وتجاهل ماكرون نداءات مختلف المنظمات الحقوقية، التي تحدثت عن "وضع كئيب" لحقوق الإنسان والحريات الفردية في مصر، حيث يقبع أكثر من 60 ألف معتقل في سجون النظام، بعدما طالبته بأن يضغط، بما لديه من وسائل الضغط، على ضيفه المصري، الذي حلّ بفرنسا في زيارة رسمية، ولكن دون جدوى.
وإذا كان ماكرون قد ذكّر، في تصريحه المشترك مع الرئيس المصري، بما هو منتظر، أي بـ"الضرورة الحتمية لمكافحة الإرهاب في احترام دولة القانون"، إلا أنه ظلّ محتشماً، ولم يذهب أبعد، وفضّل التطرق للقضايا التي لا تثير ضيفه، من قبيل "معركة البلدين المشتركة ضد الجهادية".
واستباقاً لأي انتقاد، من قبل منظمات وجمعيات حقوقية فرنسية ودولية، لهذا الموقف الرخو من قضايا حقوق الإنسان، شدد الرئيس الفرنسي على أنه "بقدر ما لا أقبل من أي حاكم آخر أن يعطيني دروساً حول طريقة إدارة شؤون بلدي، فأنا أؤمن بسيادة الدول"، قبل أن يُوجّه دعوة بألا "تُعطى دروسٌ خارج أي سياق"، وهو ما يعني تفهمه للسياق المصري.
وبدل أن يحث ماكرون ضيفه على احترام حقوق الإنسان يجد له الأعذار، إذ رأى أن من تحديات السيسي تثبيت "الاستقرار في بلده"، إضافة إلى "محاربة الحركات الإرهابية"، والوقوف في وجه "الأصولية الدينية العنيفة"، إلى أن انتهى إلى أنه "لا يمكن أن نضرب صفحاً عن السياق الذي يتوجب أن يحكم فيه (السيسي)"، وهو ما جعل الرئيس المصري يؤكد، أمام مضيفه، أن قوات الأمن المصرية "لا تمارس التعذيب".
وقد جاء موقف الرئيس الفرنسي مخيِّباً لآمال كل المنظمات الحقوقية والإنسانية، خاصة هيومان رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية والفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، ومراسلون بلا حدود، وهو ما دفع المسؤولة في منظمة هيومان رايتس ووتش، بينيديكت جانرو، إلى أن تندد بقسوة بماكرون: "هذا الرئيس الذي يريد أن يكون محامياً لا يعرف الكلل للحريات والحقوق، نصّب من نفسه محامياً للسيسي، رغم حصيلة الرئيس المصري الكارثية في مجال حقوق الإنسان".
وفي محاولة لتلطيف الأجواء، أكد الإليزيه أن الرئيس الفرنسي فاتَح ضيفه، أثناء لقائهما، رأساً لرأس، في قضية نحو 15 صحافياً أو من مناضلي جمعيات حقوقية.
والغريب أن الموقف الفرنسي الرسمي، الذي عبر عنه ماكرون من مسألة حقوق الإنسان في مصر، أضعفُ حتى من الموقف الأميركي تحت إدارة دونالد ترامب، الذي جمّد بعض المساعدات الاقتصادية والعسكرية التي تقدمها الولايات المتحدة لمصر.
الصفقات سياسة فرنسية قديمة
ولم يختلف موقف ماكرون عن موقف الرئيس السابق، فرانسوا هولاند، الذي سبق له أن استقبل الجنرال المصري ووقع معه صفقات اقتصادية وعسكرية ضخمة.
ولا يمكن للرئيس ماكرون، وقد كان وزيراً في حكومة هولاند، أن ينسى دور السيسي في نفض الغبار عن طائرة رافال، ولا في شراء حاملتي طائرات كانتا معدَّتَين للروس، قبل أن يُغيّر الطرفان، الروسي والفرنسي، موقفيهما.
ولهذا السبب وَاصَل ماكرون اعتبار السيسي "شريكاً استراتيجياً"، وبالتالي فإن فرنسا، في نظره، يمكن أن تواصل الرهان عليه باعتباره "عنصراً رئيساً في الاستقرار الإقليمي"، وبالتحديد في الملف الليبي، الذي يعتقد الرئيس الفرنسي أنه استطاع تحريكه منذ أن جمع، في قصر فيرساي، ودون تنسيق مع حلفائه الغربيين، وخاصة الطرف الإيطالي، بين العدوين اللدودين، فايز السراج والجنرال خليفة حفتر.
ويبدو أن السيسي أقنع الرئيس الفرنسي بقدرته على التأثير على حلفائه في ليبيا، ومنهم حفتر، من أجل الوصول إلى حلّ سلمي ومستدام في ليبيا.
وبفعل بعض الجفاء الأميركي، الذي جعل من تحسين حقوق الإنسان في مصر شَرْطاً لرفعه، قرر السيسي التعويل على زيارة فرنسا، فكرّس لها زيارة رسمية، تمتد ثلاثة أيام، مرفوقاً بوزراء مهمين عديدين.
وينوي السيسي اقتناء 12 طائرة رافال إضافية، رغم أن ظروف تمويل هذه الصفقة لا تزال محل نقاش، بسبب الضائقة المالية التي تعرفها مصر.
ويريد الرئيس المصري من فرنسا ظروفاً ميسرة، وهو ما يمكن لـ"صديقه" وزير الخارجية، جان-إيف لودريان، وهو من رجالات ماكرون الأقوياء، والذي دعا الجنرال السيسي إلى وليمة عشاء، أن يجد حلاً له، علماً أن لودريان نجح، حينما كان وزيراً للدفاع في ولاية فرانسوا هولاند، بعد ثماني زيارات للقاهرة، في إقناع الجنرال السيسي بشراء 24 طائرة رافال التي كانت، حينها، تعاني من ركود حادّ، وكانت مهددة بالاختفاء.