ماكرون والسترات الصفراء... كُلٌّ في معسكره

28 يناير 2019
بدأ الإعلام يركز على عنف الشرطة (برونو ثيفينين/SOPA Images)
+ الخط -
نشرت صحيفة "لوجورنال دو ديمانش" أمس الأحد 27 يناير/ كانون الثاني، استطلاعاً للرأي أجراه معهد إيفوب، يؤكد أن أزمة السترات الصفراء لم تغيّر من طريقة ممارسة الرئيس إيمانويل ماكرون للسلطة. إذ يرى 66 في المئة من الفرنسيين أن ماكرون "لم يتغير".
وجواباً عن سؤال بخصوص التغيير الذي ينتظرونه من الرئيس، رأى 85 في المئة أن عليه أن "يهتم أكثر بمشاغل الفرنسيين"، فيما رأى 80 في المئة أن عليه أن "يغيّر طريقتَه في التحدث حين يكون في اتصال مع الفرنسيين"، و75 في المئة يريدون تغيير سياسته الاقتصادية والاجتماعية، و70 في المئة يريدون أن يغير من طريقته في تجسيد الوظيفة الرئاسية.
ولعلّ هذا الاستطلاع يكشف أن ثمة شرخاً بين ماكرون وأغلبية الفرنسيين، رغم دخول الحراك الاجتماعي أسبوعه الحادي عشر ورغم مرور أسبوعين، تقريباً، على إطلاق الحوار الوطني الكبير.
وثمة علامات على أن الأزمة مرشحة للاستمرار، لا فقط بسبب التظاهرات، وقد بلغ عدد المتظاهرين 69 ألف شخص، وذلك حسب إحصاءات وزارة الداخلية (التي يشكك المتظاهرون في أرقامها)، وإنما أيضاً بسبب التشدد البوليسي المتزايد، الذي أدى إلى إصابة عدد كبير من المتظاهرين بإصابات حقيقية، كما حدث السبت لأحد وجوه السترات الصفراء، جيروم رودريغيز، الذي أعلن فقده لعينه اليمنى، في مَشهد مؤلم صوَّرَه بنفسه. والمثير أن الحادث المأسوي جرى في ساحة الباستيل، بينما كانت الجموع تطالب باستقالة ماكرون، فيما كانت طائرة هيلوكوبتر ترصد المتظاهرين.


ويبدو أن السلطات الفرنسية تأخذ إصابة هذا الوجه المعروف من السترات الصفراء والمقرب من وجه آخر، إيريك درووي، مأخذ الجد، وهو ما جعل "مفتشية الشرطة" تفتح تحقيقاً عاجلاً لتحديد المسؤوليات. وقد جاء هذا الحادث في فترة تشهد انتقادات متصاعدة للتصرفات العنيفة لبعض أفراد الشرطة، وصلت إلى درجة المطالبة بفتح نقاش حول أسلحتها. ولم يتردد المتظاهر المصاب في إعلان نيته تقديم شكوى. ومن جهتها طالبت حركة "فرنسا الغاضبة"، بـ"إنزال عقوبات جنائية ثقيلة"، ودعت إلى "انتفاضة لا سابق لها عبر كل الوسائل المفيدة والضرورية"، وإلى "مواصلة الحراك، إلى آجال وبأساليب لا يتخيلها ماكرون".


ومما يعزز التوجس من سياسات ماكرون عدم الثقة في تصريحاته، فهو يوجه أحياناً خطابات متناقضة، وخاصة في ما يتعلق بقضية الاستفتاءات أو "ضريبة التضامن على الدخل"، وأحياناً يتناقض مع وزرائه، كما فعل حين اعتبر تحديد السرعة بـ 80 كيلومتراً في الطرق الثانوية التي دافع عنها رئيس حكومته، "حماقة"، على اعتبار أنها لم تَرد في برنامجه الانتخابي.
وفي كل مرة تفرض أرقام المتظاهرين نفسها، ويتم تحليلها وقراءتها، وإذا كان متظاهرو السبت أقل عددًا، مقارنة بالسبت الماضي الذي قبله، وهو ما ركزت عليه مختلف وسائل الإعلام، التي يرى بعضها فيها انحساراً قبل الانطفاء. إلا أن صحيفة "ليبراسيون" قرأته من زاوية العناد والتحدي: "سترات صفراء أقل عدداً، ولكنهم ثابتو العزم"، رغم كل التحديات. وقالت: "رغم انقسام السترات الصفراء حول تقديم لائحة في الانتخابات الأوروبية، فقد بدأوا احتجاجهم هذا السبت بتصميم معلن في مواجهة سلطة تنفيذية تستعيد (بعض) شعبيتها، بعد عشرة أيام من افتتاح حوار وطني كبير يفترض أنه سيَحُلّ هذه الأزمة الاجتماعية غير المسبوقة".
وتطرقت الصحيفة للجواب الأمني القمعي على "الليلة الصفراء"، التي أطلقتها السترات الصفراء في قلب باريس، المتمثل في "الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه".

