05 مارس 2023
ما الذي يعدّونه لأنقرة؟
قال نائب الرئيس الأميركي مايك بنس، أمام مؤتمر ميونخ للأمن، إن سحب القوات الأميركية من سورية هو "تعديل في أساليب العمل، وليس تغييراً في الاستراتيجية". وفي السياق، قال السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، إن ترامب سيطلب من قادة الدول الأوروبية، خلال زيارةٍ رسميةٍ سيقوم بها إلى أوروبا لاحقاً، إرسال قوة عسكرية لأجل إنشاء منطقةٍ عازلةٍ في شمالي سورية. وتردّد القيادات العسكرية الأميركية الرفيعة أن القوات الأميركية ستنسحب من سورية، ولكن بشكل تدريجي، وبعد تحقيق النصر الكامل على تنظيم داعش.
نجحت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في استرداد كثير من خيوط اللعبة في سورية: هي ألهت اللاعبين المحليين والإقليميين بورقتي الانسحابات وإنشاء المنطقة الآمنة، وهي تحاصر عواصم أوروبية عديدة بقرار تحمّل مسؤولياتها باتجاه إنشاء منطقةٍ عازلةٍ تحمي الحليف الكردي المحلي هناك، وهي حصلت على دعم عواصم عربية عديدة لتمويل أي مشروع اتحادي في سورية الجديدة .
آخر ما كانت تتوقعه واشنطن ربما أن تقع المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، في ورطة التساؤل عمّا إذا كان الانسحاب من سورية فجأة وبسرعة هو فكرة جيدة للأميركيين؟ ألن يتسبب ذلك بإحداث حالةٍ من الفراغ هناك، ويعزّز قدرة روسيا وإيران على ممارسة نفوذهما؟
هذه المؤشرات وغيرها تعني أن ترامب لم يعد يريد التنسيق مع أنقرة في موضوع الانسحابات والمنطقة الآمنة، لأنه حشد قوى محلية وإقليمية كثيرة إلى جانبه، في قرار سحب القوات، أو خطة المنطقة الآمنة التي ترى واشنطن أنه لم يعد لها مبرّر بعد القضاء على خطر مجموعات "داعش" في شرق سورية.
في مكان آخر، يردد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن بلاده لن تتحمّل إلى الأبد
هذا الكم الهائل من الإرهابيين في إدلب، وأن تلك الأزمة سوف يتم حلها في أقرب وقت. في المقابل، ينقل الإعلام التركي عن الرئيس أردوغان قوله إنه لا عقبات أمام عملية عسكرية مشتركة مع الروس في إدلب ضد جماعات جبهة النصرة "لأن الأمر الأساسي بالنسبة لتركيا هو أمن سكان المنطقة هناك".
هل يعني ذلك أن موسكو وطهران تركتا أنقرة أمام خيارين أحلاهما مر، القبول بعملية عسكرية مشتركة معهما في منطقة إدلب أو إطلاق يد النظام في المنطقة للقيام بعملية عسكرية مشتركة هناك ضد مجموعات جبهة النصرة، وهو يقول إنه مستعد لذلك من خلال الهجمات وعمليات القصف التي ينفذها في إطار تسلم كل الأراضي السورية.
وقد أكدت مصادر لـصحيفة المدن الإلكترونية في لبنان أن رئيس جهاز الأمن الوطني السوري، اللواء علي مملوك، وبعلم من الروس، زار قبل أسابيع سرا مدينة أنطاليا الساحلية التركية، حيث التقى فيها وفداً من الاستخبارات التركية. وتتفق هذه المعلومات مع ما قالته قيادات تركية عديدة، أخيرا، عن اتصالات أمنية تجري بين الطرفين على مستوى منخفض. ويحاول أصدقاء تركيا الروس والإيرانيون أيضا محاصرتها بخيار الانفتاح على النظام في سورية للخروج من ورطة إدلب وخطة المنطقة الآمنة على السواء.
