03 نوفمبر 2024
ماذا يجري في تونس؟
ما أن تم الإعلان في تونس، الأسبوع الماضي، عن إقالة وزير الداخلية، لطفي براهم، حتى اجتاحت الساحة السياسية رواياتٌ وقراءاتٌ عكست، في مجملها، حالة القلق التي تسود البلاد خلال الأشهر الأخيرة.
لم يكن أحدٌ يتوقع أن آمر الحرس الوطني السابق الذي تم تعيينه على رأس وزارة الداخلية سيُقال عنه، بعد إزاحته، إنه الشخصية المدعومة من أحد اللوبيات القوية التي وجدت فيه الرجل المناسب الذي يتمتع بالحزم والقوة، ليكون مرشحها القادم في الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في السنة المقبلة، والتي "بإمكانها أن تعيد الاستقرار، وتحجّم الإسلاميين، وتضع حدا للفوضى السياسية التي عمت البلاد بعد الثورة". هذا بعض ما راج عن الرجل في الأيام الماضية.
بطبيعة الحال، من الصعب التسليم بهذه الرواية أو تكذيبها، لكن المؤكد أن قرار الإقالة أربك أوساطا متعدّدة، وبدا كأنه أشبه بعملية استباقية لتقطع الطريق أمام أمر جلل، كاد أن يحدث لولا هذا القرار. كما أن من اللافت للانتباه أن الذين دافعوا عن لطفي براهم ينتمون إلى أوساط مختلفة، وما يجمعها هو عداؤها القوي للإسلام السياسي، وفي طليعته حركة النهضة، مثل جزء من التجمعيين الموالين للرئيس السابق زين العابدين بن علي، وبعض المنسوبين إلى رجل الأعمال، كمال لطيف، وأحد أبرز وجوه الوطنيين الديمقراطيين الذين يشكلون مكونا رئيسيا من الجبهة الشعبية وآخرين.
يستند هذا السيناريو إلى عديد الوقائع، أهمها الزيارة الغامضة التي قام بها وزير الداخلية السابق إلى الرياض قبل أشهر، وحظي خلالها بحفاوة استثنائية، وعاد إلى تونس بعد خمسة أيام في طائرة ملكية تقديرا له. وعلى الرغم من أهمية الزيارة ودلالاتها غير المعهودة، إلا أنه لم يكشف عن سببها وسياقها ونتائجها، وقيل إن رئيس الحكومة لم يطلع على تفاصيلها ولم يكن على علم بها. وهو ما جعل هذه الزيارة تؤول في اتجاهات سلبية، بالقول إنها كانت تمهيدا لدعم سعودي إماراتي، حتى يكون هذا الرجل المرشح الرئيسي للانقلاب على السياق السياسي الراهن في تونس، والذي تحتل فيه حركة النهضة مكانةً بارزةً ومثيرةً للجدل في الداخل والخارج.
لا أحد يمكنه أن يجزم بأنه يملك حقيقة هذا الرجل الذي تحول فجأة إلى لغز، لكن هناك خلاصات مهمة، يمكن التوقف عندها من خلال ما قيل بشأن قرار الإقالة.
أصبحت اللوبيات تلعب دورا متعاظما في إدارة الشأن العام في تونس. لها مصالح وأهداف قريبة وبعيدة متضاربة. ولم يعد في الوسع إخفاء علاقات بعضها بأطرافٍ إقليميةٍ ودولية. كما أصبحت بعضها يدير صراعات محلية بالوكالة، ما يهدّد السيادة الوطنية، ويمس الأمن القومي.
من جهة أخرى، تجلّى بوضوح أن الصراع على الحكم قد بدأ يتحول إلى خطرٍ، من شأنه أن يهدد كيان الدولة ووحدتها واستقلالها. ونظرا إلى أن المؤسسات والدستور لم يكتسبا القوة المطلوبة، أصبحت القوى الخفية ومجموعات المصالح قادرة على تحقيق اختراقاتٍ عميقة، وتصعد من تريد إلى مواقع حساسة ومفصلية في كامل هياكل الدولة. وبذلك، ينتقل التجاذب والصراع من خارج الدولة إلى داخل أعماقها.
الأهم مما سبق تفشّي هذه الضبابية السياسية القاتمة التي جعلت النخب، بمن في ذلك الأكثر قربا من السلطة ودوائرها، يصابون بالشك والخوف، ويفترضون سيناريوهاتٍ مرعبة، يحدث أصحابها عن قرب حدوث انقلاب خطير، سيعيد ترتيب الأوضاع في البلاد، وقد ينهي اللحظة الديمقراطية الراهنة.
ليست العبرة في مدى صحة وجود هذا السيناريو أو غيره، لكن تداوله بين الفاعلين، والخلافات الإضافية التي يولدها بين الأطراف هو الأهم والأخطر، لأنه يولد نفسيةً قلقةً ومضطربة، ويهيئ الجميع لشيء ما قد يحدث قريبا، أو على الأقل يدفع بعض الذين يتحرّكون في الظلام إلى التدخل، والقيام بمغامرةٍ قد تربك الجميع، وتجد من يدعمها من الداخل والخارج.