صحيفة "لوموند" رأت في الجولة الحادية عشرة من حراك السترات الصفراء: "عودة للتعبئة رغم الخلافات الداخلية". وتحدث صحافيّها كريستوف عياد، عن محاولة السترات الصفراء تنظيم "ليلة صفراء" في العاصمة، التي حاصرتها قوى الأمن بكثافة قبل أن تنتهي باكراً، في جوّ أسود من الغازات المثيرة للدموع وخراطيم المياه: "الجولة الحادية عشرة. مفهوم "ليلة صفراء" يشبه بالأَحْرى، فترة المَا-بعد للسترات الصفراء، التي لم تُنهكها بعدُ تظاهرةُ النهار. احتلال ساحة الجمهورية فشل. لم تشهد نقاشات ولا تبادل آراء، بل أناشيد ضد ماكرون"، وتحدث الصحافي عن "مَشاهد نادرة في باريس، حيث رجال الدرك، الذين أرْغموا آخر المتظاهرين على الدخول في محطة مترو "الجمهورية"، يحرُسون بوابات المترو لمنع المتظاهرين من العودة للساحة". السلطات قررت عدم استعادة المواطنين لمفهوم "باريس، الليل، وُقوفاً"، التي استمرت عدة أسابيع في ساحة الجمهورية، قبل سنوات.

ومن جهته ركّز موقع "ميديا بارت" الإخباري على العنف البوليسي غير المسبوق، الذي تعبّر عنه كثرة الإصابات بين المتظاهرين، ولا تعيره الحكومة ما يستحق من اهتمام، ولو أن الإعلام، الذي كان خجولاً، بدأ يتحدث عنه، منذ أسابيع قليلة فقط. وقد فتحت "ميديا بارت" صفحاتها لجرحى "الفلاش بول"، خلال السنوات القليلة الماضية، لتكشف بأن الأمر لم يتغير قط.

وعوداً على ما أطلق عليه "الحوار الوطني الكبير"، نشر موقع "ميديا بارت" تحقيقاً بعنوان: "الحوار الوطني: أسرار عملية سطو". وكتب: "بينما كان يفترض أن تؤمِّنَ اللجنة الوطنية للحوار العمومي الحيادية وعدم الانحياز للحوار الوطني الكبير، عارَض الإيليزيه الأمر"، ورأى الموقع الإخباري أن ماكرون "نجح في تحويل المبادرة إلى "حملة للاتصال"".
ونقل الموقع تصريحات مثيرة للقلق لرئيسة اللجنة الوطنية للحوار العمومي، شانتال جوانو، من بينها: "المنصة الإلكترونية التي أعدّتها اللجنة الوطنية للحوار العمومي، كانت جاهزة. إلا أنهم غيروا كل شيء في حقيقة الأمر". وتابعت جوانو: "لم يكن في نيتنا تنظيم "عملية اتصال" ولكن تنظيم حوار كبير، وهو ما دفعَنا لإعداد منصة إلكترونية مفتوحة بشكل كامل، إذ يستطيع الجميع تبادل الآراء حول جميع المواضيع"، ولكن "الحوار الكبير أصبح مغلوطاً"، إذ، بحسب شانتال جوانو: "لم نكن نريد أن يُلخَّص الحوار الكبير في قائمة أسئلة حول أربع ثيمات، وقلنا للحكومة: "إن الحوار الوطني يقتصر في نظركم على إمكانية ألا تخضَع لنقاش سوى المواضيع الأربعة، وألا يُجابَ إلا عن الأسئلة التي طرحَتْها الحكومة"، وهذا ليس بحوار كبير".