"حرب عصابات". هذا ما خلصت إليه الشرطة السويدية، بعد إطلاق النار الذي شهدته مدينة مالمو والذي راح ضحيّته ثلاثة أشخاص، في 18 يونيو/ حزيران الجاري
"كلما سمعتُ طلقة نارية أو صوت انفجار أو صفارة سيارة شرطة وإسعاف، يعود بي الزمن إلى الحرب الحقيقية، تلك التي ما زالت تدور على بعد أكثر من خمسة آلاف كيلومتر". هذا ما يقوله فوزي مسعود (34 عاماً) من مالمو، بعد إقامة مستمرة في المدينة منذ ثلاثة أعوام.
ويشعر مسعود، كما غيره من المهاجرين واللاجئين في جنوب السويد، أنّ "المنطقة مكتظة"، شارحاً أنّ "الذين قصدوا السويد كلاجئين اختاروا هذه المنطقة للسكن، لا سيّما مع أسرهم".
يضيف لـ"العربي الجديد" أنّه في "غياب توفر السكن المناسب وفرص العمل تحسّ باختناق أكبر، وهو ما يجعلك تشعر بأنّك كلاجئ انتقلت من مخيّم لجوء مسيّج إلى آخر مفتوح، لكنّه بلا ناظم ومكتظ". ويشير مسعود إلى أنّ "السويد التي كانت في الذاكرة هي كناية عن نظام والتزام، وفجأة كل شيء يجعلك تشعر بالخديعة. كأنّك لم تنتقل إلا إلى مخيّم لجوء من الأردن أو تركيا إلى واحد مفتوح".
ومالمو الواقعة في أقصى جنوب السويد، اعتاد سكانها أن يبلّغوا في كلّ ليلة تقريباً عن انفجار أو إطلاق نار. وفي آخر الحوادث، خلّف هجوم مساء الاثنين 18 يونيو/ حزيران الجاري على مقهى إنترنت، ثلاثة قتلى وعدداً من الجرحى. وهو ما يضعها على قائمة المدن "الأكثر عرضة للجرائم والقتل" في السويد. كذلك، عادت لتتصدر الأخبار بسبب مخاوف من أن يكون كل صوت انفجار أو إطلاق نار مرتبطَين بعمل إرهابي.
وخلاصة الشرطة المحلية بعد اتضاح طبيعة الهجوم والمستهدَفين، تأتي مشابهة لمثيلاتها منذ نحو ستّة أعوام. ويتردد قول "معروف لدينا"، في وصف الشرطة لأحد الضحايا، بعد إبلاغ أهله ومن دون نشر أسماء. فالأمر مرتبط بالعصابات. ولعلّ اللافت هذه المرة أنّ الهجوم لا يبعد عن مخفر الشرطة المحلية سوى أمتار. وعلى الرغم من أنّ الشرطة السويدية سارعت لنفي أيّ صلة بعمل إرهابي والإشارة إلى أنّها تعمل على فرضية "القتل ومحاولة القتل"، فإنّها بقيت متكتمة في معلوماتها وطمأنت الناس بعبارات متكررة تشبه مثيلاتها في حوادث سابقة.
اقــرأ أيضاً
تجدر الإشارة إلى أن ثمّة غمزاً في الموضوع بأنّ العصابات المتورطة أغلبها من أصول مهاجرة، ويردّ المتشددون ذلك إلى "سياسة الهجرة واللجوء المتراخية"، في حين أنّ الانتخابات التشريعية العامة تجري في البلاد بعد نحو 90 يوماً.
تاريخ العنف في مالمو
على الرغم من لعب اليمين المتشدد على وتر استقبال السويد مئات آلاف اللاجئين منذ عام 2015، فإنّ تاريخ العنف في مالمو التي تحصي أكبر عدد ضحايا قتلى بحوادث إطلاق نار أو طعن وغيرها من الأسباب، يعود إلى ما قبل ذلك بكثير. ومالمو توصف تاريخياً بمدينة "العصابات والحركات السرية" التي تسيطر على يومياتها، بحسب ما كتب الصحافي السويدي يواكيم بالمكفيست في عام 2011، في سلسلة تقارير نشرها في الصحيفة المحلية "سودسفانسكا" المتخصصة بقضايا أقاليم جنوب السويد. وأصدر بالمكفيست في السياق كتاباً تحت عنوان "حرب المافيا: إعدام تسعة رجال والمدينة التي يقطنون فيها"، وتحدّث فيه عن "حالة مرضيّة متأزّمة شهدتها مالمو خلال العقدَين الأخيرين" بعد سلسلة عمليات قتل أشبه بالإعدام في شوارعها.
