ما تبقى من بريطانيا؟

03 يونيو 2016
هاموند خلال جولته الخليجية الأسبوع الماضي (فرانس برس)
+ الخط -
توحي العناوين المُعلنة للجولة الخليجية التي قام بها وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند، وكأن لندن التي تعيش مخاض العلاقة مع الاتحاد الأوروبي، تؤكد حضورها الدولي. وقد تعمّد الوزير البريطاني في جولته تغطية أبرز الملفات الإقليمية، بدءاً من دعوته العالم لليقظة لأفعال إيران، مروراً بالحديث عن اهتمام بريطانيا بتحقيق السلام في اليمن و"منع انهيار الدولة"، والتأكيد على ضرورة "رحيل بشار الأسد كمدخل للحل السياسي في سورية".

عكست العناوين الرئيسية التي رددها الوزير البريطاني في محطات جولته الخليجية، توافق الدبلوماسية البريطانية مع توجّهات الرأي العام البريطاني، الذي بات أكثر ميلاً في السنوات الأخيرة للانشغال بالقضايا والهموم الداخلية، وأقلّ اهتماماً بالمشاكل والأزمات الدولية، إلا في حدود تأثير هذه المشاكل على بريطانيا ومصالحها. وعلى رأس هذه المشاكل خطر الإرهاب الدولي، المُتمثل راهناً بـ"داعش" والتنظيمات المماثلة، ثم خطر الانتشار النووي في كوريا الشمالية وإيران، فالجريمة المنظمة ولا سيما تهريب الأفراد والمخدرات عبر الحدود، وخطر التهديدات الالكترونية، وعدم استقرار أسعار النفط والغاز في الأسواق العالمية، وخطر الهجرة غير الشرعية.
وهنا يبدو التوافق البريطاني الخليجي، إذ لا تبتعد هذه المشاغل والمخاوف البريطانية، عن نظيراتها من ملفات تشغل الدوائر السياسية في دول الخليج. غير أن هاموند بالمقابل، عبّر في تصريحاته عن الاتجاه الغالب في السياسة الخارجية البريطانية، التي باتت تميل أكثر للدبلوماسية الناعمة بدلاً من اللجوء للقوة العسكرية. وقد تعزز هذا الميل، بعد تجربتي أفغانستان والعراق. وهذا تماماً ما يُفسّر فشل الحكومة البريطانية في الحصول على تفويض برلماني للتدخل العسكري البري في سورية، وقبل ذلك محدودية التدخل البريطاني في ليبيا. وربما هذا ما دفع بعض المراقبين في دول الخليج إلى عدم رفع سقف التوقعات من زيارة هاموند، مع هذا التباين بين دبلوماسية بريطانية "ناعمة" لا تتوافق مع سياسات "حزم" خشنة تسود المنطقة. الأمر الآخر الذي خيّم بظلاله على جولة هاموند، وخفّض سقف التوقعات منها، هو تشكك الإقليم في حقيقة تأثير بريطانيا على الساحة الدولية، ولا سيما إذا صوت الناخبون البريطانيون في الاستفتاء المقبل بعد أسابيع قليلة لصالح خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي، وما سيترتب عن ذلك من تآكل ما تبقى من دور لبريطانيا (العظمى سابقاً).

المساهمون