لم تكن زيارة أردوغان، بالطريقة التي تمّت فيها، سوى إعلان عن الحوار التركي السعودي، الذي بدأ منذ أشهر. قضى الرئيس التركي، والوفد المرافق، يومين من الزيارة التي استغرقت ثلاثة أيام، في أداء مناسك العمرة، قبل أن يلتقي في اليوم الثالث، الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز لأقلّ من ساعة، ومن ثم توجّه إلى المطار من دون القيام بأي مؤتمر صحافي أو الإدلاء بأي تصريحات أو حتى التوقيع على أي اتفاقية، عائداً إلى أنقرة التي كانت تضجّ بارتدادات دعوة عبد الله أوجلان، حزب "العمال" الكردستاني، لإعلان وقف النضال المسلح.
ويرى الكاتب في جريدة "صباح" الموالية للحكومة، برهان الدين دوران، بأنه "من غير المتوقع أن تشهد العلاقات التركية السعودية عودة سريعة". ورجّح أن "تعود العلاقات تدريجياً في إطار محادثاتٍ، قد تأخذ وقتاً، بسبب أولويات الملف المصري".
ويشير دوران إلى أن "أحد الطلبات التركية في الملف المصري، يتمثل في إخلاء سبيل الرئيس المعزول محمد مرسي، والسماح له بالعودة إلى الحياة السياسية في إطار عملية توافق وطني مصري، قد يضطر بموجبها الإخوان المسلمون إلى تقديم ضمانات بعدم التدخل في الشأن السياسي الداخلي لدول الخليج".
وكشف أن "زيارة السيسي المتزامنة للرياض، تأتي في سياق محاولته إقناع السعوديين بضرورة الإبقاء على الوضع الحالي للإخوان"، معتبراً بأن "السيسي عاد بخفي حنين، ولم يحصل على الدعم لاقتصادي الذي كان يريده".
اقرأ أيضاً: الرياض قبلة زعماء المنطقة
في غضون ذلك، أثارت الانفراجة الأخيرة في العلاقات السعودية التركية الكثير من التكهنات، حول إمكانية قيام ما أُطلق عليه "تحالف سني" لمواجهة التمدد الإيراني في المنطقة. ولم تعلق الإدارة الأميركية على الترويج لهذا التحالف، في إشارة لرضاها عنه، كونه سيصبّ في مصلحتها، من حيث زيادة الضغط على طهران، في المفاوضات المعقدة حول الملف النووي الإيراني من جهة، ولمواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، من جهة أخرى.
لكن لـ"التحالف السني" سلبيات، وفقاً للكاتب في صحيفة "حرييت" المعارضة، مراد يتكين. ويلفت يتكين إلى أن "هذه الاستراتيجية والحلف السني، سيكون لهما لها آثار جانبية ستساهم في تعميق الصدوع على المستوى الداخلي للدول المعنية".
ويضيف "اقتصادياً، لن تغامر تركيا بسهولة، بحجم التبادل التجاري مع ايران، والذي بلغ 15 مليار دولار في العام الماضي، على الرغم العقوبات المفروضة على طهران، بعد أن بلغ حجم التبادل 22 مليار دولار في العام 2012، في ظلّ آمالٍ بوصوله إلى 30 مليار دولار، مع دخول اتفاقية التجارة التفصيلية الموقعة بين البلدين حيّز التنفيذ بداية العام الحالي".
من جانب آخر، يقف في وجه احتمال انضمام أنقرة لمثل هذا الحلف، الكثير من العقبات في الفترة الحالية، بغضّ النظر على الخلافات السعودية التركية، التي لا زالت طور النقاش. ومن غير المتوقع أن تقوم أنقرة على المدى المنظور، وقبل الانتخابات البرلمانية في يونيو/حزيران المقبل، التي بدأت حملاتها الانتخابية أخيراً، بأي تغيير جوهري في سياستها الخارجية على مختلف الأصعدة. كل الأحزاب تترصّد بعضها الآن، ولا يريد حزب "العدالة والتنمية" أي اتهامات له بـ"الطائفية"، تُعكّر عليه حملته الانتخابية، في ظلّ التحدي الكبير الذي وضعه أردوغان له، بالحصول على 400 مقعد برلماني من أصل 550.
كما أن انضمام تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي، لمثل هكذا حلف وبالطريقة التي يتم الحديث عنها، يعني بطبيعة الحال انضمام "الأطلسي" بكل ثقله معها، في وقتٍ لا يبدو الحلف الآن، على الأقلّ، مهتماً بفتح جبهات ساخنة أخرى، سوى الجبهة مع روسيا حول أوكرانيا. بالتالي سيبقى "التحالف السني" بعيد المنال أقلّه في الفترة الحالية، في انتظار تسوية شبه كاملة للخلافات السعودية التركية، ولنتائج المفاوضات التي تجريها الإدارة الأميركية مع النظام الإيراني حول الملف النووي.
اقرأ أيضاً: أردوغان في السعودية: الهدف التحالف الشامل وليس السيسي