ماذا يخبرنا هؤلاء؟

25 أكتوبر 2016
يخبرنا الحريري أن تعدد اللهجات سيجمع الشمل (حسين بيضون)
+ الخط -
تكاد الخطابات السياسية في لبنان تكون غاية لا وسيلة، لعشرات السياسيين الذين يقودون شرائح الشعب الغارق بين أكوام النفايات والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية العميقة التي تضرب بنيانه. يُخرّج هؤلاء المواقف السياسية في كل خطاب على حدة، ويُقدّمون لنا خلاصات كثيرة بعد جمع هذه الخطابات وتحليلها.
يُخبرنا مثلاً، رئيس "تيار المستقبل" النائب سعد الحريري، أن التدريب المُكثف وآلات العرض الأنيقة يُمكنها أن تحوّل شخصاً غير متمكن في فن الإلقاء إلى خطيب سياسي رصين. بمعنى أن يجيد الوقفة الأنيقة، ويُسلّم عنقه لكتفيه، فتدور بين الحاضرين لتزرع المواقف في وجدانهم. كما تُخبرنا أن كتبة خطاباته يجيدون مراجعة اللحظات التاريخية السياسية التي مرت على لبنان منذ العام 2005 وحتى اليوم، وأن كل ما سبق هذا التاريخ كان "مرحلة الازدهار التي قادها رفيق الحريري"، وما سيلحق هذا التاريخ هو ما أراده "الرئيس الشهيد"، وما كان "شهداء ثورة الأرز" ليختاروا عنه بديلاً. تخبرنا خطابات الحريري أن مراكمة التنازلات السياسية تحت ضغط الشارع والسلاح غير الشرعي "تضحية". كما يخبرنا في خطاباته أن ضعف الموقف السياسي نابع من ضعف الدولة وأن مواصلة الضعف سيقوي الدولة! يخبرنا الحريري أن تعدد اللهجات في خطابه بين لهجة أهل بيروت ولهجة أهل صيدا سيجمع الشمل الذي فرقته المنعطفات العصيبة في تاريخ لبنان. وما أكثرها! يخبرنا الحريري الابن أن "لبنان أولاً"، وأن حدود هذا الوطن الصغير جغرافياً هي سقف الممارسة السياسية لفريقه، ولكن لا ضير في تمجيد مملكة هنا أو هناك.
ومن الضفة المقابلة على نهر الخطابات اللبنانية، يخبرنا الأمين العام لـ"حزب الله"، حسن نصرالله، أشياء أخرى عن هذا الوطن. يخبرنا أن أصبع التهديد يُسيّر البلد وأن المواقف السياسية ثمنها الدماء، وبالتالي فالموقف مقدس ومبرر دوماً. يخبرنا نصر الله أن القوة خيار منطقي وأن المنطق السياسي يخضع لها في كل الأحوال، سواء كانت الأزمة في تشكيل الحكومة أو في تعيين ضابط أمني، فالقوة حق. يخبرنا نصرالله أن المشاعر الإنسانية التي تعكس ليونة مرفوضة في السياسة، وأن تقطيب الحاجبين واعتصار العرق على الجبين العصبي دليل صوابية الموقف والغضب من أجل "الحق" المطلق. يخبرنا نصرالله أيضاً أن مراكمة الإنجازات العسكرية في الميادين الإقليمية هو ما يُرسي قواعد اللعب السياسي في الداخل، وأن تنازل الطرف الآخر محتوم وإن طال الوقت، وأن الفراغ بديل جاهز لأي خيار لا يوافق عليه الحزب وإن رفض حلفاؤه أو عتبوا.
يخبرنا هذان النموذجان أن الممارسة السياسية في لبنان ليست بخير. والأسوأ أن عشرات السياسيين من الطرفين جاهزون دوماً ليقدّموا لنا نموذجاً أقل إقناعاً من المثلين الأصليين.