ماريان وليونارد: أغنيتان على جزيرة يونانية

10 يوليو 2020
بدأت القصة حين قرر كوهين السفر إلى جزيرة هيدرا اليونانية (باول هاريس/ Getty)
+ الخط -

97 دقيقة فقط، كانت كافية ليقدّم لنا المخرج البريطاني نيك برومفيلد قصة الحب البوهيمية التي جمعت بين المغنّي الكندي ليونارد كوهين وملهمته النرويجية ماريان أيلين في الفترة بين 1960 و1968، والتي كانت جزيرة هيدرا اليونانية مسرحاً لها، وصادف أن كان برومفيلد نفسه شاهداً على بعض فصول قصة الغرام هذه، حين وقع هو الآخر في حب ماريان، بعدما هجرها كوهين وذهب ليحقق نجاحه كمغن في نيويورك عام 1967. في فيلمه الوثائقي الجديد Marianne & Leonard: Words of Love، والذي تستقبله دور السينما الأوروبية حالياً باحتفاء شديد، يكشف المخرج البريطاني عن تفاصيل جديدة في حياة كوهين وعلاقته بملهمته النرويجية.

تبدأ القصة عام 1960، حين قرر الشاعر الكندي المغمور السفر إلى جزيرة هيدرا اليونانية، ليستمتع بالحياة البوهيمية التي ينخرط فيها عدد كبير من الفنانين والكتاب من جميع أنحاء العالم. وفي هذه الأجواء المتحررة وجماعات الهيبيز التي تحيا على الخمر والمخدرات، يتعرف كوهين الشاب (26 عاماً حينها)، إلى المرأة التي ستصبح ملهمته إلى الأبد، النرويجية ماريان، التي كانت آنذاك في الـ25 من عمرها، والتي جاءت إلى الجزيرة مع زوجها الأول الروائي النرويجي أكسل ينسن، وابنهما الوليد عام 1958، قبل أن يهجرها الروائي ويفر مع امرأة أخرى، ليقع كوهين في حب الأم العزباء، وتلهمه عدداً من أغانيه الأشهر، ومن أهمها: So Long Marianne وBird on a Wir وThat’s No Way to Say Goodbye.

تلصّص المحب يشرح برومفيلد قصة تعرفه إلى ماريان في منتصف ستينيات القرن الماضي. يقول: "كنت في العشرين ضائعاً ومشوشاً، حين زرت اليونان وتعرفت إلى ماريان، وصرت بعد فترة واحداً من عشاقها. كانت امرأة ساحرة وتحفّز الجميع على المغامرة، ولأنها هي التي شجعتني على اتباع أحلامي لأصبح صانع أفلام، أدرك اليوم أنها هي أيضاً التي ألهمت كوهين ليترك الشعر والروايات ويتجه للغناء، فما كان منه إلا أن هجرها وغرق في ملذاته مع العديد من النساء، خاصة بعدما حقق شهرة كبيرة في وقت قياسي". ربما تكون هذه الكلمات الصريحة من المخرج البريطاني مدخلاً إلى عالم الفيلم، فقد التقى برومفيلد بماريان عام 1968، أي بعد عام من مغادرة كوهين الجزيرة اليونانية لمتابعة مساره كمغن في نيويورك، ما يجعلنا نشعر في بعض أجزاء الفيلم بهذه الرغبة التلصصية التي تستحوذ على المخرج البريطاني، في تتبع أثر كوهين على المرأة التي عشقها المخرج، ولم يبخل برومفيلد في انتقاده أنانية كوهين مع ماريان. يقول: "كان كوهين زير نساء حقيقياً، وكانت مشكلته أن كل امرأة تريد امتلاكه، وهو أدرك مبكراً أنه من الصعب أن يكون لامرأة واحدة". خيط من الشِّعر غالباً ما تثير أفلام برومفيلد الكثير من الجدل، ويكفي أن نذكر فيلمه Biggie&Tupac عام 2002، الذي حاول فيه تفسير لغز مقتل مغنيي الراب كريستوفر والاس وشاكور توباك. وقبلها بأعوام قدم برومفيلد فيلمه الوثائقي المثير Kurt & Courtney عام 1998، ورصد فيه الظروف المحيطة بوفاة المغني الأميركي كورت كوباين، قائد فرقة نيرفانا، ومزاعم تورط زوجته المغنية الأميركية كورتني لوف في مقتله المأساوي عام 1994.

لكن، في الوثائقي الجديد له عن ليونارد كوهين وملهمته، يقدم برومفيلد فيلماً مختلفاً، ربما لأن برومفيلد نفسه كان على علاقة حب مع ماريان، ما منح الفيلم ألفة غير معهودة في وثائقيات المخرج البريطاني، وهو ما يتضح من القصة التي يسردها الفيلم وكأنها قصيدة شعر مجنونة، للحياة الحرة التي عاشها كوهين وماريان على مدى ثماني سنوات في الجزيرة اليونانية في ستينيات القرن الماضي، كانت ماريان خلالها ملهمة كوهين في حياة بوهيمية متحررة، أعمدتها الجنس والمخدرات والكتابة والحياة الحرة البسيطة، ما جعل من الجزيرة اليونانية آنذاك جنة صغيرة لكثير من الكتاب والشعراء والفنانين والمجانين. لذلك، يحاول برومفيلد البحث عن أسباب انفصال العاشقين بعد هذا الغرام العاصف بينهما، من خلال مقابلة العديد من الأشخاص الذين كانوا أطرافاً أو شهوداً على القصة منذ بدايتها، ورغم السطوة الكبيرة لصوت ماريان في الفيلم الوثائقي، باعتبارها الشخصية المحورية للأحداث، إلا أننا لن نعدم تتبع مسيرة نجاح كوهين في نيويورك بعدما هجر ملهمته، والتي عادت في نهاية المطاف إلى أوسلو مع ابنها الصغير لتتزوج مرة أخرى.

الرسالة الأخيرة يختتم برومفيلد شريطه بالرسالة الأخيرة التي وصلت إلى ماريان من كوهين وهي على فراش الموت في يوليو/ تموز عام 2016: "ماريان، آمل ألا أتأخر في اللحاق بك إلى هناك، لكنني قريب بما يكفي لأمسك يدك. لم أنس أبداً حبك وجمالك، وأنت تعرفين ذلك جيداً، أريد فقط أن أتمنى لك رحلة آمنة، وداعاً يا صديقتي القديمة وحبيبتي الأبدية". بعد ثلاثة أشهر فقط من موت ماريان أيلين، رحل ليونارد كوهين عن دنيانا ليلة 17 من نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2016 عن 82 عاماً. يقول برومفيلد: "كانت ماريان هي السبب الرئيسي وراء روايتي لهذه القصة، لطالما كانت لغزاً بالنسبة لي، كانت تركز بشكل أساسي على رغبات الآخرين وأحلامهم وطموحاتهم، وأبداً على تطلعاتها، هي التي ألهمتني لأصبح صانع أفلام، كما ألهمت ليونارد كوهين ليجعل منها ملهمته الأسطورية".

المساهمون