في بداية تسعينيات القرن الماضي، هيمنت عصابات "روك" على مالمو ووسط السويد، وفقاً لرصد بالمكفيست الذي تحدّث عن "ثقافة صمت... لا أحد يتحدث إلى الشرطة عمّا يجري وتُحل الخلافات داخلياً، وهو ما تسبب في بداية فقدان السلطات القدرة على حفظ نظام المدينة وسلامها". أضاف بالمكفيست أنّ حرب العصابات تزامنت مع فترة أزمة اقتصادية وارتفاع نسب البطالة بين الشباب.
وإذا كانت فترة صدور كتاب "حرب المافيا" في عام 2011 قد شهدت مقتل ثلاثة أشخاص، فإنّ واقع مالمو اليوم أصعب بأضعاف ممّا كان عليه عند "هيمنة عصابات روك". فقد تبنّت فئة من الشباب "طريق العصابات" لكسب المال، وصار يختلط سوق المخدّرات وترويج المسروقات مع كلّ ما يمارس في السرّ، وفقاً لصحافة السويد وكذلك جارتها الدنمارك القلقة من تمدّد حروب العصابات إليها. وأتى ذلك مع تشابه في عامَي 2008 و2009 في عمليات حرق سيارات ومواجهات مع الشرطة في ضواحي مالمو وكوبنهاغن، وهو ما أدّى إلى ارتفاع أسهم "مالمو" كأكثر مدينة سويدية تشهد عمليات قتل. ومن مقتل شخصَين أو ثلاثة في العام، مع بداية الألفية، أحدثت الفترة الممتدة ما بين 2014 و2017 صدمة مع تزايد حالات إطلاق النار وحصيلة القتلى والجرحى في المدينة.
"فشل الدمج"
في السياق، ربط سياسيون كثر، أثناء حكم يمين الوسط حتى عام 2014، بين فشل الدمج وانتشار الجريمة في مالمو. وجاءت دراسات وأبحاث لخبراء سويديين في وقت لاحق، لتزيد من الأعباء التي ألقيت على اليسار ويسار الوسط منذ تشكيل حكومة ائتلافية في ذلك العام، معزّزة بأرقام صادمة.
اقــرأ أيضاً
ولعلّ إصابة أو مقتل من لاعلاقة له، كشباب مارين أو موجودين في مناطق حرب العصابات، زادا من منسوب الغضب في أوساط السويديين خلال الأعوام الثلاثة الماضية. وظنّ السويديون بأنّ عام 2017 هو الأقسى في حرب العصابات وعمليات القتل عموماً. يُذكر أنّ أكثر من 200 ألف طالب لجوء قصدوا السويد طلباً للحماية والأمان خلال عامَي 2015 و2016، الأمر الذي وصف بالأزمة الإضافية، وجُعِل "فشل الدمج" مسؤولاً عن "انفجار العنف". وفي العام الماضي، وبحسب الإحصاءات الرسمية، قتل في السويد أكثر من 40 شخصاً وجرح 135 في عشرات حوادث إطلاق نار، عدا عن عمليات القتل بأساليب أخرى ومنها استهداف بمفرقعات. ولم تُستثنَ منها حتى شرطة مالمو وضواحيها التي لها حصة الأسد في عمليات القتل والعنف.
