يتساءل كثيرون عن السر وراء رواج النفط الصخري بين تجار الذهب الأسود في العالم مقارنة بالخامات العربية الخفيفة التي تقاس على سعر خام برنت؟ وعما إذا كانت أميركا قد اكتفت فعلاً من النفط ولم تعد بحاجة إلى استيراده، مثلما تشير العديد من الدراسات؟
وتزداد الأسئلة في ظل ارتفاع صادرات الولايات المتحدة من إنتاج من النفط الصخري خلال العام الجاري، حيث أصبح الآن يصدر إلى 30 دولة في العالم، كانت آخرها الهند التي أجرت بعض مصافيها يوم الثلاثاء الماضي، اختبارات على معالجة نوعيات من الخام الصخري، وذلك بحسب ما ذكرته صحيفة "ذا إيكونومك تايمز" الهندية.
وتشير بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية الصادرة هذا الأسبوع، أن إنتاج النفط الأميركي ارتفع من 8.945 ملايين برميل يومياً في نهاية يناير/كانون الثاني الماضي إلى 9.561 ملايين برميل يومياً في نهاية سبتمبر/أيلول، كما أن صادرات النفط الأميركي اقتربت من مليوني برميل يومياً، أي قرابة 30% من صادرات النفط في السعودية، التي تعد من أكبر الدول المصدرة للنفط في العالم. وهذه ارقام مذهلة قياساً بالعمر القصير لثورة النفط الصخري في أميركا.
وتحديداً وحسب الأرقام المنشورة في موقع إدارة معلومات الطاقة الأميركية، فإن صادرات النفط الصخري بلغت 1.98 مليون برميل في الأسبوع الماضي، مرتفعة بذلك من 1.5 مليون برميل يومياً قبل إعصار هارفي. وتعد كل من كندا والصين وهولندا وإيطاليا المستوردة للنفط الصخري الأميركي.
ومن المتوقع أن يتزايد استيراد إيطاليا من النفط الصخري الأميركي ما لم يحدث استقرار سياسي في ليبيا، لأن المصافي في إيطاليا مصممة على معالجة الخام الليبي الحلو الخفيف، وأقرب خام له هو خام النفط الصخري.
وترى محللة النفط الأميركية بشركة "ستراتاس أدفيزارس" للأبحاث، آشلي بيترسون، في تعليقات لنشرة "أويل آند غاز إنفستر" يوم الثلاثاء، أن شركات النفط الأميركية تستفيد من عدم وجود كوابح في الإنتاج والتصدير كما هو الحال بالنسبة للدول الأعضاء في منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك"، التي يحدها سقف الإنتاج.
ويلاحظ أن صعود الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الحكم، شجع شركات النفط الأميركية على الاستثمار بكثافة في حفر آبار جديدة، مستغلة التحسن في أسعار النفط فوق حاجز 55 دولاراً للبرميل منذ بداية العام وحتى الآن.
ويذكر أن ترامب أصدر مراسيم رئاسية ألغت كل القوانين البيئية في الولايات الأميركية التي كانت تمنع عمليات التنقيب عن النفط الصخري، كما ألغى كذلك اتفاق مؤتمر المناخ في باريس، وهو ما فتح المجال واسعاً أمام المستثمرين في الصناعة النفطية الأميركية.
وما ساهم أكثر في زيادة عدد الحفارات العاملة في استخراج النفط الصخري، التقدم التقني خلال السنوات الثلاث الأخيرة الذي خفض من كلفة استخراج البرميل في العديد من مكامن النفط الصخري في البلاد.
ويرى مدير أبحاث السلع بشركة "كليبر داتا" الأميركية، مات سميث، أن الفارق السعري بين خام برنت وخام غرب تكساس هو من الأسباب الرئيسية في ارتفاع جاذبية النفط الصخري بين التجار والمصافي.
وحسب التحليل الذي اطلعت عليه "العربي الجديد" في عدد من النشرات ومراكز الأبحاث، فإن جاذبية النفط الصخري تكمن في ثلاثة أسباب رئيسية وهي: الأرباح التي يجنيها التجار من مبيعات الخام مقارنة بالخامات المماثلة، والسبب الثاني يتعلق بسياسات ترامب التي تشدد على فائض الميزان التجاري وتعاقب الدول التي لديها فائض كبير مع الولايات المتحدة. والثالث عامل جيوسياسي متعلق بنفوذ أميركا في أسواق آسيوية وأوروبية واقعة تحت حمايتها العسكرية.
على صعيد الأرباح، يلاحظ أن خامات النفط الصخري الخفيفة التي يطلق عليها في سوق النفط "الخفيف الحلو"، قريبة جداً من حيث التصنيف من خام برنت البريطاني الذي تقاس عليه معظم الخامات المصدرة من المنطقة العربية ودول أفريقيا.
ولكن تسعير خامات النفط الصخري تقاس على سعر خام غرب تكساس الذي عادة ما يقل بما يتراوح بين 7 إلى 8 دولارات عن سعر برنت.
