لم يحدث أن زُرت متحفاً إيطالياً (ولا إيطاليا نفسها). غير أنني متأكّد من أن دهشةً ما ستعتريني وأنا أقف أمام تاريخ عريق من الفنون وجهاً لوجه. لكن، هل ستكون دهشتي أكبر من تلك التي قد تكون اعترت الرئيس الإيراني حسن روحاني حيال حفاوة استقبال الإيطاليين، وقد بلغت حدّ حجب التماثيل؟
ما حدث في "متحف كابيتوليان"، خلال اللقاء الرسمي بين رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي وروحاني الذي قام بزيارة إلى روما استغرقت يومين، يبدو غير مفهوم لأكثر من سبب؛ بدءاً باختيار المتحف تحديداً مكاناً للقاء، وصولاً إلى "السهولة التامّة" التي جرى بها "تحجيب" التماثيل داخل صناديق، كأن الثقافة والفن ليسا قيمتين أساسيّتين في بلد ليوناردو دافينشي.
من الطبيعي إذن، أن يُثير الأمر استياءً وسخريةً كبيرين في أوساط الطبقة السياسية، وفي الصحافة، وعبر الشبكات الاجتماعية في إيطاليا، لا يزالان مستمرّين منذ أيّام، بينما عادت وسائل إعلام إلى القرن السادس عشر، لتُذكّر بالسخرية التي قابل بها فنّانون معاصرون موافقة دانيلي دي فولتيرا على رسم ملابس على رسومات عارية لـ مايكل أنجلو في كنيسة سيستين، معلّقةً بنبرة متهكّمة: "المؤكّد أن مسؤولي البروتوكول الحاليين في إيطاليا يدركون الآن كيف كان يشعر دي فولتيرا".
بالطبع، لا يجب إغفال الجانب السياسي (الداخلي) في المسألة؛ فالمعارضة ما كانت لتفوّت أمراً كهذا من دون أن ترى فيه "تنازلاً عن الهوية الثقافية للبلاد". لكن، هل جانب الصواب لوكا سكويري، وهو نائب من حزب "قوّة إيطاليا" (يمين الوسط) الذي يتزعّمه برلسكوني، إذ قال إن "احترام الثقافات الأخرى لا يعني، ولا يجب أن يعني، إنكار ثقافتنا"، قبل أن يُضيف: "هذا ليس احتراماً.. إنه إلغاء للاختلافات وشكل من أشكال الخضوع"؟
النقاشُ هنا ليس عن حضور إيران التي يفرض رؤساؤها احترام نظرائهم في العالم. النقاش يتعلّق بالثقافة الإيطالية تحديداً، وبالثقافة الغربية برمّتها، وهي تتنازل عمّا تعتبره قيماً لا تقبل المساومة. علينا أن نتذكّر دائماً أن هؤلاء الذين أساؤوا إلى قيمة الفن، هم نفسهم من أساؤوا ويسيؤون إلى قيمة الديمقراطية من خلال تحالفهم مع ديكتاتوريات المنطقة.
المؤكّد أن الساسة الإيطاليين، وهم يخفون "عورات" التماثيل الحجرية عن أعين ضيفهم الإيراني الذي وقّع صفقات بقيمة تقارب 17 مليار يورو، إنّما كانوا يكشفون عن عورة عقلية غربية انتهازية مستعدّة لضرب القيم التي تتغنّى بها صباح مساء عرض الحائط؛ قيم الفن والجمال والحياة، في مقابل المصالح الاقتصادية، وغير الاقتصادية.
هنا في سطيف، حيث أُقيم، لا توجد تماثيل كثيرةٌ أخشى أن تُغلّف داخل صناديق إذا جاء ضيفٌ ما، ثمّة فقط تمثال "عين الفوّارة" الذي فجّره الإرهابيون سنوات العشرية السوداء لأسباب قريبة من تلك التي دفعت مكتب رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي إلى تغليف تماثيله. لعلّه أمرٌ جيّد؛ إذ لا نملك هنا أيضاً وزير ثقافة اسمه داريو فرانتشسكيني، يصف التصرّف بـ "غير المفهوم"، أو يرفعُ صوته قائلاً: كان بإمكانكم اختيار مكان آخر لاستقبال ضيفكم العزيز.
اقرأ أيضاً: يد تحجب الصورة