أبناء الضواحي
والشرطة السويدية، حين تتعرف إلى الضحية وتطّلع على سجله الجنائي، تخرج بتصريح مقتضب مفاده "الضحية معروفة لدينا". وفي مطلع العام الجاري، صرّحت شرطة المدينة، بعد مقتل شاب في العشرين من عمره بأنّ "ما جرى هو إعدام بإطلاق نار وبدم بارد كجزء من حرب العصابات". تعبير "حرب العصابات" في دولتَين اسكندينافيتين، الدنمارك والسويد، يشير بوضوح على لسان الخبراء والمختصين إلى "محاولات هيمنة على مناطق (منافسة) وانتقام"، وفقاً لما يوضح الاختصاصي في عالم الجريمة، البروفسور في جامعة استوكهولم جيرزي سارنيك، وهو الذي تصدى لربط الرئيس الأميركي دونالد ترامب بين المهاجرين والجرائم في السويد في فبراير/ شباط من العام الماضي.
وسارنيك الذي يُعَدّ وجهاً معروفاً وخبيراً في عالم الجريمة، يضع ما يجري في بلده السويد في نطاق أزمة مجتمعية، قائلاً إنّه "في العادة يرتبط الأمر بشبان مشاركين في أنواع أخرى من الجريمة والعنف، ومنها الجرائم المتصلة بالمخدرات". وتتراوح أعمار المشاركين في جرائم العصابات في العادة، بين 20 و30 عاماً، وهي أعمار ضحايا القتل بإطلاق نار.
والتركيز في أوساط المتخصصين والخبراء على دوافع هذا الارتفاع في أعمال الجريمة وخلفياته، يجعلهم يخلصون إلى أنّ "أعضاء العصابات يأتون عادة من ضواح تُعَدّ إشكالية في استوكهولم ومالمو حيث يرتفع عدد العاطلين من العمل، ونتائج التحصيل العلمي سيئة. وهم يكونون من بيئة مهاجرة، وليسوا بالضرورة من الجيل الأول فقط، بل من الجيل الثاني الذي يعيش في مناطق فقيرة"، وفقاً لما ذكره سارنيك لصحيفة "بوليتيكن" الدنماركية في ديسمبر/ كانون الثاني الماضي.
اقــرأ أيضاً
في الطليعة
خلال عام 2016 وحده، سجّل في مالمو مقتل 16 شخصاً، من بينهم قصّر، وبعضهم من أصول عربية ومسلمة من سكان ضواحي المدينة. وقد وُجِد هؤلاء بالصدفة في "المكان الخطأ"، وفقاً لما تكرر وسائل الإعلام المحلية مع سقوط مزيد من الضحايا. في عام 2017، لم تختلف الصورة كثيراً، وعلى الرغم من محاولات تشديد الأمن وملاحقة العصابات فإنّ حرب العصابات بما ينتج عنها من ضحايا واستخدام سلاح ومفرقعات وتهديد رجال الشرطة مستمرّة. ويبدو أنّ مالمو سوف تبقى في عام 2018 متصدّر لائحة المدن الأكثر عرضة للعنف في السويد، بحسب الباحثين.
واستغلال اليمين المتشدد العنف المستشري والتسريبات الإعلامية عن أصل المستهدَف والمستهدِف في مجتمع عُرف عنه حذره من "الخوض في قضايا أصل السكان والعلاقة ما بين تزايد الهجرة وفشل سياسة الدمج" لأسباب ترتبط بالخوف من وصفه بـ"العنصرية والتمييز"، بات كذلك يصبّ في مصلحة استغلال اليمين المتشدد لزيادة حصته من الأصوات في صفوف "المحبطين والغاضبين بصمت" خلال انتخابات سبتمبر/ أيلول المقبل.
وعلى الرغم من ربط الباحثين المختصين العنف في السويد بما ذهب إليه سارنيك، من دون تعميم على المهاجرين واللاجئين، فإنّ ربط الأمر بفشل سياسة الهجرة والدمج "أمر لا بدّ من الاعتراف به. فجزء أساسي من تفسير هذه الظاهرة يرتبط بالفعل بفشل سياسة الدمج. فلا عمل ولا دراسة لفئة شبابية مهاجرة". وأكد سارنيك أنّ "من ينفّذون هذه الأعمال هم فئة شبابية اختارت العيش بطريقة العصابات، وهي في معظمها من الطبقة الدنيا. لذا يبقى السؤال منطقياً: هل يرتبط الأمر بالطبقية أكثر ممّا هو مع الهجرة"؟
"كلما سمعتُ طلقة نارية أو صوت انفجار أو صفارة سيارة شرطة وإسعاف، يعود بي الزمن إلى الحرب الحقيقية، تلك التي ما زالت تدور على بعد أكثر من خمسة آلاف كيلومتر". هذا ما يقوله فوزي مسعود (34 عاماً) من مالمو، بعد إقامة مستمرة في المدينة منذ ثلاثة أعوام.
