ما بين التجاري والإنساني

10 مارس 2016
العمل الإنساني يقوم على كوادر متطوعة،تبذل الوقت والمال والجهد(Getty)
+ الخط -

يخال للكثيرين أن النموذج الإداري للعمل الخيري والإنساني هو ذات النموذج الإداري للعمل التجاري مع إغفال جزئية الربح، بل وفي كثير من الأحيان مع الحفاظ عليها ولكن بنسبة أقل، وذلك هو السبب وراء كثير من الإخفاقات التي تواجهها مؤسسات العمل الإنساني ابتداءً من وضع رؤية ورسالة وقيم المؤسسة وانتهاءً بأنشطتها اليومية ومشاريعها، وفي طي هذا المقال سأسلط الضوء على أبرز ستة اختلافات جوهرية بين العمل الخيري والعمل التجاري في ضوء مشاهدات وملاحظات لعمل كثير من المؤسسات والوكالات الإنسانية.


أول الاختلافات هو طبيعة العمل؛ فالعمل التجاري يسعى إلى تعظيم الأرباح والمكاسب المادية مسخراً لذلك كل الموارد البشرية والمادية التي تمتلكها المؤسسة، وتعتبر الأرباح هي مؤشر نجاح العمل التجاري، أما العمل الإنساني فهو عمل غير ربحي يسعى لتوفير حياة كريمة للإنسان، وهو أشبه بقناة لتوصيل المساعدات بين المتبرع والمستفيد لتحقيق حياة كريمة للمستفيد، ومؤشر النجاح هو الأثر الذي تتركه المشاريع الإنسانية في المجتمعات المحلية.

الاختلاف الثاني، هو آلية العمل والعلاقة مع الجهات الأخرى العاملة؛ ففي العمل التجاري يقوم سوق العمل التجاري على التنافس والاستحواذ على أكبر حصة من السوق وبذلك تعظم المؤسسة مرابحها ومكاسبها فتصبح علاقة التاجر بالشركات الباقية العاملة معه في السوق هي علاقة متنافسين أنداد يحاول كل منهم زيادة أرباحه على حساب الآخر، أما العمل الإنساني فيقوم على مبدأ التكامل فمؤسسة واحدة مهما كبر حجمها وتعاظمت إمكانيتها لا تستطيع سد جزء يسير من طوفان الاحتياجات اليومية المتتالية للمستفيدين في بقعة جغرافية ما، ولا يمكن لمؤسسة أو وكالة إنسانية أن تنجح بمهمتها بمفردها، فالعلاقة ما بين المؤسسات الإنسانية هي علاقة شراكة.

الاختلاف الثالث، هو العلاقة بين صاحب الشأن والمستفيد -ولعل هذا الفرق من أبرز الفروق التي تقفز بالعمل الإنساني أو تهوي به إلى القاع- ففي العمل التجاري صاحب العمل هو مالك السلعة والزبون هو المشتري، أما في العمل الإنساني فالصورة الشائعة هي ذاتها بأن العامل الإنساني هو صاحب الفضل والعطاء والمحتاج هو المستفيد؛ والأصل أنها العكس، فالعامل الإنساني هو موظف لدى الفقير والمسكين واليتيم والأرملة فهو يقتطع راتبه من التبرعات المخصصة لهم؛ لذا فإنه بهذه الحالة هو المحتاج، والمستفيد هو سيد العمل، وهذا ما يجب أن يكون راسخاً لدى كل عامل إنساني.

الاختلاف الرابع، هو الموارد المالية، ففي العمل التجاري رأس المال هو ملك شخص أو عدة أشخاص، وبذلك تكون لهم حرية التصرف في مال الشركة سواء كمصروفات أو مرتبات، أما في العمل الإنساني فإن رأس مال المؤسسة هو تبرعات وهبات هي ملك للفقراء والمحتاجين، لذا فإن المؤسسة الإنسانية لا بد وأن تحرص كل الحرص على ترشيد مصاريفها، وأن تكون مرتبات كوادرها ما يكفيهم لحياة كريمة لا أكثر.

الاختلاف الخامس، هو الموارد البشرية، فالعمل التجاري يقوم على موظفين لهم ساعات عمل محددة ما إن تنتهي حتى يغلقون أبواب المؤسسة وينصرفون، في المقابل فإن العمل الإنساني يقوم بجله على كوادر متطوعة، تؤمن بسمو الهدف فتبذل في سبيله الوقت والمال والجهد ولا تبالي، فساعات العمل لدى العامل الإنساني لا تحصرها عقارب ساعة ولكن توجهها حاجة المستفيد.

الاختلاف السادس الطرف الأقوى؛ في العمل التجاري الزبون هو الطرف الأقوى في العلاقة فهو صاحب المال لذا يسعى التاجر لإرضاء زبائنه وكسب ثقتهم، أما العمل الإنساني فالمستفيد هو الطرف الأضعف وخصوصاً في حالات الأزمات والحروب حيث لا يكترث المحتاج كثيراً لكرامته، فغريزة البقاء والحفاظ على الروح تسبق؛ لذا فإن إرضاء المحتاج هنا هو مسؤولية العامل الإنساني بامتياز، ولا يجوز التفريط بها لكونه الطرف الأضعف في العلاقة.

ولعل قائمة الاختلافات تطول، ولكن ما يجب قوله إن عقلية التاجر لا يمكن أن تكون ذاتها عقلية العامل الإنساني، والمؤسسة التي تعمل مع الإنسان هي مختلفة كل الاختلاف عن مؤسسة تعمل مع السلع والأرقام.

(سورية)

دلالات
المساهمون