ماكرون يتجه للتشدد بقضايا الهجرة: الفوز بالاستحقاقات الانتخابية

17 سبتمبر 2019
بدأ الرئيس ماكرون يشعر باستعادة الثقة (فرانس برس)
+ الخط -
تتجه فرنسا في الاستحقاقات الانتخابية القادمة، وبعد الانهيارات التي عرفتها أحزاب اليمين واليسار، إلى أن تعيشَ، ثانية، مواجهة متجددة بين حزب "التجمع الوطني" و"الجمهورية إلى الأمام"، وخاصة أن هذين الحزبين يعملان، ليل نهار، من أجل هذه المبارزة، فكلاهما لا يرى سوى غريمه في الحقل السياسي الفرنسي، ويريد الإجهاز عليه. 

وبعد الدخول السياسي الحافل لمارين لوبان، زعيمة "التجمع الوطني"، اليميني المتطرف، إيذاناً ببدء حملتها للانتخابات البلدية، سواء عبر لقائها مع ألف من أعضاء حزبها في مدينة "فريجوس" التي يترأس بلديتها، منذ 2014، دافيد راشلين، وهو أحد قياديي حزبها، وبعد حضور قوي في وسائل الإعلام، أعادت فيها التذكير بثوابت الحزب، التي أصبحت لاصقة بها وبحزبها، وهي الأمن والهجرة إضافة إلى مواجهة ماكرون، وفي الوقت الذي تعاني فيه الأحزاب الأخرى من مشاكل داخلية قاسية، سواء تعلّق الأمر بالاشتراكيين والشيوعيين و"فرنسا غير الخاضعة" و"الجمهورية إلى الأمام"، كان لا بُدّ لحزب الأغلبية الرئاسية أن يتحرك هو الآخَر.

ويأتي هذا التحرك خاصة في ظل مشاكل كبيرة تخترقه، ليس فقط بين جناحيه اليميني واليساري، وإنما أيضا بسبب بعض الصراعات التي خرجت للعلن، والتي أدت إلى ظهور مرشحين منشقين عن حزب "الجمهورية إلى الأمام"، في مواجهة الحزب أو مواجهة حلفائه، من حزب موديم أو من التيارات القادمة من حزب "الجمهوريون"، اليميني.

ومن هنا جاء لقاء الرئيس إيمانويل ماكرون "المغلق"، مساء أمس، مع نواب أغلبيته في مجلس النواب وبنواب حزبه في مجلس الشيوخ، وبكامل أفراد حكومته، من أجل حثهم على "التواضع واليقظة والعمل".     

وقد استعرض الرئيس ماكرون القضايا الأساسية التي يراها أساسية في الفصل الثاني والأخير من ولايته الرئاسية، وهي إصلاح التقاعد والانخراط في الإيكولوجيا والهجرة.

وكيف لا، والهجرة والأمن اللذان كانا الموضوعَين الكبيرَين الغائبين في "الحوار الوطني الكبير"، يعودان سواء عبر هجوم مارين لوبان الانتخابي، أو عبر حقائق على الأرض يواجهها المواطنون الفرنسيون، ويتوجب على الحكومة أن تستجيب لها، وخاصة أن أغلبية الفرنسين قلقة من الهجرة ومن آثارها.

وقد عبّر الرئيس ماكرون عن ابتهاجه لأن حكومته بصدد الإقدام على إصلاح نظام التقاعد الذي يعود إلى سنة 1945. 

وإذا كان كثير من الفرنسيين يعرفون ماكرون، من زاوية مواقفه الإنسانوية (التي سيقول عنها، الآن: "من خلال الادعاء بأننا إنسانويون، نصبح أحيانا متهاونين")، خاصة حين عارَض كثيرا من مواقف رئيس الحكومة الاشتراكي الأسبق، مانويل فالس، وأيضا من خلال مواقفه، حين وصل إلى الإليزيه، التي تعبر عن كثير من التعاطف مع طالبي اللجوء في فرنسا وأوروبا، إلا أن مياها كثيرة سالت بعد ذلك، ومنها أن كثيرا من ناخبيه قادمون من اليمين، ومنها أيضا أن مواطنيه الفرنسيين، لأسباب موضوعية، وأيضا لأسباب تتعلق بالتهييج اليميني الذي لا يتوقف، أصحبوا أقلّ تعاطفا مع المهاجرين والأجانب بصفة عامة.

وهذا ما دفع ماكرون للتصريح أمام نواب أغلبيته بأنه "يجب النظر إلى هذا الموضوع ومواجهته"، و"يجب تناوله بنضج وهدوء"، في غمز من قناة مواقف اليسار المتذبذبة من هذا الموضوع، والطريف أن الرئيس الفرنسي يستنجد بالطبقات الشعبية في التشدد الذي يستعدّ لإشهاره في وجه المهاجرين: "ليس للبورجوازيين مشكل مع الهجرة، فهم لا يلتقون بها"، ولكن "الطبقات الشعبية تعيش معها".

