مافيا الدواء في 4 دول عربية... الحاكم والحكم

01 اغسطس 2016
قطاع الأدوية ينخره الفساد (كريم صاحب/ فرانس برس)
+ الخط -
تحوّلت سوق الأدوية في العالم العربي إلى ساحة لإبرام الصفقات التجارية، تُربّح أصحابها مليارات الدولارات ويُسدد فاتورتها المريض العربي. هذه الصفقات لم تعُد تُبرم في الخفاء كما كان في الماضي وسط تستر، بعيداً عن أعيُن المواطن تفادياً لثورته، بل إنها باتت تُعقد علانيةً بين شركات ووكلاء الأدوية والمسؤولين الحكوميين. "العربي الجديد"، بحثت عن هذه الظاهرة في أربع دول عربية، ليتبيّن أن الفساد هو الحاكم والحكم. 

العراق: تزوير بعلم السلطات
تأخذ صفقات الأدوية أقذر صورها في العراق، فمن الصعب احتكار الأدوية، لا بسبب الرقابة وإنما نتيجة قدرة مافيات كبيرة على تقليدها في الصين وإدخالها إلى السوق بعلم السلطات.

ويقول الصيدلاني، محمد ناجي، لـ "العربي الجديد"، إن "هناك عدة أدوية محظورة في السوق من وزارة الصحة ومحتكرة منها، لكن مافيات الأدوية لجأت إلى شركات أجنبية لتقليد هذه الأدوية وطرحها في السوق بعد دفع رشى إلى الجهات الرقابية". ويضيف أن "المستشفيات الحكومية تفتقد العديد من الأدوية فيضطر المواطن إلى شرائها من الصيدليات الأهلية"، مؤكداً أن "المواطن العراقي يتعرض لعملية سلب كبيرة بسبب سوء القطاع الصحي، حيث يشتري الأدوية المغشوشة بسعر الأدوية الأصلية".

ويبين أن "العراقيين أصبحوا، اليوم، لا يثقون بنظامهم الصحي، وذلك لغياب الأطباء الخبرة وانتشار الفساد المالي والإداري، لذا فضلوا الذهاب إلى الهند ولبنان للعلاج"، مشيراً إلى أن "بعض الأطباء والصيادلة يعطون الدواء الخاطئ بشكل متعمد أو لقلة الخبرة".
وتحظر وزارة الصحة بالتعاون مع نقابة الصيادلة مجموعة من الأدوية المتعلقة بأمراض السرطان والسل، وكذلك التي تستخدم لأمراض عدة خوفاً من الأطباء قليلي الخبرة الذين يصفونها للمرضى. وعلى الرغم من هذا القرار فإن الأدوية منتشرة بشكل طبيعي في الصيدليات.
من جهة أخرى، قال أكرم حيدر، مدير أحد المستودعات الأهلية في بغداد، لـ "العربي الجديد" إن "الإنتاج المحلي للأدوية لا يكفي الاستهلاك المحلي، مما جعل مافيات تقوم باستيراد الدواء من دول عدة، منها الهند وإسبانيا والصين"، مشيراً إلى أن "الدواء المنتشر في صيدليات العراق معظمه مخالف للشروط الصحية التي وضعتها وزارة الصحة ومنتهي الصلاحية".

ويضيف أن "بعض التجار يقومون باستيراد أدوية معروفة ومن شركات رصينة، وتقوم المافيات بعد مدة بالذهاب إلى الصين لتقليد غلاف هذا الدواء وطرحه في الصيدليات".
ويلفت إلى أن "أصحاب شركات الأدوية يقومون بزيارة الأطباء ومنحهم أموالاً وسفرات سياحية مع عائلاتهم مقابل وصف أدوية معينة للمرضى خلال فترة زمنية محددة يتفق عليها الطرفان"، مؤكداً أن "العديد من الأطباء يتفقون مع الصيادلة عن طريق تشفير الوصفة الطبية ويبيعونها بثلاثة أضعاف سعرها".

ورفضت وزارة الصحة ونقابة الصيادلة الحديث عن هذا الموضوع، ولكن وزير الصحة عديلة حمود، كانت قد أكدت أن "تجهيزنا للأدوية والمستلزمات الطبية للمؤسسات الصحية سيتحسن بعد موافقة وزير المالية على إطلاق 250 مليار دينار لعقود الأدوية والمستلزمات الطبية".

