شهدت منطقة الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، منذ بداية عام 2015 ركوداً في قطاع النفط والغاز، نظراً للتدنّي المفاجئ في سعر البرميل إلى ما دون الخمسين دولاراً. فمع استمرار دول الأوبك في ضخّ الكميات نفسها في الأسواق العالمية، في خطوة من شأنها ضرب الشركات الأميركية الصغيرة المستثمرة في تكنولوجيا الغاز الصخري (Shale Gas)، واستقرار إنتاج النفط على 93 مليون برميل يومياً، اتّجهت الشركات العالمية إلى خفض استثماراتها، ودراسة جدوى بعض مشاريع الاستكشاف والإنتاج في هذه المرحلة بالذات.
إلا أنّ اكتشاف حقل "زُهر" المصري، في 31 أغسطس/آب المنصرم، من قبل شركة (ENI) الإيطالية، أتى ليقلب المقاييس الجيوسياسية، وليعيد الاهتمام إلى هذه المنطقة. تشير التقديرات الأولية إلى احتواء هذا الحقل على 30 تريليون قدم مكعّبة من الغاز الطبيعي (من المرجح أن تؤكد المسوحات المنوي إجراؤها مطلع عام 2016 هذه الأرقام كما تحديد نوعية هذه الثروة)، ممّا يشكّل أكبر اكتشاف عرفته مصر تاريخيّاً وأضخم حقل في البحر المتوسط.
اكتشاف، إن صحّت تقديراته، سيعيد خلط الأوراق ويرسم توازنات نفطية جديدة، إن لجهة فلسطين المحتلة أو لجهة قبرص. فقد شهد هذا القطاع في السنوات الثلاث الماضية نقلة كبيرة في فلسطين المحتلة، حيث أعلنت الجهات الإسرائيلية عن اكتشاف حوالى الـ 32 تريليون قدم مكعّبة من الغاز الطبيعي في حقلي "ليفياثان" (22) و"تامار" (10)، على الرغم من أزمة بين إسرائيل والشركات العاملة في البحر (نوبل اينيرجي الأميركية وشركة ديليك الإسرائيلية) تتعلّق بالاحتكار والمنافسة، إلا أنها باشرت ومنذ العام الماضي بعقد الاتفاقيات مع كل من مصر والأردن لتصدير إنتاجها النفطي. أمّا قبرص، فلم تستطع حتى اليوم سوى اكتشاف 4.5 تريليونات قدم مكعّبة في حقل "أفرودايت" (البلوك 12)، ممّا جمّد خطتها الهادفة إلى إنشاء منصة لتسييل الغاز الطبيعي في منطقة فاسيليكوس جنوب الجزيرة. كلّ ذلك يسمح لمصر بالعودة إلى السوق النفطية من الباب العريض من خلال هذا الحقل، والاكتفاء ذاتياً في السوق المحلّية كما قدرتها على المعالجة والتصدير إلى أوروبا، ما قد يؤثّر سلباً على المصالح الإسرائيلية التي بدأت تتحرك على صعيد الشركات والدول المؤثرة من أجل اجتذاب المستثمرين والمضيّ قدماً في الاستخراج.
من جهتها، أبدت قبرص نيتها البحث مع مصر والشركة الإيطالية بشأن الامتداد الجيولوجي للزُهر، كونه يقع على الحدود بين المياه الإقليمية القبرصية والمصرية مقابل البلوك رقم 11 المشغَّل من قبل شركة توتال الفرنسية، ما يجعل فرضية تداخل الحقل بين الدّولتين ممكنة.
يذكر أن شركة توتال، التي تشغّل البلوكين 10 و11 من الجزيرة، كانت قد أعلنت بداية العام رغبتها الانسحاب من قبرص، نظراً للظروف الاقتصادية وعدم قدرتها على إيجاد كميّات واعدة. على الرغم من ذلك، بذلت الدولة القبرصية جهوداً جبّارة لإقناع توتال بالتريّث في حسم خياراتها، كما قامت بخطوات عملية للتأكّد من مخزونها النفطي، فتعاقدت مع الشركة الأميركية نيوز جيوسوليوشانز (Neos GeoSolutions) من أجل إجراء مسح جيولوجي لنحو 9000 كلم2 من البرّ والبحر القبرصيين في سبتمبر/أيلول الماضي، والذي كان قد أنجز بنجاح في لبنان خلال فترة لا تتعدّى الثمانية أشهر. كلّ ما تقدّم يدلّ على أنّ الشركات العالمية عادت لتنظر إلى منطقة المتوسط بعين ساهرة أكثر بعد اكتشاف حقل الزهر، على الرغم من الظروف السياسيّة المعقدة، وأنّ ذلك سيستمرّ في الأشهر المقبلة مع بزوغ عام 2016، حيث يتوقّع أن يرتفع سعر البرميل شيئاً فشيئاً، على أمل أن يساهم ذلك في جذب الاستثمارات الأجنبية وإعادة الحركة الاقتصادية إلى منطقة هي بأمسّ الحاجة إليها.