 وفي اقتراب حذر من مواقف مارين لوبان، لا شك أنها ستثمرها لصالحها، ارتكازا على أن الأصل أفضل من النسخة، رأى ماكرون، الذي كان يشدد، سابقا، على أنه يميز بين طالبي لجوء، يجب استقبالهم كما يجب، وبين مهاجرين اقتصاديين، يجب ترحيلهم، أن "حق اللجوء يتم تحويله عن غاياته".   

ولا شك أن الرئيس اطلع على استطلاع للرأي نشرته صحيفة لوموند، أمس الاثنين، يكشف أن 66 في المائة من الفرنسيين يعتبرون أن "المهاجرين لا يبذلون جهودا من أجل الاندماج في فرنسا".                

وللتأكيد على هذا التشديد الجديد، سواء تعلق الأمر بالأمن أو الهجرة، قرر ماكرون، صباح اليوم، إرسال أربعة من وزرائه إلى مارسيليا، وهم كاستانير ونونيز وبيلوبي ودارمانان، في إطار "خطة جديدة لمكافحة المخدرات" في هذه المدينة، والتي تعرف حروبا دامية بين عصاباتها، وأيضا تفكيك معسكر للمهاجرين، صباح لليوم، في شمال فرنسا، كان يقطنه أكثر من ألف مهاجر غير شرعي.


استعادة الثقة

ولأنّ هذا اللقاء بين الرئيس ونواب أغلبيته ليس فقط من أجل الاستعداد للانتخابات البلدية، التي ينوي فيها ماكرون السيطرة على كثير من المدن الكبرى، كمارسيليا وليون وباريس وتولوز وغيرها، والظهور بمظهر الحزب الأكبر في البلد، فهو أيضا من أجل الانتخابات الرئاسية سنة 2022، فقد بدأ الرئيس ماكرون يشعر باستعادة الثقة بعدما زلزله حراك "السترات الصفراء" زلزالا شديداً، وبدأ الأمل يراوده في تجديد ولايته الرئاسية.

ولا شك أن أي نجاح في إصلاح التقاعد وفي الإصلاح الدستوري وفي قانون "أخلاقيات علم الأحياء"، وما سيتمخض عنه من منح الحق للجميع في "المساعدة الطبية للإنجاب"، سيُعبّد له الطريق إلى الإليزيه، شرط تخليه عن التكبر وعن التفوه بالكلمات الجارحة، مثلما تعوّد معه الفرنسيون في مرحلة ما قبل "السترات الصفراء"، وهي مواقفُ وجملٌ اعتذر عنها الرئيس.

وحتى يقودَ ماكرون حزبَه للفوز، وهو ما يعني، أيضا، نجاحه في تحقيق ما عجز عنه رئيسا الجمهورية السابقان، نيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند، أي الحصول على ولاية ثانية، ناشد الرئيس أغلبيته بالوحدة، وإلا "سنخسر"، وفي إشارة إلى سيدريك فيلاني المرشح المنشق في باريس، انتقد ماكرون، بطريقة غير مباشرة، من يشكك في اللجان الانتخابية التي تختار المرشَّحين، وقال: "أريد أيضا أن أشكك، ولكن المشككين ينسون من شَكَّلَ هذه اللجان وكيف تمّ ذلك"، مضيفا: "الشيء القاتل في السياسة هو الانقسام".

وحرص الرئيس ماكرون على التذكير بأنه يحرص على الوحدة، ولا يهاجم أحدا. على الرغم من أن أنصار فيلاني اعتبروا أن مرشحهم هو المستهدف، ورغم تشديد سيدريك فيلاني على أنه عضو في الأغلبية الرئاسية، إذ لم يتم استبعاده، كما استعبد بعض زملائه، وعلى تأكيده على أنه لن يهاجم أحداً، وعلى اكتشاف بعض المراقبين أن عالم الرياضيات اللانمطي، سديريك فيلاني، يشبه آخَر، في كثير من النواحي، لعل أكثرها دلالة وجودُهُ خارج الأجهزة (السياسية والحزبية)، وهو ليس سوى إيمانويل ماكرون.

إذن بدأ الرئيس الفرنسي ماراتون إقناع الفرنسيين بتأييده في ما تبقى من الإصلاحات ومرافقته، ثانية، إلى الإليزيه، ولكن عليه أن يفعل شيئا لمواجهة جوّ عامّ من إحباط الفرنسيين، فقد كان 69 في المائة الفرنسيين، أثناء وصوله للإليزيه، يرون بلدهم في انحطاط، وهذا الرقم وصل الآن إلى 73 في المائة. إضافة إلى أن 55 في المائة من الفرنسيين يرون أن لا شيء تغيَّرَ مع ماكرون.

صحيح أن الفرنسيين، في غالبيتهم، لا يرون أن هذه الوضعية السيئة نهائية، ثمة أمَلٌ، وهذا الأمل يجب على ماكرون اقتناصه واستثماره لصالحه وصالح غالبية الفرنسيين.

المساهمون