ويشعر مسعود، كما غيره من المهاجرين واللاجئين في جنوب السويد، أنّ "المنطقة مكتظة"، شارحاً أنّ "الذين قصدوا السويد كلاجئين اختاروا هذه المنطقة للسكن، لا سيّما مع أسرهم".
يضيف لـ"العربي الجديد" أنّه في "غياب توفر السكن المناسب وفرص العمل تحسّ باختناق أكبر، وهو ما يجعلك تشعر بأنّك كلاجئ انتقلت من مخيّم لجوء مسيّج إلى آخر مفتوح، لكنّه بلا ناظم ومكتظ". ويشير مسعود إلى أنّ "السويد التي كانت في الذاكرة هي كناية عن نظام والتزام، وفجأة كل شيء يجعلك تشعر بالخديعة. كأنّك لم تنتقل إلا إلى مخيّم لجوء من الأردن أو تركيا إلى واحد مفتوح".
ومالمو الواقعة في أقصى جنوب السويد، اعتاد سكانها أن يبلّغوا في كلّ ليلة تقريباً عن انفجار أو إطلاق نار. وفي آخر الحوادث، خلّف هجوم مساء الاثنين 18 يونيو/ حزيران الجاري على مقهى إنترنت، ثلاثة قتلى وعدداً من الجرحى. وهو ما يضعها على قائمة المدن "الأكثر عرضة للجرائم والقتل" في السويد. كذلك، عادت لتتصدر الأخبار بسبب مخاوف من أن يكون كل صوت انفجار أو إطلاق نار مرتبطَين بعمل إرهابي.
وخلاصة الشرطة المحلية بعد اتضاح طبيعة الهجوم والمستهدَفين، تأتي مشابهة لمثيلاتها منذ نحو ستّة أعوام. ويتردد قول "معروف لدينا"، في وصف الشرطة لأحد الضحايا، بعد إبلاغ أهله ومن دون نشر أسماء. فالأمر مرتبط بالعصابات. ولعلّ اللافت هذه المرة أنّ الهجوم لا يبعد عن مخفر الشرطة المحلية سوى أمتار. وعلى الرغم من أنّ الشرطة السويدية سارعت لنفي أيّ صلة بعمل إرهابي والإشارة إلى أنّها تعمل على فرضية "القتل ومحاولة القتل"، فإنّها بقيت متكتمة في معلوماتها وطمأنت الناس بعبارات متكررة تشبه مثيلاتها في حوادث سابقة.
تجدر الإشارة إلى أن ثمّة غمزاً في الموضوع بأنّ العصابات المتورطة أغلبها من أصول مهاجرة، ويردّ المتشددون ذلك إلى "سياسة الهجرة واللجوء المتراخية"، في حين أنّ الانتخابات التشريعية العامة تجري في البلاد بعد نحو 90 يوماً.
تاريخ العنف في مالمو
على الرغم من لعب اليمين المتشدد على وتر استقبال السويد مئات آلاف اللاجئين منذ عام 2015، فإنّ تاريخ العنف في مالمو التي تحصي أكبر عدد ضحايا قتلى بحوادث إطلاق نار أو طعن وغيرها من الأسباب، يعود إلى ما قبل ذلك بكثير. ومالمو توصف تاريخياً بمدينة "العصابات والحركات السرية" التي تسيطر على يومياتها، بحسب ما كتب الصحافي السويدي يواكيم بالمكفيست في عام 2011، في سلسلة تقارير نشرها في الصحيفة المحلية "سودسفانسكا" المتخصصة بقضايا أقاليم جنوب السويد. وأصدر بالمكفيست في السياق كتاباً تحت عنوان "حرب المافيا: إعدام تسعة رجال والمدينة التي يقطنون فيها"، وتحدّث فيه عن "حالة مرضيّة متأزّمة شهدتها مالمو خلال العقدَين الأخيرين" بعد سلسلة عمليات قتل أشبه بالإعدام في شوارعها.
