في سوريا الأسد، بلد الصمود والخصوصية والممانعة، ثمة شعارات تنعكس واقعاً بمنطق القوة، تجّبّ كل ما قبلها من المسؤولية الجنائية عن الجرائم الاقتصادية. ويعيدك الواقع، حتى في عاصمة الأمويين دمشق، إلى أيام السبي والغنائم، لطالما حوّل النظام السوري الثورة إلى حرب واستباح خلالها كل المحرمات.
لعل أكثر الشعارات سفوراً، تلك التي أعلنها مؤيدو الأسد منذ أيام الثورة الأولى "الأسد أو نحرق البلد" بيد أن هذه المقولة، ورغم ما تحويه من وجودية وعدمية في آن، بقيت حدود تطبيقها في ميادين القصف وتدمير البنى والمؤسسات الخاصة والعامة وحرق المنشآت الصناعية التي زادت تكاليفها مجتمعة، عن 250 مليار دولار.
أما أن تتطاول حكومة الأسد على الممتلكات الخاصة المحمية وفق الدستور السوري، وفق مبدأ "غنائم حرب" فهذا ما خرج عن التوقعات، رغم أن الأسد الأب وضع يده على ممتلكات الإخوان المسلمين، فحوّل بعضها لمنشآت عامة ومنح المنازل لعناصر أمنية ومثقفين سوريين يدورون في فلك الصمود والممانعة، وهم معروفون في الوسط الدمشقي .
ولكن، وربما من قبيل الولد سر أبيه، تابع الوريث الأسد السيرعلى خطى حافظ الأسد، بل واستزاد، ولعل بداية مد اليد على أموال المعارضين تجلت في الحجز على أموال رئيس وأعضاء المجلس الوطني المعارض ومن ثم رئيس الائتلاف السابق وهيئته السياسية والعديد من رجال الأعمال والشركات الصناعية والمصرفية بتهمة دعم الإرهاب أو وهن نفسية الأمة، بناء على قرارات الخصوصية السورية.
وتطور أداء حكومة بشار الأسد في سرقة أموال المعارضة حتى بلغ بها الأمر الحجز على أموال نشطاء على شبكة التواصل الاجتماعي "فيس بوك" وبيع ممتلكات معارضين بالمزاد العلني ووضع العائد في خزينة الدولة الفارغة بعد توقف عائدات النفط والضرائب وفوائض المؤسسات الاقتصادية الحكومية، وهي الثلاثية التي تتأتى منها موارد الخزينة السورية .
ولعل الجديد في طرائق السرقة، ما تردد أخيراً حول وضع قائمة تضم اسماء مجموعة من رجال الأعمال السوريين الموجودين في الخارج، لمصادرة أملاكهم داخل سورية وتوزيعها على أسر الشهداء والمصابين والجرحى السوريين الذين "قدموا أجسادهم وأرواحهم في سبيل تخليص البلاد من الإرهاب"، بل ما قيل عن مصادرة مساكن المعارضين، بعد الحجز على ممتلكاتهم، بهدف تأجيرها للمؤيدين، بات حقيقة في دمشق، وربما يصدر تشريع بقانونيتها في القريب المنتظر.
فالمشرّع الممانع في سورية، يعد في هذه الآونة العدة لتعديل قانون الإيجار رقم 1 لعام 2006 ليشمل فتح المنازل الآمنة والمغلقة وتأجيرها لشبيحة الأسد، الوافدين من الساحل السوري ولبنان والعراق، بأجور رمزية تتناسب ودورهم النضالي في صد المؤامرة الكونية، على أن تقدر الأجور لجنة حكومية، ربما لمزيد من الشرعية.
ورغم أن هذا الطرح اصطدم بنظام الدائرة الاجتماعية الملغى حالياً والدستور الذي يحمي الملكية الشخصية، لذلك، وجد النظام الأسدي أن تعديل قانون الإيجار هو السبيل الوحيد لسرقة بيوت المعارضين، وبحجة القانون .
نهاية القول: تدرج نظام بشار الأسد عبر تصديه للحرب والمؤامرة الكونية من "من ليس معنا فهو ضدنا" إلى من ليس معنا فهو إرهابي ومن ثم فهو عميل ومتآمر ليصل به المطاف أخيراً، إلى أن كل من ليس معه في التوريث وسرقة مقدرات سورية والسوريين، فإن ماله ودمه وعرضه مستباح، ولعل في حالات اغتصاب المعتقلات في السجون دليل وفي أكثر من خمس ملايين مهجّر ومهاجر إثبات، وفي مقتل أكثر من 250 ألف سوري وتهديم ثلث منازل سورية ومنشآتها الصحية والتعليمية، استزادة على نهج الصمود والتصدي .. وهاهو أخيراً وبعد يمد يده الممانعة على ما تبقى من ممتلكات المعارضين ليمنحها مكافأة حرب لمغيبيه.. ويسألونك لماذا انتفض السوريون ؟!