثة عشر، وقد يكون ذلك مقصودًا، لحفظ ماء وجههم الملبد بأرطالٍ من الفشل.
ما لا ترغب دول الحصار سماعه نهائيًا، أن قطر بعد تجاوزها الصدمة الأولى شرعت في
وضع اللبنات الأولى والأساسية في طريق الأمن الغذائي، وبناء مقومات اقتصادها الوطني بعدسةٍ استراتيجيةٍ أوسع، تضمن له التكامل مع أسواق إقليمية ناشئة مليئة بالفرص الاستثماريّة بما ينهي الاعتمادية التجارية على مصادر محدّدة، تستخدمها دول الحصار أدوات ابتزاز لتحقيق غايات سياسية، ما يعني خسارتهم قطر وخسارتهم في التأثير عليها أيضًا.
وأخيرًا، اكتشفت دولة قطر شعبها، واكتشف القطريون مقدّراتهم، وتفاجأوا بالكفاءات الموجودة لديهم في مناحي مختلفة. نظرت قطر إلى الأزمة بوصفها فرصةً وتحديًا لا مهرب منه لإنجاز استقلالها التام، فنهجت، منذ البداية، دبلوماسية هادئة في خطابها، واقعية في حراكها، ومرنة في اجتراح وسائل مكّنتها من مواجهة الحملة المفتعلة ضدها. بخلاف ما يروّج الطرف الأخر، لم تعوّل قطر على الزمن، كان موقفها واضحًا في طرحه، وأخلاقيًا في عدم الانجرار إلى الابتذال الرخيص المتبع ضدّها، فكسبت احترامًا دوليًا لدبلوماسيتها ، وتفهمًا لمساعيها في إفشال الحصار. في المقابل، تبرز دول الحصار بحالةٍ من التخبط وعدم التنسيق سببها انتظارهم ما سيأتي من البيت الأبيض، من دون امتلاك مخارج حقيقية لأزمتهم مع قطر، لتضاف هذه الأزمة إلى سجلهم الارتجالي في اليمن، وليبيا، ومصر.
بعد كل ما جرى وصار من تجييش وتسويف، لا يجد رباعي الحصار في جعبته السياسية لا خفي حنين، ولا حتى حمار جحا، وهو كان يمنّي النفس بحسمٍ قريبٍ، لا يزيد زمنيًا عن الأيام العشرة المذيّلة أسفل المطالب المرسلة إلى الدوحة، عبر وساطة كويتية حرصت هذه الدول على إفشالها منذ اليوم الأول، ولم تقابلها بالود والترحاب كما فعلت قطر. يتحدث إعلامهم بحسرة عن طي الأزمة تارة، وتأجيلها تارة أخرى، فيرد عليهم الوزير الإماراتي، أنور قرقاش، المولع بإدارة شؤون بلاده الخارجية عبر "تويتر" بأن الأزمة تمر بمرحلة ضبابيّة مقصودة، أو غير مقصودة، معزيًا نفسه ومتابعيه بانتصاراتٍ خلبية مفادها عزل قطر.
ما لا تريد دول حصار قطر رؤيته أن قطر لم تهزم (إن لم تكن انتصرت) سياسيًا ودبلوماسيّا في الجولة الأولى من الأزمة، وأن ما نقلته صحيفة واشنطن بوست عن مسؤولين أميركيين عن اختراق الإمارات موقع وكالة الأنباء القطرية مثّل ضربة قاسية، نسفت بجرة قلم أحلام يقظة لطالما راودتهم عن راية بيضاء سترفعها قطر عاجلًا أم أجلًا. ما تتجاهله دول الحصار عمدًا أن صمود الشعب القطري، وإصراره على دعم قيادته، فاق كل توقعاتهم، وأن الاقتصاد القطريّ على الرغم من بعض الخسائر المتوقعة، بقي صلبًا على مستوى مؤسساته ومؤشراته، وأن قائمة المطالب الـ 13 التي كانت غير قابلة للتفاوض، ألغتها قطر بقرار مسبق، من دون أن يكترث بها أحد بعد انتهاء مدتها.
ما لا يرغبون تصديقه أن جهودهم في الحشد الدبلوماسي ضد قطر فشلت دوليًا، فقد انحازت
ما لا ترغب دول الحصار الإقرار به أنها أصبحت محط هجوم إعلاميّ لاذع من منصّات إعلامية غربية عريقة، لا يجرؤون على المطالبة بإغلاقها، على غرار شبكة الجزيرة، و"العربي الجديد"، حتى وإن كذبوا ما تنشره من حقائق ضدهم. وما عجزوا عن قراءته أن مضامين تقرير الخارجية الأميركية عن عام 2016 فندت جميع ادّعاءاتهم ضد قطر، فيما يتعلق بقضية الإرهاب، وعدت الدوحة شريكًا رئيسيًا يلعب موقعًا متقدمًا في دعم الولايات المتحدة في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية والمنظمات الإرهابيّة. وإذا كان ممولون للإرهاب يستغلون النظام المالي، غير الرسمي في قطر، كما أورد التقرير، فإن الإمارات تحولت إلى مركز ماليّ لتمويل الإرهاب، ولم تفلح الجهود الحكومية في السعودية في إيقاف تدفق الأموال إلى منظماتٍ تصنف في اللائحة الأميركية منظمات إرهابيّة. ما لا يرغب إعلام الحصار بسماعه أن ثمة بونا شاسعا وهوة واسعة ما بين قائمة الإملاءات السابقة تختلف جذريًا عن المبادئ الست التي أعلنت في القاهرة، والتي قد لا يختلف عليها أحد. ثمّة إصرار على استغباء المتابع بالإيحاء أن المبادئ الست التي تستحضر مصطلح القانون الدولي بوصفها "تعويذة" تمثل امتدادا للمطالب الثلاثة عشر، وقد يكون ذلك مقصودًا، لحفظ ماء وجههم الملبد بأرطالٍ من الفشل.
ما لا ترغب دول الحصار سماعه نهائيًا، أن قطر بعد تجاوزها الصدمة الأولى شرعت في
وأخيرًا، اكتشفت دولة قطر شعبها، واكتشف القطريون مقدّراتهم، وتفاجأوا بالكفاءات الموجودة لديهم في مناحي مختلفة. نظرت قطر إلى الأزمة بوصفها فرصةً وتحديًا لا مهرب منه لإنجاز استقلالها التام، فنهجت، منذ البداية، دبلوماسية هادئة في خطابها، واقعية في حراكها، ومرنة في اجتراح وسائل مكّنتها من مواجهة الحملة المفتعلة ضدها. بخلاف ما يروّج الطرف الأخر، لم تعوّل قطر على الزمن، كان موقفها واضحًا في طرحه، وأخلاقيًا في عدم الانجرار إلى الابتذال الرخيص المتبع ضدّها، فكسبت احترامًا دوليًا لدبلوماسيتها ، وتفهمًا لمساعيها في إفشال الحصار. في المقابل، تبرز دول الحصار بحالةٍ من التخبط وعدم التنسيق سببها انتظارهم ما سيأتي من البيت الأبيض، من دون امتلاك مخارج حقيقية لأزمتهم مع قطر، لتضاف هذه الأزمة إلى سجلهم الارتجالي في اليمن، وليبيا، ومصر.