في بداية تسعينيات القرن الماضي، هيمنت عصابات "روك" على مالمو ووسط السويد، وفقاً لرصد بالمكفيست الذي تحدّث عن "ثقافة صمت... لا أحد يتحدث إلى الشرطة عمّا يجري وتُحل الخلافات داخلياً، وهو ما تسبب في بداية فقدان السلطات القدرة على حفظ نظام المدينة وسلامها". أضاف بالمكفيست أنّ حرب العصابات تزامنت مع فترة أزمة اقتصادية وارتفاع نسب البطالة بين الشباب.
وإذا كانت فترة صدور كتاب "حرب المافيا" في عام 2011 قد شهدت مقتل ثلاثة أشخاص، فإنّ واقع مالمو اليوم أصعب بأضعاف ممّا كان عليه عند "هيمنة عصابات روك". فقد تبنّت فئة من الشباب "طريق العصابات" لكسب المال، وصار يختلط سوق المخدّرات وترويج المسروقات مع كلّ ما يمارس في السرّ، وفقاً لصحافة السويد وكذلك جارتها الدنمارك القلقة من تمدّد حروب العصابات إليها. وأتى ذلك مع تشابه في عامَي 2008 و2009 في عمليات حرق سيارات ومواجهات مع الشرطة في ضواحي مالمو وكوبنهاغن، وهو ما أدّى إلى ارتفاع أسهم "مالمو" كأكثر مدينة سويدية تشهد عمليات قتل. ومن مقتل شخصَين أو ثلاثة في العام، مع بداية الألفية، أحدثت الفترة الممتدة ما بين 2014 و2017 صدمة مع تزايد حالات إطلاق النار وحصيلة القتلى والجرحى في المدينة.
"فشل الدمج"
في السياق، ربط سياسيون كثر، أثناء حكم يمين الوسط حتى عام 2014، بين فشل الدمج وانتشار الجريمة في مالمو. وجاءت دراسات وأبحاث لخبراء سويديين في وقت لاحق، لتزيد من الأعباء التي ألقيت على اليسار ويسار الوسط منذ تشكيل حكومة ائتلافية في ذلك العام، معزّزة بأرقام صادمة.
ولعلّ إصابة أو مقتل من لاعلاقة له، كشباب مارين أو موجودين في مناطق حرب العصابات، زادا من منسوب الغضب في أوساط السويديين خلال الأعوام الثلاثة الماضية. وظنّ السويديون بأنّ عام 2017 هو الأقسى في حرب العصابات وعمليات القتل عموماً. يُذكر أنّ أكثر من 200 ألف طالب لجوء قصدوا السويد طلباً للحماية والأمان خلال عامَي 2015 و2016، الأمر الذي وصف بالأزمة الإضافية، وجُعِل "فشل الدمج" مسؤولاً عن "انفجار العنف". وفي العام الماضي، وبحسب الإحصاءات الرسمية، قتل في السويد أكثر من 40 شخصاً وجرح 135 في عشرات حوادث إطلاق نار، عدا عن عمليات القتل بأساليب أخرى ومنها استهداف بمفرقعات. ولم تُستثنَ منها حتى شرطة مالمو وضواحيها التي لها حصة الأسد في عمليات القتل والعنف.