مصر: المتاجرة بأوجاع المرضى
ووسط حزمة الأزمات التي تُرهق المواطن المصري، برزت أزمة الأدوية لتُعمق من معاناة المرضى دون أن تُميز بين أصحاب الأمراض المزمنة أو المؤقتة. وحتى هذه اللحظة ما زالت أسباب أزمة الأدوية مبُهمة وإن كانت نتائجها تؤرق كل منزل مصري نتيجة لوبي المصالح الذي يجمع شركات الأدوية ومسؤولي وزارة الصحة.
فبداية خيوط الأزمة تجلت قبل عام من الآن حين شهدت السوق نقصاً حاداً في الأدوية للسكر والضغط والقلب والكبد.

ظلت الأزمة القائمة وتبرير أسبابها بعجز شركات الأدوية على تدبير الدولار اللازم لاستيراد الأدوية والمادة الفعالة في التصنيع. ثم أفصحت الشركات عن سبب جديد تتستر خلفه لإخلاء مسؤولياتها عن الأزمة، ألا وهو انخفاض هامش الربحية وتكبدها خسائر نتيجة ارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء.

"الشركات استطاعت أن تنتزع موافقة مبدئية من وزارة الصحة برفع أسعار الأدوية، وقدم وزير الصحة اقتراحاً خادعاً لمجلس الوزراء ينطوي على أن زيادة الأسعار ستمكن الشركات من تفادي الخسائر الناتجة عن زيادة أسعار الدولار ومن ثم إعادة إنتاج الأدوية الناقصة" يشرح أبعاد الأزمة أحد المتابعين للملف.
وعلى الرغم من أن شركات الأدوية بالتحالف مع وزارة الصحة نجحت في انتزاع موافقة مجلس الوزراء على زيادة الأدوية بواقع 20% دفعةً واحدة، فإن الأزمة استفحلت واتخذت أبعاداً جديدة.

يشير المتابع إلى أن شركات الأدوية احتالت على القرار بتطبيق قيمة الزيادة على كل شريط (مغلف) وليس على علبة الأدوية. أي أن العلبة التي يبلغ سعرها 100 جُنيه وتضم ثلاثة أشرطة أضافت عليها الشركات زيادة قيمتها 60 جُنيهاً بدلاً من 20 جُنيهاً. وبعد أن حققت الشركات أرباحاً خيالية على حساب المواطن أوضحت وزارة الصحة، أن القرار ينطبق على علبة الدواء.

لم تتوقف الأزمة عند هذا الحد بل استفحلت بأوجه أخرى، إذ أنه أصبح هناك نقص لنحو 7 آلاف صنف دوائي والتبرير، أيضاً، هُنا هو نقص الدولار اللازم لاستيراد المواد الفعالة والأدوية.

ويؤكد أنه إلى جانب ذلك هناك 65 صنفاً يُباع بأكثر من سعره في الصيدليات بسبب اختلاف الأسعار التي تُعلنها وزارة الصحة عن قائمة أسعار شركات توريد الأدوية، فعلى سبيل المثال، إن سعر علبة الأوغمانتين يبلغ 63 جنيهاً وتُباع بـ 69 و67 جُنيهاً.

الجزائر: 5 سنوات من المعاناة
برزت في الخمس سنوات الأخيرة في الجزائر ظاهرة ندرة الأدوية بشكل لافت، حيث وصل عدد الأدوية المفقودة في السوق سنة 2012 مثلاً إلى أكثر من 90 دواءً يتعلق بأمراض السرطان، السل والقلب، ناهيك عن أدوية التخدير، خاصة على مستوى المستشفيات.

الأمر الذي أودى بحياة العديد من المرضى، وهذه الظاهرة أرقت أربعة وزراء متتالين، لكن دون جدوى، الأمر الذي فتح الباب واسعاً أمام تجار الشنطة لاستيراد الأدوية ومضاعفة أسعارها.

وفي هذا الشأن يقول بقات بركاني، رئيس عمادة الأطباء الجزائريين، إن المشكل هذا تراجع، أخيراً، بعد سلسلة الإجراءات التي اتخذتها الوزارة بشأن مستوردي الأدوية. لكن مع ذلك مازال المشكل قائماً نظراً لعدم وجود وكالة وطنية للأدوية التي تسهر على متابعة استيراد وتوزيع واستهلاك الأدوية وكذا أسعارها.
ويقول بقات في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الدولة كانت تطمح إلى بلوغ نسبة 70% من الإنتاج الوطني للأدوية الأساسية، ولكن لم نصل، حتى الآن، إلا إلى 40%. ويدعو الأطباء إلى التقيد بكتابة وصفات طبية تحتوي على الأدوية المنتجة محلياً، حتى لا نقع في مشكل استيراد وندرة الأدوية.