لا تزال عملية خلط الأوراق في سورية مستمرة، نظراً إلى وجود سيناريوهات كثيرة، متباعدة ومتضاربة، وقد تكون اتفاقية أضنة الموقعة عام 1998 بين أنقرة ودمشق الفرصة الأقرب للتفاهمات في الشمال، بعد إضافة ملاحق جديدة عليها، تأخذ بالاعتبار التطورات العسكرية والميدانية القائمة.
فيما كان الرئيس أردوغان يقول، في طريق عودته من قمة سوتشي، إن بلاده تحاول إقناع موسكو وطهران بمشاركة عراقية ولبنانية في قمة إسطنبول المقبلة بين تحالف أستانة الثلاثي، كونهما بين الدول المجاورة لسورية أيضا، برز ما نسب إلى وزير الدفاع اللبناني، إلياس بو صعب، في صحيفة عربية تمولها السعودية، إبلاغ نظيره التركي على هامش قمة ميونخ بتحفظ لبنان على خطة المنطقة الآمنة التركية، لأنها "لن تكون الحل المطلوب، بل ستشكل ملاذا آمنا للإرهابيين"، معتبرا أن "أي وجود تركي على الأراضي السورية من دون موافقة الدولة السورية غير مرحب به، وغير شرعي، ويعتبر بمثابة احتلال".
تطورات ومواقف متلاحقة سريعة في التعامل مع ملفات شمال سورية، سواء على جبهة شرق الفرات أو غربه. محاولة أميركية واضحة لفرض "العيد الوطني لتحرير شرق سورية من
داعش" على الشعب السوري، ولتحويل مجموعات قوات سورية الديمقراطية (قسد) إلى أبطال حرب ضد تنظيم داعش، بهدف منحهم حق الجلوس إلى طاولة التفاهمات الكبرى في الملف السوري. وهناك تحرّك أميركي إقليمي لتوفير الحماية لمجموعات "قسد" وعرقلة محاولة النظام استرداد شرق سورية، أو إعطاء تركيا ما تريده في طرح المنطقة الآمنة، وبالتالي المناورة عبر ترويج لاستعداد "قسد" التخلي عن مشروع الفيدرالية أو الحكم الذاتي في مقابل بديل اللامركزية الإدارية، أو الإدارة المستقلة. وتريد واشنطن أيضا أن تفرض رؤيتها على حليفها المحلي الذي دعمته وجهزته، ليس من أجل محاربة "داعش"، بل من أجل مرحلة ما بعد "داعش" في سورية.
بإيجاز أكثر، بدأت الإدارة الأميركية الكشف تدريجيا عن أوراقها في سورية على ما يبدو. هي لا تبحث سوى عن مصلحتها هناك، وكل ما قيل عن أسباب تسليحها وتجهيزها لوحدات "قسد" أبعد من رغبة القضاء على عناصر "داعش"، أو استعداد لسحب الجنود من سورية، أو بحث خطة المنطقة الآمنة بالصيغة التي تطرحها أنقرة، فوعود الصباح تتبدّد ما أن يحل المساء.
