ما الذي لا تفهمه الأحزاب؟

04 نوفمبر 2019
التونسيون أطاحوا الأحزاب انتخابياً(ياسين القائدي/الأناضول)
+ الخط -

 



تراوح المفاوضات السياسية في تونس بشأن تشكيل الحكومة الجديدة مكانها، على الرغم من بعض العبارات المتفائلة التي تطلقها حركة النهضة أحياناً لتخفيف حدة التوتر على هذا المسار. وتراوح المواقف بين الرفض القطعي لحكومة ترأسها "النهضة"، أو حتى تشرف على تشكيلها من دون قيادتها، وبين مَن يريد أن تكون له الوزارات الكبرى والكلمة الفصل في هذه الحكومة، وبين مَن يريد أن يبقى في المعارضة أو يلوّح بذلك لتحسين شروط تفاوضه، رغم أن تمثيليته البرلمانية ضعيفة ولا تتيح له فرض أي شروط.

وبعيداً عن أحقية بعض هذه المطالب من عدمها، لأن لكل حزب مبرراته، بعضها معقول وبعضها الآخر غريب، إلا أن الرسالة الواضحة التي ترشح من كل هذه المواقف، هي أن الحزب يأتي دائماً قبل الدولة، وأن الحسابات الداخلية لهذه المكونات السياسية ترقى فوق المصلحة المشتركة. وللوهلة الأولى، يبدو أن الأحزاب التونسية نسيت قواعدها وتراجع الشعب في أذهانها إلى ما وراء السياسة لتعيد جميعها من دون استثناء، ذات الأخطاء التي من أجلها عاقب الشعب مَن قبلهم ودفع بهم إلى المقدمة، ظاناً ببراءة أنهم مختلفون. فما الذي لم تفهمه هذه الأحزاب من رسائل 15 سبتمبر/أيلول (الانتخابات الرئاسية) و6 أكتوبر/تشرين الأول (الانتخابات التشريعية) وما الذي ظلّ غامضاً حتى تتكرر الأخطاء نفسها؟ ألم يذهب الشعب للبحث بعيداً عن شخصيات من خارج المنظومة الحزبية؟ ألم يمحُ من الخريطة أحزاباً وشخصيات بأكملها من الحكومة والمعارضة على حد سواء؟ ألم يقدّم شروط التواضع والنزاهة في الرئيس قيس سعيّد على كل المواصفات الأخرى، من خبرة وتمثيل شعبي وسند سياسي وخطاب حزبي وغيرها؟ ألم يقفز بحزب نبيل القروي الذي لم يمضِ على تأسيسه أشهر قليلة على كل الأحزاب الأخرى، بحثاً عن تحقيق إنجاز اجتماعي واقتصادي على أرض الواقع، لا في الخطابات الجوفاء فقط وتكرار ذات الصراعات التي ملّ منها الناس؟ فما الذي لا تفهمه هذه الأحزاب من كلام الشعب، وما الذي يستعصي على الإدراك؟ يريد الناس حكومة تخدمهم ومسؤولين يتحدثون عن آلام الشعب، لا عن آمال الطامحين إلى المناصب. الغريب أن هذه الأحزاب تلوّح بإعادة الانتخابات، وتدّعي أنها لا تخشى ذلك، وإن فعلوها فسيرون ما لا يتوقعون من التونسيين، وسيندمون كما ندم مَن قبلهم.