ومثالاً على ذلك فإن خام غرب تكساس بلغ في سوق لندن في جلسة التداول الصباحية الثلاثاء الماضي، 57.87 دولاراً للبرميل، مقابل سعر خام غرب تكساس 51.78 دولاراً للبرميل.
وهذا يعني أن فارق السعر بين الخامين بلغ 6 دولارات. وهذا فارق ليس كبيراً، ولكن عادة يرتفع الفارق إلى 10 دولارات و12 دولاراً في الحالات القصوى. وهو ما يعني أن تجار النفط يشترون خامات النفط الصخري تسليم موانئ أميركية ويدفعون كلفة الشحن.
وبالتالي يحققون أرباحا ما بين 3 إلى 4 دولارات بعد دفع كلف الشحن والتأمين، مقارنة مع أرباح التجار في خام برنت. هذا على صعيد الأرباح.
أما على صعيد سياسات ترامب الخاصة بالعقوبات التجارية ورفع الضرائب على المنتجات المستوردة والتضييق على واردات الدول ذات "الفائض التجاري" المرتفع، فإن العديد من دول العالم توجه شركاتها لشراء الخام الصخري الأميركي، حتى يدخل في الميزان التجاري بينها وبين أميركا.
وتقلل بذلك من الفائض التجاري مع أميركا وتتخلص من شر عقوبات ترامب التجارية. كما يلاحظ كذلك أن المصافي الحديثة في آسيا تفضل النفط الصخري الخفيف لأن نسبة الكبريت فيه أقل مقارنة بأنواع النفط الأخرى، وذلك ببساطة، لأن معظمه عبارة عن غازات مكثفة بعد عملية التكسير الهيدروليكي للصخور.
أما العامل الأخير، فهو خاص بدول آسيا التي تقع تحت النفوذ السياسي لأميركا ودول أوروبا الصغيرة التي خرجت حديثاً من هيمنة الإمبراطورية السوفييتية وتبحث عن إمدادات جديدة للطاقة بعيداً عن الهيمنة الروسية.
وهذه الدول تسعى لربط مستقبلها بالمصالح الاقتصادية الأميركية وتشكل شبكة علاقات مع الشركات النفطية الأميركية المؤثرة في واشنطن حتى تتمكن من الحصول على الحماية الأميركية، سواءً في آسيا ضد الهيمنة الصينية أو في أوروبا الشرقية، حيث لدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين طموحات لاستعادة مجد الإمبراطورية السوفييتية بعد ضم جزيرة القرم قبل ثلاثة أعوام.
ويرى الخبير النفطي مات سميث على صعيد السؤال الخاص بشأن ما إذا كانت أميركا اكتفت من النفط حتى تقوم بتصديره، إن أميركا لا تزال تستورد حوالى 10.1 ملايين برميل يومياً، ولكن بحساب الوارد وتصدير النفط المكرر فإنها تستورد حوالى 4.9 ملايين برميل يومياً، وفقاً لإحصائيات إدارة معلومات الطاقة الأميركية للعام الماضي 2016.
وتتوقع إدارة معلومات الطاقة في تقريرها الأسبوعي أن يبلغ الإنتاج الأميركي في العام المقبل 2018 حوالى 9.8 ملايين برميل يومياً. في الوقت الذي تستهلك فيه أميركا حوالى 19 مليون برميل يومياً.
ولكن شركة فيتول النفطية تعتقد أن هذه التقديرات مرتفعة وأن حجم الزيادة في الإنتاج النفطي الأميركي ستراوح بين 500 إلى 600 ألف برميل يومياً.
وتعود زيادة الواردات الأميركية من النفط العالمي ليس بسبب الاستهلاك المحلي فقط، ولكن بسبب تجارة شركات المصافي في المنتجات المكررة في أسواق آسيا وأوروبا.
ويذكر أن المصافي الأميركي معظمها أسست قبل عقود وبنيت آلياتها على أساس تكرير النفط العربي الثقيل الذي كانت تستورده أميركا من السعودية ودول الخليج. وفي أعقاب ثورة النفط الصخري، فضلت المصافي الأميركية الاستمرار في استهلاك النفط الثقيل الذي تستورد معظمه حالياً من كندا والمكسيك وفنزويلا.
وفي المقابل فإنها تقوم بالمتاجرة في النفط الصخري الذي يحقق لها أسعارا أعلى في الأسواق الخارجية. وعادة ما تكون الكلفة المالية لإجراء تعديلات على المصافي الضخمة كبيرة جداً.
وبالتالي وحسب نشرة "أويل برايس"، فإن أصحاب المصافي يرون أن الجدوى الاقتصادية لا تدعم عمليات إعادة تصميم المصافي بقدر ما تدعم عمليات تصدير النفط الصخري الغالي الثمن وشراء النفط الثقيل الرخيص. وتعد شركات المصافي من كبار تجار المنتجات المكررة في العالم، خاصة في سوق جنوب شرقي آسيا وأوروبا.