20 نوفمبر 2024
ما فعلته الانتفاضة في العراق
فضحت الانتفاضة التي شهدتها أخيرا المدن العراقية، الشيعية منها خصوصا، مأزق إيران الحقيقي الذي لم يظهر للعيان طوال الفترات السابقة، والكامن في موقف شيعة العراق من دولة "ولاية الفقيه" التي تريد الاستئثار ببلادهم، وتحويلها الى واحدةٍ من محافظاتها، إذ رفع شباب الانتفاضة، منذ بداياتها، شعار "إيران.. برّه برّه"، تعبيرا عن رفضهم لها، يكفي أن نقول إن مدينة الصدر التي أسماها المنتفضون "مدينة ثورة تشرين"، مدينة فقراء الشيعة، فقدت وحدها 57 شهيدا وأصيب منها أكثر من ألف جريح، وتحمّلت أقسى الضربات وأشدها عنفا من مليشيات الحشد الشعبي وقوات الأمن طوال أيام الانتفاضة.
هنا يستعيد الذهن ما دأبت طهران على ترويجه، وهو الارتباط المذهبي بين شعبي البلدين، واستغلال ذلك في الدعاية لمشروع "دولة إيران الكبرى" التي تضم، بحسب دعاته، أربع عواصم عربية حاليا، وفي السرد السياسي لكتاب ومحللين إيرانيين عديدين، سوف تأتي بقية العواصم العربية لتنضم إلى هذا المشروع، طائعة أو مرغمة!
أضف أن الانتفاضة أحدثت شرخا دراماتيكيا في المشروع الإمبراطوري الجامح، قد لا تظهر مفاعيله بسرعة. كما أنها أوقعت نظام بغداد في مأزق، لأنها كشفت عورته أمام الملأ، وهي أن لا حاكم حقيقيا في العراق سوى طهران، وربما واشنطن أيضا ولكن بقدر محسوب ومقنن من الإدارة الأميركية نفسها، وأن شاغلي الرئاسات الثلاث والوزارات والمواقع الأساسية ليسوا سوى "دمى" مصنوعة، ومكيّفة ذاتيا لأداء أدوار مرسومة في مقابل أجر.
كشفت الانتفاضة، على نحو صارخ، الدور الإجرامي الموكول لمليشيات الحشد الشعبي السوداء التي تسترت أمدا تحت ادعاءات المشاركة في مواجهة "داعش" وتحرير البلاد من سطوته، وهي اليوم تُكمل مخططها بإرساء معالم "دولة عميقة" تحتكر القرار الأمني والاقتصادي، والسياسي أيضا، ولا تترك لدولة العراق الظاهرة سوى الفتات.
أوقعت الانتفاضة "المرجعية" في حرج، ودفعتها إلى اتخاذ موقفٍ أكثر حسما من مواقفها السابقة، فعلى الرغم من أنها دأبت على اتخاذ موقف توفيقي، إلا أنها هذه المرة دانت "مشاهد القتل
الفظيعة التي فاقت التصوّر وتجاوزت الحدود"، وحمّلت الحكومة المسؤولية، وطالبت بالاقتصاص من الفاعلين، وهو ما يعطي رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي، الحجة التي يشهرها في وجه خصومه، وقد تعينه في اتخاذ خطوات "إصلاحية" تضمن له البقاء. وربما يحصل العكس، إذ قد يستغل الخصوم هذه الحجة لإطاحته، والمجيء بحكومة جديدة.
كشفت الانتفاضة مقدار الرعب الذي تلبس أفراد الطبقة الحاكمة، وهم يرون أمام أعينهم مقدار السخط الذي يحمله مواطنوهم ضدهم نتيجة السياسات التي اتبعوها. أدّى هذا الرعب بهم إلى قطع الإنترنت، وحجب وسائل التواصل الاجتماعي، وتحجيم عمل الفضائيات، وإجبار شبابٍ عديدين على توقيع تعهداتٍ بعدم المشاركة في الحراك.
المواقف المتخاذلة لعديد من "منظمات المجتمع المدني" والنقابات، وخصوصا منها العاملة في حقل الدفاع عن حقوق المواطن وحرياته الأساسية، أصبحت بفعل الانتفاضة موضع رصد وإدانة، فباستثناء نقابة المحامين، فإن النقابات والاتحادات الأخرى، مثل نقابة الصحافيين واتحاد الأدباء، واتحادات الأطباء والمهندسين والمعلمين، وحتى نقابات العمال صمتت صمت القبور، وتجاهلت ما يدور من حولها، مؤكّدة تبعيتها لأحزاب السلطة والطغمة الحاكمة.
على صعيد مختلف، عرّت الانتفاضة "المشروع الديمقراطي" الذي تزعم واشنطن أنها زرعته في العراق، كي يصبح أمثولة أمام الدول الأخرى، كما أسقطت آمال أصدقاء أميركا في أنها سوف تتدخل لتغيير تركيبة الحكم في العراق، بما يرضيهم ويضعهم في الواجهة.
