أضفت اعتداءات لندن مساء السبت، المزيد من الألم على نفوس سكّان مانشستر الذين تجمعوا في ساحة سانت آن، في وسط المدينة، لوضع الأزهار على أرواح الضحايا، وهم يتأمّلون بصمت بطاقات التعزية ورسائل الوداع، كما يستعد بعضهم لحضور حفل أريانا غراندي وعدد من النجوم اليوم، والذي يعود ريعه إلى أهالي الضحايا.
التقى "العربي الجديد" عدداً من المارّة في سنتر مانشستر، واستمع لشهادات بعضهم حيال ما حصل في مانشستر الأسبوع الماضي، وما حدث في لندن مساء أمس.
مايكل ( 34 عاماً) من سكان مانشستر، قال "أشعر بالغضب، سمعت عبر وسائل الإعلام أنّهم اعتقلوا نساء يرتدين النقاب لعلاقتهن بالإرهاب الذي وقع مساء أمس. يبدو لي أنّ المجتمع الإسلامي اختار تجاهل المشكلة التي يعاني منها داخله، يدّعي جهله بنشاطات هؤلاء الأشخاص. في الأسبوع الماضي حين قام انتحاري بتفجير نفسه، شعر الناس بالصدمة".
وأضاف "نحن في مانشستر نقف معا، ومع وقوع المزيد من الاعتداءات في لندن نشعر بالألم ونقف مجتمعا واحدا".
جيسون، الذي يقارب الـ 45 من العمر، رأى أنّ لندن مثال آخر على التحديات التي تواجه مجتمعا متعدّد الخلفيات. واعتبر أنّ الطريقة التي تدعو بها الأديان الناس إلى اتّباعها تزداد ضعفاً، لأنّ الناس لا ينصتون إلى الدين كما كانوا في السابق. وقال: "إنّنا نعيش في بلد ديمقراطي، حيث حريّة التعبير عن الرأي والتبشير بأي معتقد أو دين، وهذا ثمن للديمقراطية ينبغي دفعه".
غاريث، شاب من مانشستر في العشرينات من العمر، قال إنّه كان مسيحياً، من أتباع كنيسة إنكلترا، ثم اعتنق الإسلام، بعد تأثّره ببعض الكتب والأشخاص، وما لبث أن عاد إلى دينه المسيحي البروتستانتي. وأردف أنّ "ما حدث في مانشستر لا بدّ أن له علاقة بالإرهاب، لكن أعتقد أنه أحياناً يحدث ذلك لأن بعض الشباب يعانون من البطالة أو الاكتئاب".
بدوره قال طوني (42 عاماً)، أب لفتاتين في العاشرة والثانية عشرة من العمر، إنّه سيحضر اليوم حفل آريانا غراندي مع ابنتيه اللتين لم تذهبا إلى حفل الأسبوع الماضي. وأعرب عن اعتقاده أنه من المهم دعم أولئك الضحايا، ليرى العالم بأسره أن الأشخاص السيئين لا يستطيعون التحكم بحياة الآخرين وتسييرها.
وأضاف "أشعر بالمرارة لما حدث في لندن، تماماً كما حدث في تفجير مانشستر في الأسبوع الماضي. وأنا على يقين أنّ لندن مثل مانشستر، لن تسمح لهؤلاء الأشخاص بالتقليل من شأننا". وأضاف "أنّ مجتمعنا مفتوح لاستقبال الجميع، والكراهية والسموم التي يجلبها هؤلاء الإرهابيين إلى حياتنا، تؤذينا لكنّها لن تنتصر علينا أبداً".
وكان لـ "العربي الجديد" حديث مع رجل مسلم يقارب الستين من العمر، عبّر عن صدمته وشعوره بالغثيان ممّا حدث من أعمال إرهابية في مانشستر ولندن، لأنّه لا يوجد دين يدعم عنفاً كهذا. وتابع إنّه وقت صعب في مجتمعاتنا، لأنّ تصرفات هؤلاء الأشخاص تخلق بيئة من الخوف واللاثقة بين المجتمعات المتعدّدة الموجودة في هذا البلد، التي تجمعها أمنية واحدة وهي توقّف هذا العنف.
ومع تجمع الآلاف لوضع الزهور، لفتت الأنظار الخيمة التي خصصت للدعوة إلى التعرّف على الإسلام، في سنتر مانشستر. وفي موقف لافت، توقّفت امرأة بالقرب منها، وتساءلت بكراهية ونفور، وبصوت عال:" حقاً هذا؟ وفي مانشستر هذا الأسبوع؟".
إبراهيم، أحد الشبان الموجودين في الخيمة، أوضح لـ"العربي الجديد" إنّ أمثال تلك السيدة أقليّة، وأشار إلى أنّ معظم سكّان مانشستر، يريدون التعرّف عن كثب إلى الإسلام. وأكّد أنّ تصرّف سلمان عبيدي، يعود إلى جهله بالدين الإسلامي، وأنّه حالة فردية، يعجز عن فهمها ولا تبرير لما قام به.
وأكد "أمثال سلمان نسمّيهم الخوارج، ممّن اتّبعوا أيديولوجية معينة، وأولئك الذين يعتنقون الإسلام من دون فهم العقيدة، وسلمان هو شخص جاهل لدينه".
أما ديفيد، الذي يقارب الستين من العمر، وهو جندي سابق في الجيش البريطاني فيقول "الطريقة الوحيدة لإيقاف هذه العمليّات، حين يتوقّف المجتمع المسلم عن تجاهل وجود مشكلة التطرّف والإرهاب في بيئته، وحين يصب أئمة المساجد اهتمامهم وتركيزهم على توعية الشباب من الانجراف وراء التطرّف، لإنقاذهم وإنقاذ حياة الآخرين".
بدوره، ألقى رزّاق راجي، نيجيري بريطاني، المسؤولية على المعلومات الخاطئة التي استمدّها عبيدي، ولفت إلى أنّ الناس لم تعد تقرأ الكتاب المقدّس أو القرآن، بل يلجأون إلى الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي للتعرّف إلى دينهم.
واعتبر أنّ "الحكومة البريطانية مسؤولة جزئياً عمّا حدث، لأنّها توقّفت عن تعليم الدين في المدارس".
كذلك، قال جيريد (33 عاماً)، إيرلندي مقيم في مانشستر، لـ"العربي الجديد" إنه وعلى الرّغم من عدم إلمامه بالدين الإسلامي، لكنّه يعتقد أنّه دين سلام كبقيّة الأديان. وأنّ الغالبية في المجتمع البريطاني، تجهل تماماً ماهيّة الإسلام، معرباً عن اعتقاده بأنّ العالم سيكون أفضل وأكثر سلاماً من دون أي دين.