أبناء الضواحي
والشرطة السويدية، حين تتعرف إلى الضحية وتطّلع على سجله الجنائي، تخرج بتصريح مقتضب مفاده "الضحية معروفة لدينا". وفي مطلع العام الجاري، صرّحت شرطة المدينة، بعد مقتل شاب في العشرين من عمره بأنّ "ما جرى هو إعدام بإطلاق نار وبدم بارد كجزء من حرب العصابات". تعبير "حرب العصابات" في دولتَين اسكندينافيتين، الدنمارك والسويد، يشير بوضوح على لسان الخبراء والمختصين إلى "محاولات هيمنة على مناطق (منافسة) وانتقام"، وفقاً لما يوضح الاختصاصي في عالم الجريمة، البروفسور في جامعة استوكهولم جيرزي سارنيك، وهو الذي تصدى لربط الرئيس الأميركي دونالد ترامب بين المهاجرين والجرائم في السويد في فبراير/ شباط من العام الماضي.
وسارنيك الذي يُعَدّ وجهاً معروفاً وخبيراً في عالم الجريمة، يضع ما يجري في بلده السويد في نطاق أزمة مجتمعية، قائلاً إنّه "في العادة يرتبط الأمر بشبان مشاركين في أنواع أخرى من الجريمة والعنف، ومنها الجرائم المتصلة بالمخدرات". وتتراوح أعمار المشاركين في جرائم العصابات في العادة، بين 20 و30 عاماً، وهي أعمار ضحايا القتل بإطلاق نار.
والتركيز في أوساط المتخصصين والخبراء على دوافع هذا الارتفاع في أعمال الجريمة وخلفياته، يجعلهم يخلصون إلى أنّ "أعضاء العصابات يأتون عادة من ضواح تُعَدّ إشكالية في استوكهولم ومالمو حيث يرتفع عدد العاطلين من العمل، ونتائج التحصيل العلمي سيئة. وهم يكونون من بيئة مهاجرة، وليسوا بالضرورة من الجيل الأول فقط، بل من الجيل الثاني الذي يعيش في مناطق فقيرة"، وفقاً لما ذكره سارنيك لصحيفة "بوليتيكن" الدنماركية في ديسمبر/ كانون الثاني الماضي.
في الطليعة
خلال عام 2016 وحده، سجّل في مالمو مقتل 16 شخصاً، من بينهم قصّر، وبعضهم من أصول عربية ومسلمة من سكان ضواحي المدينة. وقد وُجِد هؤلاء بالصدفة في "المكان الخطأ"، وفقاً لما تكرر وسائل الإعلام المحلية مع سقوط مزيد من الضحايا. في عام 2017، لم تختلف الصورة كثيراً، وعلى الرغم من محاولات تشديد الأمن وملاحقة العصابات فإنّ حرب العصابات بما ينتج عنها من ضحايا واستخدام سلاح ومفرقعات وتهديد رجال الشرطة مستمرّة. ويبدو أنّ مالمو سوف تبقى في عام 2018 متصدّر لائحة المدن الأكثر عرضة للعنف في السويد، بحسب الباحثين.
واستغلال اليمين المتشدد العنف المستشري والتسريبات الإعلامية عن أصل المستهدَف والمستهدِف في مجتمع عُرف عنه حذره من "الخوض في قضايا أصل السكان والعلاقة ما بين تزايد الهجرة وفشل سياسة الدمج" لأسباب ترتبط بالخوف من وصفه بـ"العنصرية والتمييز"، بات كذلك يصبّ في مصلحة استغلال اليمين المتشدد لزيادة حصته من الأصوات في صفوف "المحبطين والغاضبين بصمت" خلال انتخابات سبتمبر/ أيلول المقبل.
وعلى الرغم من ربط الباحثين المختصين العنف في السويد بما ذهب إليه سارنيك، من دون تعميم على المهاجرين واللاجئين، فإنّ ربط الأمر بفشل سياسة الهجرة والدمج "أمر لا بدّ من الاعتراف به. فجزء أساسي من تفسير هذه الظاهرة يرتبط بالفعل بفشل سياسة الدمج. فلا عمل ولا دراسة لفئة شبابية مهاجرة". وأكد سارنيك أنّ "من ينفّذون هذه الأعمال هم فئة شبابية اختارت العيش بطريقة العصابات، وهي في معظمها من الطبقة الدنيا. لذا يبقى السؤال منطقياً: هل يرتبط الأمر بالطبقية أكثر ممّا هو مع الهجرة"؟