على صعيد مختلف أيضا، تجاوزت الانتفاضة أدوار معارضي الخارج ممن دأبوا على عقد المؤتمرات، وطرح مشاريع تغيير، وتركتهم يلهثون وراءها، محاولين وضع أرجلهم على بساطها، والظهور بمظهر المؤسس أو الداعم لها! أعادت الانتفاضة الثقة إلى المواطنين العراقيين العاديين بقدرتهم على تخطي الماثل، واجتراح ما هو مطلوب، بهدف تأسيس وضع جديد، يضمن نهوضا اجتماعيا واقتصاديا، وسياسيا أيضا. وفي خضم ما فعلته الانتفاضة، ثمّة أسئلة أخرى تدور في الرؤوس، بعضها جارح، وبعضها ملتبس: إلى أي مدى يعتبر قمع الانتفاضة انتصارا لإيران، وللقوى المرتبطة بها، وهل أصبحت سيطرتها نهائيةً، كما يزعم بعضهم. وإلى أي مدى تستطيع "العملية السياسية" الطائفية التي تآكلت، وأوشكت أن تتحوّل إلى حطام، الصمود أمام مشروع وطني خالص، قد ينبثق في أية لحظة؟
الجواب في عبارة واحدة: عراق ما بعد الانتفاضة لن يكون كما كان قبلها.
أضف أن الانتفاضة أحدثت شرخا دراماتيكيا في المشروع الإمبراطوري الجامح، قد لا تظهر مفاعيله بسرعة. كما أنها أوقعت نظام بغداد في مأزق، لأنها كشفت عورته أمام الملأ، وهي أن لا حاكم حقيقيا في العراق سوى طهران، وربما واشنطن أيضا ولكن بقدر محسوب ومقنن من الإدارة الأميركية نفسها، وأن شاغلي الرئاسات الثلاث والوزارات والمواقع الأساسية ليسوا سوى "دمى" مصنوعة، ومكيّفة ذاتيا لأداء أدوار مرسومة في مقابل أجر.
كشفت الانتفاضة، على نحو صارخ، الدور الإجرامي الموكول لمليشيات الحشد الشعبي السوداء التي تسترت أمدا تحت ادعاءات المشاركة في مواجهة "داعش" وتحرير البلاد من سطوته، وهي اليوم تُكمل مخططها بإرساء معالم "دولة عميقة" تحتكر القرار الأمني والاقتصادي، والسياسي أيضا، ولا تترك لدولة العراق الظاهرة سوى الفتات.
أوقعت الانتفاضة "المرجعية" في حرج، ودفعتها إلى اتخاذ موقفٍ أكثر حسما من مواقفها السابقة، فعلى الرغم من أنها دأبت على اتخاذ موقف توفيقي، إلا أنها هذه المرة دانت "مشاهد القتل
كشفت الانتفاضة مقدار الرعب الذي تلبس أفراد الطبقة الحاكمة، وهم يرون أمام أعينهم مقدار السخط الذي يحمله مواطنوهم ضدهم نتيجة السياسات التي اتبعوها. أدّى هذا الرعب بهم إلى قطع الإنترنت، وحجب وسائل التواصل الاجتماعي، وتحجيم عمل الفضائيات، وإجبار شبابٍ عديدين على توقيع تعهداتٍ بعدم المشاركة في الحراك.
المواقف المتخاذلة لعديد من "منظمات المجتمع المدني" والنقابات، وخصوصا منها العاملة في حقل الدفاع عن حقوق المواطن وحرياته الأساسية، أصبحت بفعل الانتفاضة موضع رصد وإدانة، فباستثناء نقابة المحامين، فإن النقابات والاتحادات الأخرى، مثل نقابة الصحافيين واتحاد الأدباء، واتحادات الأطباء والمهندسين والمعلمين، وحتى نقابات العمال صمتت صمت القبور، وتجاهلت ما يدور من حولها، مؤكّدة تبعيتها لأحزاب السلطة والطغمة الحاكمة.
على صعيد مختلف، عرّت الانتفاضة "المشروع الديمقراطي" الذي تزعم واشنطن أنها زرعته في العراق، كي يصبح أمثولة أمام الدول الأخرى، كما أسقطت آمال أصدقاء أميركا في أنها سوف تتدخل لتغيير تركيبة الحكم في العراق، بما يرضيهم ويضعهم في الواجهة.
على صعيد مختلف أيضا، تجاوزت الانتفاضة أدوار معارضي الخارج ممن دأبوا على عقد المؤتمرات، وطرح مشاريع تغيير، وتركتهم يلهثون وراءها، محاولين وضع أرجلهم على بساطها، والظهور بمظهر المؤسس أو الداعم لها! أعادت الانتفاضة الثقة إلى المواطنين العراقيين العاديين بقدرتهم على تخطي الماثل، واجتراح ما هو مطلوب، بهدف تأسيس وضع جديد، يضمن نهوضا اجتماعيا واقتصاديا، وسياسيا أيضا. وفي خضم ما فعلته الانتفاضة، ثمّة أسئلة أخرى تدور في الرؤوس، بعضها جارح، وبعضها ملتبس: إلى أي مدى يعتبر قمع الانتفاضة انتصارا لإيران، وللقوى المرتبطة بها، وهل أصبحت سيطرتها نهائيةً، كما يزعم بعضهم. وإلى أي مدى تستطيع "العملية السياسية" الطائفية التي تآكلت، وأوشكت أن تتحوّل إلى حطام، الصمود أمام مشروع وطني خالص، قد ينبثق في أية لحظة؟
الجواب في عبارة واحدة: عراق ما بعد الانتفاضة لن يكون كما كان قبلها.