يقول وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، إن بلاده قادرة على تطهير مناطقها الحدودية من دون الحاجة لأحد. هو رد على الدعوة الأميركية لإشراك بعض العواصم الأوروبية في عملية انتشار عسكري في شمال شرق سورية بتشجيع بعض العواصم العربية. أنقرة تدرك جيدا أن واشنطن تريد عرقلة أي عملية عسكرية تركية في شرق الفرات، وأن تكون هي التي تقود خطة بناء منطقة عازلة توفر الحماية الجغرافية والعسكرية والسياسية لحلفائها في وحدات حماية الشعب، فما الذي ستفعله أنقرة في إطار خطوات نقل الأحجار على رقعة الشطرنج السورية، وبمن ستثق بعد ذلك في سورية، حيث يتحول الملف هناك إلى شوربة خضار، لا نعرف من يعدها ولا تركيبتها ولا من سيُدعى إليها؟
لا خيارات كثيرة أمام أنقرة بعد الآن، أما العمل على قطع طريق ما تصفها بالمحاولات
المستمرة لتفتيت سورية وتقسيمها، حتى ولو كان الثمن خيار التحرّك العسكري في الشمال لحماية أمنها القومي، انطلاقا من الداخل السوري، وبالتنسيق مع موسكو وطهران والنظام، أو المجاهرة بسيناريو استعداداها لمحاورة النظام في دمشق، بضمانات روسية إيرانية وإطلاق يده ليتحرك هو باتجاه السيطرة الكاملة على الشمال السوري. لكن هناك معضلة أن "قوات سورية الديمقراطية" تريد تتويج انتصاراتها على "داعش" بانتصارٍ ما يترجم سياسيا ودستوريا على الأرض أقله "الإدارة الذاتية الديمقراطية" في شرق الفرات في إطار الدولة الاتحادية اللامركزية. مع من وكيف ستفعل ذلك؟
واشنطن التي كانت تقول إن دعم حليفها الكردي المحلي في سورية مرتبط بمدى استعداده لمقاتلة تنظيم داعش، تقول الآن، وعلى لسان قائد قوات التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش، إن الولايات المتحدة ستتوقف عن دعم "قوات سوريا الديمقراطية"، في حال تحالفت مع بشار الأسد أو نسقت مع الروس.. التهديدات الأميركية قد تعني أن الخيار الثاني هو الذي يتقدّم.
نجحت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في استرداد كثير من خيوط اللعبة في سورية: هي ألهت اللاعبين المحليين والإقليميين بورقتي الانسحابات وإنشاء المنطقة الآمنة، وهي تحاصر عواصم أوروبية عديدة بقرار تحمّل مسؤولياتها باتجاه إنشاء منطقةٍ عازلةٍ تحمي الحليف الكردي المحلي هناك، وهي حصلت على دعم عواصم عربية عديدة لتمويل أي مشروع اتحادي في سورية الجديدة .
آخر ما كانت تتوقعه واشنطن ربما أن تقع المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، في ورطة التساؤل عمّا إذا كان الانسحاب من سورية فجأة وبسرعة هو فكرة جيدة للأميركيين؟ ألن يتسبب ذلك بإحداث حالةٍ من الفراغ هناك، ويعزّز قدرة روسيا وإيران على ممارسة نفوذهما؟
هذه المؤشرات وغيرها تعني أن ترامب لم يعد يريد التنسيق مع أنقرة في موضوع الانسحابات والمنطقة الآمنة، لأنه حشد قوى محلية وإقليمية كثيرة إلى جانبه، في قرار سحب القوات، أو خطة المنطقة الآمنة التي ترى واشنطن أنه لم يعد لها مبرّر بعد القضاء على خطر مجموعات "داعش" في شرق سورية.
في مكان آخر، يردد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن بلاده لن تتحمّل إلى الأبد
هل يعني ذلك أن موسكو وطهران تركتا أنقرة أمام خيارين أحلاهما مر، القبول بعملية عسكرية مشتركة معهما في منطقة إدلب أو إطلاق يد النظام في المنطقة للقيام بعملية عسكرية مشتركة هناك ضد مجموعات جبهة النصرة، وهو يقول إنه مستعد لذلك من خلال الهجمات وعمليات القصف التي ينفذها في إطار تسلم كل الأراضي السورية.
وقد أكدت مصادر لـصحيفة المدن الإلكترونية في لبنان أن رئيس جهاز الأمن الوطني السوري، اللواء علي مملوك، وبعلم من الروس، زار قبل أسابيع سرا مدينة أنطاليا الساحلية التركية، حيث التقى فيها وفداً من الاستخبارات التركية. وتتفق هذه المعلومات مع ما قالته قيادات تركية عديدة، أخيرا، عن اتصالات أمنية تجري بين الطرفين على مستوى منخفض. ويحاول أصدقاء تركيا الروس والإيرانيون أيضا محاصرتها بخيار الانفتاح على النظام في سورية للخروج من ورطة إدلب وخطة المنطقة الآمنة على السواء.
