انضمّ ماركوس آنا متطوّعاً إلى صفوف الجيش الجمهوري الإسباني المناوئ للفاشية في الثامنة عشرة من عمره، في تلك المرحلة تعرّض إلى المطاردة والتهديد بالقتل في أكثر من مناسبة، ولعل أشدّ تجاربه وقعاً وقسوة حين وجد جثة والده محترقة في منزله، على يد قوات الحكم العسكري التي كانت تطارده.
انتهى الحال بماركوس آنّا محكوماً بالإعدام ومن ثم خُفّف الحكم إلى المؤبد في أحد السجون القريبة من مدريد نهاية ثلاثينيات القرن الماضي، حيث أمضى أكثر من عشرين عاماً هناك، وخرج بعد صدور قرار المحكمة الإسبانية القاضي بالإفراج عن كل الذين أمضوا أكثر من عشرين عاماً في السجن، وكان السجين الوحيد الذي أمضى هذه المدة، الأمر الذي جعله يقول في إحدى مقابلاته أن الانتقام، إذا حدث، يجب أن يكون في تكريم هؤلاء الذين أمضوا سنوات طويلة في المعتقلات وأولئك الذين سلبتهم الحرب الإسبانية أرواحهم من أجل التخلص من الدكتاتورية. بعد الإفراج، أرسل الشاعر التشيلي بابلو نيرودا رسالة قال فيها: "تبدو كلماتي ضئيلة أمام أعوامك المعذّبة الكثيرة في السجن".
تميّزت أشعار مجموعته "قصائد من السجن" بالتأملية العالية التي تسحب مستويات الأشياء إلى حدود نقيضها الوجودي، وهي هواجس تتأمّل فجيعة العزلة القسرية التي غالباً ما يخاطب فيها الشاعر جمعاً غير موجود في زنزانة انفرادية.
يقول في إحدى قصائده: "كلِّموني عن البحر، حدّثوني عن رائحة الحقل الشاسعة/ عن النجوم.. عن الهواء/ صفوا لي أفقًا/ بلا مفاتيح مثل كوخ فقير (...) عشرون عاماً/ وها قد نَسيتُ مقاييس اﻷشياء، ألوانها، نكهتها/ أحاول الكتابة: عن البحر، عن الميدان/ أقول غابة؟/ وقد نسيت هندسة الشجرة/ أتكلم للحديث عن أشياء مَحتها السنون/ لا أستطيع أن أتابع: أسمع خطوات مسؤول السجن".
في كتابه "قولوا لي ما هي الشجرة؟" (2007) وهي السيرة الشخصية التي استعاد فيها "ماركوس أنا" تجاربه قبل السجن وأثناءه، بما فيها من استحكام لهواجس الحرمان والعزلة الإجبارية، مستدخلاً فيها أحزانه الشخصية التي صبغت حياته في تلك الفترة. يقول في أحد مقاطعه الشعرية المستدخلة على السيرة: "خطيئتي رهيبة/ لقد أردت غمر قلب الإنسان بالنجوم/ ولأجل ذلك/ في اثنين وعشرين شتاء خلف القضبان/ فقدت كل فصول ربيعي/ سجيناً منذ طفولتي/ ومحكوماً بالإعدام/ نشفت أضواء عيوني/ فوق الأحجار/ ولا ظلّ للملائكة المنتقمة في شراييني/ وإسبانيا ليست سوى صرخة/ لألمي الذي يحلم".
لاحقاً قام المخرج الإسباني الشهير، بيدرو ألمودوفار، بتحويل الكتاب إلى فيلم سينمائي جسّد فيه حياة "ماركوس آنّا"، وخصوصاً تجربة الاعتقال التي وُصفت بأنها أطول تجربة اعتقال في تاريخ الحرب الإسبانية في بدايات القرن العشرين، مخلفاً وراءه أهم ما كتب داخل معتقلات سجون إسبانيا في فترة وصفت بأنها أشد فترات تاريخها الحديث قتامة.