(متخصص لبناني في الهندسة النفطية)
اقرأ أيضاً:ماذا بعد اكتشاف النفط في الجولان المحتل؟
إلا أنّ اكتشاف حقل "زُهر" المصري، في 31 أغسطس/آب المنصرم، من قبل شركة (ENI) الإيطالية، أتى ليقلب المقاييس الجيوسياسية، وليعيد الاهتمام إلى هذه المنطقة. تشير التقديرات الأولية إلى احتواء هذا الحقل على 30 تريليون قدم مكعّبة من الغاز الطبيعي (من المرجح أن تؤكد المسوحات المنوي إجراؤها مطلع عام 2016 هذه الأرقام كما تحديد نوعية هذه الثروة)، ممّا يشكّل أكبر اكتشاف عرفته مصر تاريخيّاً وأضخم حقل في البحر المتوسط.
اكتشاف، إن صحّت تقديراته، سيعيد خلط الأوراق ويرسم توازنات نفطية جديدة، إن لجهة فلسطين المحتلة أو لجهة قبرص. فقد شهد هذا القطاع في السنوات الثلاث الماضية نقلة كبيرة في فلسطين المحتلة، حيث أعلنت الجهات الإسرائيلية عن اكتشاف حوالى الـ 32 تريليون قدم مكعّبة من الغاز الطبيعي في حقلي "ليفياثان" (22) و"تامار" (10)، على الرغم من أزمة بين إسرائيل والشركات العاملة في البحر (نوبل اينيرجي الأميركية وشركة ديليك الإسرائيلية) تتعلّق بالاحتكار والمنافسة، إلا أنها باشرت ومنذ العام الماضي بعقد الاتفاقيات مع كل من مصر والأردن لتصدير إنتاجها النفطي. أمّا قبرص، فلم تستطع حتى اليوم سوى اكتشاف 4.5 تريليونات قدم مكعّبة في حقل "أفرودايت" (البلوك 12)، ممّا جمّد خطتها الهادفة إلى إنشاء منصة لتسييل الغاز الطبيعي في منطقة فاسيليكوس جنوب الجزيرة. كلّ ذلك يسمح لمصر بالعودة إلى السوق النفطية من الباب العريض من خلال هذا الحقل، والاكتفاء ذاتياً في السوق المحلّية كما قدرتها على المعالجة والتصدير إلى أوروبا، ما قد يؤثّر سلباً على المصالح الإسرائيلية التي بدأت تتحرك على صعيد الشركات والدول المؤثرة من أجل اجتذاب المستثمرين والمضيّ قدماً في الاستخراج.
من جهتها، أبدت قبرص نيتها البحث مع مصر والشركة الإيطالية بشأن الامتداد الجيولوجي للزُهر، كونه يقع على الحدود بين المياه الإقليمية القبرصية والمصرية مقابل البلوك رقم 11 المشغَّل من قبل شركة توتال الفرنسية، ما يجعل فرضية تداخل الحقل بين الدّولتين ممكنة.
يذكر أن شركة توتال، التي تشغّل البلوكين 10 و11 من الجزيرة، كانت قد أعلنت بداية العام رغبتها الانسحاب من قبرص، نظراً للظروف الاقتصادية وعدم قدرتها على إيجاد كميّات واعدة. على الرغم من ذلك، بذلت الدولة القبرصية جهوداً جبّارة لإقناع توتال بالتريّث في حسم خياراتها، كما قامت بخطوات عملية للتأكّد من مخزونها النفطي، فتعاقدت مع الشركة الأميركية نيوز جيوسوليوشانز (Neos GeoSolutions) من أجل إجراء مسح جيولوجي لنحو 9000 كلم2 من البرّ والبحر القبرصيين في سبتمبر/أيلول الماضي، والذي كان قد أنجز بنجاح في لبنان خلال فترة لا تتعدّى الثمانية أشهر. كلّ ما تقدّم يدلّ على أنّ الشركات العالمية عادت لتنظر إلى منطقة المتوسط بعين ساهرة أكثر بعد اكتشاف حقل الزهر، على الرغم من الظروف السياسيّة المعقدة، وأنّ ذلك سيستمرّ في الأشهر المقبلة مع بزوغ عام 2016، حيث يتوقّع أن يرتفع سعر البرميل شيئاً فشيئاً، على أمل أن يساهم ذلك في جذب الاستثمارات الأجنبية وإعادة الحركة الاقتصادية إلى منطقة هي بأمسّ الحاجة إليها.
(متخصص لبناني في الهندسة النفطية)
اقرأ أيضاً:ماذا بعد اكتشاف النفط في الجولان المحتل؟