لا تزال عملية خلط الأوراق في سورية مستمرة، نظراً إلى وجود سيناريوهات كثيرة، متباعدة ومتضاربة، وقد تكون اتفاقية أضنة الموقعة عام 1998 بين أنقرة ودمشق الفرصة الأقرب للتفاهمات في الشمال، بعد إضافة ملاحق جديدة عليها، تأخذ بالاعتبار التطورات العسكرية والميدانية القائمة.
فيما كان الرئيس أردوغان يقول، في طريق عودته من قمة سوتشي، إن بلاده تحاول إقناع موسكو وطهران بمشاركة عراقية ولبنانية في قمة إسطنبول المقبلة بين تحالف أستانة الثلاثي، كونهما بين الدول المجاورة لسورية أيضا، برز ما نسب إلى وزير الدفاع اللبناني، إلياس بو صعب، في صحيفة عربية تمولها السعودية، إبلاغ نظيره التركي على هامش قمة ميونخ بتحفظ لبنان على خطة المنطقة الآمنة التركية، لأنها "لن تكون الحل المطلوب، بل ستشكل ملاذا آمنا للإرهابيين"، معتبرا أن "أي وجود تركي على الأراضي السورية من دون موافقة الدولة السورية غير مرحب به، وغير شرعي، ويعتبر بمثابة احتلال".
تطورات ومواقف متلاحقة سريعة في التعامل مع ملفات شمال سورية، سواء على جبهة شرق الفرات أو غربه. محاولة أميركية واضحة لفرض "العيد الوطني لتحرير شرق سورية من
بإيجاز أكثر، بدأت الإدارة الأميركية الكشف تدريجيا عن أوراقها في سورية على ما يبدو. هي لا تبحث سوى عن مصلحتها هناك، وكل ما قيل عن أسباب تسليحها وتجهيزها لوحدات "قسد" أبعد من رغبة القضاء على عناصر "داعش"، أو استعداد لسحب الجنود من سورية، أو بحث خطة المنطقة الآمنة بالصيغة التي تطرحها أنقرة، فوعود الصباح تتبدّد ما أن يحل المساء.
يقول وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، إن بلاده قادرة على تطهير مناطقها الحدودية من دون الحاجة لأحد. هو رد على الدعوة الأميركية لإشراك بعض العواصم الأوروبية في عملية انتشار عسكري في شمال شرق سورية بتشجيع بعض العواصم العربية. أنقرة تدرك جيدا أن واشنطن تريد عرقلة أي عملية عسكرية تركية في شرق الفرات، وأن تكون هي التي تقود خطة بناء منطقة عازلة توفر الحماية الجغرافية والعسكرية والسياسية لحلفائها في وحدات حماية الشعب، فما الذي ستفعله أنقرة في إطار خطوات نقل الأحجار على رقعة الشطرنج السورية، وبمن ستثق بعد ذلك في سورية، حيث يتحول الملف هناك إلى شوربة خضار، لا نعرف من يعدها ولا تركيبتها ولا من سيُدعى إليها؟
لا خيارات كثيرة أمام أنقرة بعد الآن، أما العمل على قطع طريق ما تصفها بالمحاولات
واشنطن التي كانت تقول إن دعم حليفها الكردي المحلي في سورية مرتبط بمدى استعداده لمقاتلة تنظيم داعش، تقول الآن، وعلى لسان قائد قوات التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش، إن الولايات المتحدة ستتوقف عن دعم "قوات سوريا الديمقراطية"، في حال تحالفت مع بشار الأسد أو نسقت مع الروس.. التهديدات الأميركية قد تعني أن الخيار الثاني هو الذي يتقدّم.