من جهته، يُرجع الخبير الاقتصادي، محمد حميدوش، في حديثه لـ "العربي الجديد"، سبب ندرة الأدوية إلى تلاعبات مستوردي الأدوية بهذا الجانب، واعتمادهم المنطق التجاري، داعياً إلى ضرورة خلق منظومة قوانين ردعية تؤطر العملية كي تجبرهم على احترام دفتر الشروط، وفرض غرامات مالية على تأخيراتهم وإذا اقتضى الأمر محاكمتهم لتعريضهم حياة مواطنين للخطر والتسبب في خسائر مالية بالنسبة لصندوق الضمان الاجتماعي.

ويقترح حميدوش وضع تطبيقات إلكترونية على مستوى الصيدليات والموانئ، وكذا صناديق الضمان الاجتماعي، كحل عملي وسهل يمكن من خلاله أن تتابع الوزارة أو الوكالة الوطنية للأدوية، التي يجب خلقها سريعاً، سوق الدواء من استيراد وتوزيع واستهلاك وحتى حجم المرتجعات.

المغرب: قرارات خفض الأدوية لا تلقى صدى عند المواطن
وتأخذ الأدوية بعداً آخر في المغرب، إذ إن وزارة الصحة دأبت على إصدار بلاغات متتالية عن تخفيض أسعار مئات الأصناف من الأدوية. آخر البلاغات كان "عزم الوزارة تخفيض أسعار 139 دواءً، وهو ما يرفع عدد الأدوية التي شملها التخفيض إلى أكثر من ألفي صنف".

تخفيض أسعار الأدوية صار موضوعاً لا تخلو منه خطابات وزير الصحة، الحسين الوردي، ولا جلسات البرلمان التي يحضرها، لكنها مع ذلك فهي خطوة لا تلقى ترحيباً كبيراً لدى المهتمين والفاعلين في قطاع الصحة بالمغرب.

ويعود ذلك إلى أن التخفيض يهم في جزئه الأكبر أصنافاً من الأدوية التي تستعمل للعلاجات والأمراض العادية، لكن حين يتعلق الأمر بالأمراض المزمنة فالأسعار تبقى في مستويات عالية جداً، وفي غير متناول شرائح كبيرة من المواطنين من ذوي الدخل المحدود.

"فقاعات إعلامية"، هكذا يصفها، الكاتب الوطني السابق لنقابة أطباء القطاع العام، عبدالمالك لهناوي، والإشكال يتعلق بكون التخفيضات لا تشمل الأدوية الخاصة بالأمراض التي تثقل كاهل الدولة كما المواطن، مثل الأمراض المزمنة، وأمراض السرطانات وأمراض الالتهاب الكبدي، التي لا تسجل أسعارها انخفاضاً ملموساً.
ويضيف لهناوي: "نحن نعتبر أن الإشكال الحقيقي في قطاع الصحة هو عجز فئات عريضة من المرضى، حتى أولئك المستفيدون من نظام المساعدة الطبية الذي وضعته الدولة لذوي الدخول المحدودة، من الحصول على أدوية أو الأدوات الطبية بسبب ندرتها، وفي كثير من المستشفيات العمومية نصطدم بنقص حاد في بعض الأصناف الحيوية وهذا يتناقض مع تصريحات رسمية تؤكد وجودها".
لهناوي يضيف لـ "العربي الجديد": "الحديث عن ندرة الأدوية وغلاء أسعارها، يفرض إثارة وجود لوبيات وجماعات ضغط في صفوف مصنعي الأدوية إذ تسعى جاهدة للحفاظ على أرباحها".

من جهته يرى الخبير في السياسة الدوائية، الغوتي الأغظف، أن "هناك أموراً تحكم تعامل الوزارة مع ملف أسعار الأدوية ووفرتها يجب أن يعاد النظر فيها. فعلى سبيل المثال المغرب من البلدان القليلة التي ما زالت تطبق ضريبة على القيمة المضافة على الأدوية إلى جانب ضرائب أخرى، ولهذا لا يلمس المواطن أي استفادة على الرغم من الإعلانات المتكررة".

هناك إشكال كبير يتعلق بلوبيات صناعة الأدوية، يقول الغوتي لـ "العربي الجديد": "إذ حين تقوم الوزارة بتخفيض أسعار بعض الأدوية، تلجأ هذه الشركات إلى رفع أثمان أصناف أخرى، وهذا يخضع لمنطق المحاباة وغياب الشفافية".

*أجرى التحقيق: أحمد عز (مصر)، محمد أبو عبدالله (الجزائر)، سلام زيدان (العراق)، أحمد اليزيد (المغرب)

المساهمون