ما بعد مقتل مرسي

23 يونيو 2019
+ الخط -
في مشهد مأساوي حزين قُتل محمد مرسي في محبسه في عملية قتل ممنهج استغرقت ست سنوات، قتل بالمنع المتواصل من الزيارة ومن الرعاية الصحية، وبالحبس الانفرادي والمنع من الدواء ومنع الغذاء السليم، وطُعنت معه أول تجربة اختيار حاكم بطريقة ديمقراطية في تاريخ مصرالحديث، لم يكن مرسي ممثلا لجماعة الإخوان المسلمين فحسب في هذه التجربة، بل أتى ليناط به تمثيل الثورة المصرية وآمال الشعب المصري في الديمقراطية والحرية والعدالة والكرامة الإنسانية.

ومن ثم كان الانقلاب ليس على مرسي فقط، بل على الثورة المصرية المجيدة، وطيلة هذه الفترة استمرت عملية قتل الثورة والرئيس المنتخب.

قُتل مرسي وقتلت معه التجربة معنويًا، وبات من أوضح الصور أن نظام العسكر الفاشي في مصر لا يهمه شيء سوى بقائه في الكرسي وتنفيذ مخططاته ومشروعاته الزائفة، وفي سبيل ذلك قتل كل من يهدد بقاءه ومصالحه، استمر هذا النظام طالما أنه حظى بدعم خارجي من قوى إقليمية ودولية تقف ضد إرادة الشعوب وتبذل ما بوسعها لقتل جهود التحرر سواء بالأموال أو بالسلاح والإعلام.


على الطرف الآخر، عاشت المعارضة المصرية المتكونة بعد 3 يوليو/ تموز 2013 في ظل انشطارات وانقسامات متتالية حتى أضحت فرقا وشيعًا تنتهز أي فرصة للقيام بحملات التخوين وإنشاء الكيانات والائتلافات والجبهات التي لا تزيد المشهد إلا انقساما وتعقيدًا، حتى باتت مأوى للمزايدات السياسية والصدامات الفكرية -ولا أقل النقاشات والمحاورات الجادة إلا القليل منها- وظل المشهد يزيد في القتامة، في مصر نظام مستبد يزداد قوة وتمكنًا بالقمع وبالدعم الخارجي الدولي والإقليمي، وعلى الجانب الآخر معارضة لا تُحسن على الأقل الاصطفاف.

في هذه الكلمات أريد أن أكتب للمرحلة القادمة، ما بعد مقتل مُرسي، موت الشرعية وربما يكون هذا هو الوصف المعقول لهذه المرحلة، انتهى أي مطلب تحت مسمى "عودة الشرعية" والذي نادى به الموقف الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين منذ الانقلاب وأكدت عليه معظم بياناتهم الرسمية، بمقتل مرسي تقتل مطالب الشرعية، ويكتب لمرحلة جديدة من العمل النضالي الوطني أن تبدأ، لزم كل من يناضل من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة أن يؤسس لها ويشارك فيها. وينبغي أن تُستغل تلك اللحظة التاريخية التي توحدت فيها المعارضة -على الأقل- في إظهار الموقف الأخلاقي من مقتل الرئيس محمد مرسي.

هذه هي اللحظة المُثلى للاتحاد خلف ما تقرره المعارضة المصرية والنخب الفاعلة بعد أن تجري تصفية الماضي، وتعيد النظر مستقبلًا، وتستغل اللحظة التاريخية الحاضرة في المراجعات الجادة التي تتنحى فيها الخلافات الشخصية والأيديولوجية جانبًا، وتلتفت فيها إلى مصلحة الوطن وما أقرته الثورة المصرية من مبادئ. ينبغي أن تدرك المعارضة المصرية أن الاصطفاف على مبادئ عامة تجمع ولا تفرّق هي السبيل الوحيد للعودة إلى مربع اللعبة السياسية في مصر، بعد أن انفرد العسكر بها منذ بضع سنوات. أن تعبر المعارضة المصرية لحظة الخلاف حول الشرعية، أصبح واقعًا مفروضًا بعد مقتل الرئيس الشهيد مرسي، وألا تنشغل بعض الفصائل الإسلامية والعلمانية في جدالات مع بعضها في تقييم مواقف سابقة قد تعمق الشرخ المتسع أساسًا.

وتعاني جماعة الإخوان المسلمين -خاصة- في هذا الظرف من جمود في اتخاذ المواقف، وبعد البيان العادي الذي أطلقته عقب الإعلان عن مقتل مرسي، وحديث الأمين العام محمود حسين مع الإعلامي محمد ناصر، لا يمكن أن أتوقع أن ثمة تغييرا سيحدث ما بقيت تلك القيادات على سدة اتخاذ القرارات في الجماعة التي تموقع متخذو القرارات فيها خارج مصر، فاحتراف المظلومية وادّعاء أن المحنة من سلامة الطريق وإلقاء كل أسباب الفشل على" طبيعة الطريق"، أمر لا يقبله شباب الإسلاميين في الوقت الحالي ولا تنطلي هذه الحجج على عقولهم. الاستمرار في تبني تلك السردية يعصف بالجماعة من الأساس، وينبه بضرورة إزاحة تلك القيادات عن اتخاذ القرارات السياسية في جماعة الإخوان المسلمين!

بكل صراحة، قد تكون فكرة الانطلاقة من هذه اللحظة -أي مقتل مرسي- مقلقة لدى بعض النخب من الذين يخشون تصدر الإخوان للمشهد بأي صورة من الصور ويرفضون أي شيء قد يأتي بالإخوان أو الإسلاميين بزعم أنهم لا يصلحون للقيادة، أو ربما تفتح عليهم بابا من تبني الاعتذار عن مشاركة بعضهم في الدعوة إلى تظاهرات 30 يونيو ومساندة الانقلاب العسكري لفترة وجيزة. هو أمر يطعن أي فرصة للتقدم نحو مراجعة المواقف على الأقل، أو الدفع بوثيقة قد توحد صفوف المعارضة المصرية المتهرئة والتي لا تحسن استغلال المواقف والظروف التاريخية كهذه، وفي بضع أيام بعد مقتل مرسي انصرفت الكثير من رموز المعارضة إلى نشب معارك جديدة بدلًا من استغلال الفرصة التاريخية وحالة التضامنية الواسعة مصريًا وعربيا وإسلاميا وحتى عالميًا، كون أنه تم قتل أول رئيس منتخب ديمقراطيًا في تاريخ مصر الحديث.

ما أخلص إليه في هذا الظرف التاريخي وفي تلك الكلمات البسيطة وبصفتي الناشئ المولود سياسيًا من قلب ميدان التحرير لحظة الثورة المصرية العظيمة، وبتحيز كامل لمبادئ تلك الثورة، أنه إن لم تصطف المعارضة المصرية بعد فترة من المراجعات تقيم فيها مواقفها بما يسمح بتقليل الفجوات بينها، فسيكون من الصعب أن تساهم تلك النخب المعارضة في عملية تغيير في مصر، وسينشغل كل في مصالحه الخاصة، وسيكتب التاريخ لحظة فشل ذريعة في العمل من أجل مصلحة مصر حرة.
سيف الإسلام عيد
سيف الإسلام عيد
سيف الإسلام عيد
كاتب مصري
سيف الإسلام عيد