لا يخفي المدير العام لشركة المحروقات في الجزائر، عبد المؤمن ولد قدور، أنّ الحكومة سلمت مكتب خبرة ومحاماة متخصصا في واشنطن، مشروعاً للمساعدة في وضع مسودة قانون جديد للمحروقات يكون أكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب. بجرأة، لم يخف أنّ الجزائر بصدد استشارة شركائها من المستثمرين في مجال النفط والغاز في الجزائر حول بنود هذا القانون الجديد.
بعد أكثر من 50 سنة على الاستقلال، وبعد 44 سنة من تأميم البلاد لثرواتها النفطية، وسبعة برلمانات، وعشرات الكفاءات المتخرجة من الجامعات والمعاهد المحلية والدولية، مازالت الجزائر غير قادرة على صياغة قانون لتسيير هذه الثروات، ومازالت الحكومة عاجزة عن تنظيم الاستثمارات فيها وملاءمتها مع القوانين الدولية. ولذلك، تضطر أن تضع أخطر القوانين وأكثرها حساسية لتعلّقه بمقدرات البلاد التي تستند مداخيلها بنسبة 98 في المائة إلى عائدات المحروقات، بين يدي مكتب محاماة في واشنطن.
هل سمعتم بحكومة بلد تثور على فيديو لصحافية بداعي السيادة، بينما تصوغ -بداعي الخبرة- قوانينه الداخلية مكاتب محاماة في واشنطن؟ وإذا كان مكتب محاماة أميركي يساعد في صياغة أخطر قانون سيادي في للجزائر، فما هو دور البرلمان المكلّف دستورياً بصياغة القوانين؟ ثمّ ما دوره في الحفاظ على السيادة الوطنية؟ ولماذا تُدفع من ضرائب الشعب ومقدراته مرتبات 462 نائباً وعشرات المساعدين التشريعيين، وآلاف الموظفين العاملين في أمانة الحكومة ووزارة الطاقة وشركة المحروقات وغيرها؟
غير ذلك، الحكومة تطبّق مقولة علي بن أبي طالب، التي تقول "ما خاب من استشار وما ندم من استخار"، لكنها تطبّق الحكمة ذاتها بمكيال، ذلك أنها لا تتوانى عن الإعلان بجرأة عن التشاور مع الأجانب في قوانين داخلية ذات صلة بشأن سيادي وبثروات رئيسية في البلاد، في حين ترفض مطلقاً الحوار مع المعارضة والأحزاب والعقلاء من الخبراء والكفاءات الوطنية في قضايا المستقبل والتوافق السياسي والديمقراطية. لا تخجل الحكومة من التشاور مع الأجانب لصياغة قانون سيادي، لكنّها لا تستشير أحداً في الداخل في ذلك، أو في صياغة قوانين الموازنة وخطط التنمية، وتصمّ آذانها عن مطالب اجتماعية ومهنية بسيطة للأطباء المضربين وطلبة المدارس العليا ونقابات الأساتذة.
تحت عنوان "ما تسمح به التوازنات الدولية"، أقرّ الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عام 2005 قانون المحروقات، الذي يعطي ضوءاً أخضر للشركات الأجنبية للاستثمار الحرّ في مجال استكشافات النفط والغاز في الصحراء الجزائرية. لكنه عاد تحت عنوان السيادة في العام التالي 2006، لإجراء تعديل جديد أقرّ بموجبه فرض شريك جزائري وبأغلبية 51 في المائة من الأسهم، على كل مستثمر أجنبي. ولأنّ الأميركيين لم يكلوا من حينها عن المطالبة بإلغاء ذلك، فإن الظرف يبدو مناسباً لهم اليوم في اتجاه ذلك. ولعلّ بعض مقتضيات الاستحقاق الرئاسي المقرر ربيع العام المقبل 2019 في الجزائر، هو ما يدفع السلطة إلى تعديل طفيف في مقولة علي بن أبي طالب، لتصبح "ما خاب من استخار في واشنطن ولا ندم من استشار الأميركيين".