لا تزال تجربة الانتقال الديمقراطي في تونس هشّة، وعرضة لتهديدات جدية، ولن يحميها إلا أهلها المخلصون لها، والمؤمنون بأنها المدخل الحقيقي لتحقيق نهوضٍ سيأتي، ولو بعد حين.
لم يكن أحدٌ يتوقع أن آمر الحرس الوطني السابق الذي تم تعيينه على رأس وزارة الداخلية سيُقال عنه، بعد إزاحته، إنه الشخصية المدعومة من أحد اللوبيات القوية التي وجدت فيه الرجل المناسب الذي يتمتع بالحزم والقوة، ليكون مرشحها القادم في الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في السنة المقبلة، والتي "بإمكانها أن تعيد الاستقرار، وتحجّم الإسلاميين، وتضع حدا للفوضى السياسية التي عمت البلاد بعد الثورة". هذا بعض ما راج عن الرجل في الأيام الماضية.
بطبيعة الحال، من الصعب التسليم بهذه الرواية أو تكذيبها، لكن المؤكد أن قرار الإقالة أربك أوساطا متعدّدة، وبدا كأنه أشبه بعملية استباقية لتقطع الطريق أمام أمر جلل، كاد أن يحدث لولا هذا القرار. كما أن من اللافت للانتباه أن الذين دافعوا عن لطفي براهم ينتمون إلى أوساط مختلفة، وما يجمعها هو عداؤها القوي للإسلام السياسي، وفي طليعته حركة النهضة، مثل جزء من التجمعيين الموالين للرئيس السابق زين العابدين بن علي، وبعض المنسوبين إلى رجل الأعمال، كمال لطيف، وأحد أبرز وجوه الوطنيين الديمقراطيين الذين يشكلون مكونا رئيسيا من الجبهة الشعبية وآخرين.
يستند هذا السيناريو إلى عديد الوقائع، أهمها الزيارة الغامضة التي قام بها وزير الداخلية السابق إلى الرياض قبل أشهر، وحظي خلالها بحفاوة استثنائية، وعاد إلى تونس بعد خمسة أيام في طائرة ملكية تقديرا له. وعلى الرغم من أهمية الزيارة ودلالاتها غير المعهودة، إلا أنه لم يكشف عن سببها وسياقها ونتائجها، وقيل إن رئيس الحكومة لم يطلع على تفاصيلها ولم يكن على علم بها. وهو ما جعل هذه الزيارة تؤول في اتجاهات سلبية، بالقول إنها كانت تمهيدا لدعم سعودي إماراتي، حتى يكون هذا الرجل المرشح الرئيسي للانقلاب على السياق السياسي الراهن في تونس، والذي تحتل فيه حركة النهضة مكانةً بارزةً ومثيرةً للجدل في الداخل والخارج.
لا أحد يمكنه أن يجزم بأنه يملك حقيقة هذا الرجل الذي تحول فجأة إلى لغز، لكن هناك خلاصات مهمة، يمكن التوقف عندها من خلال ما قيل بشأن قرار الإقالة.
أصبحت اللوبيات تلعب دورا متعاظما في إدارة الشأن العام في تونس. لها مصالح وأهداف قريبة وبعيدة متضاربة. ولم يعد في الوسع إخفاء علاقات بعضها بأطرافٍ إقليميةٍ ودولية. كما أصبحت بعضها يدير صراعات محلية بالوكالة، ما يهدّد السيادة الوطنية، ويمس الأمن القومي.
من جهة أخرى، تجلّى بوضوح أن الصراع على الحكم قد بدأ يتحول إلى خطرٍ، من شأنه أن يهدد كيان الدولة ووحدتها واستقلالها. ونظرا إلى أن المؤسسات والدستور لم يكتسبا القوة المطلوبة، أصبحت القوى الخفية ومجموعات المصالح قادرة على تحقيق اختراقاتٍ عميقة، وتصعد من تريد إلى مواقع حساسة ومفصلية في كامل هياكل الدولة. وبذلك، ينتقل التجاذب والصراع من خارج الدولة إلى داخل أعماقها.
الأهم مما سبق تفشّي هذه الضبابية السياسية القاتمة التي جعلت النخب، بمن في ذلك الأكثر قربا من السلطة ودوائرها، يصابون بالشك والخوف، ويفترضون سيناريوهاتٍ مرعبة، يحدث أصحابها عن قرب حدوث انقلاب خطير، سيعيد ترتيب الأوضاع في البلاد، وقد ينهي اللحظة الديمقراطية الراهنة.
ليست العبرة في مدى صحة وجود هذا السيناريو أو غيره، لكن تداوله بين الفاعلين، والخلافات الإضافية التي يولدها بين الأطراف هو الأهم والأخطر، لأنه يولد نفسيةً قلقةً ومضطربة، ويهيئ الجميع لشيء ما قد يحدث قريبا، أو على الأقل يدفع بعض الذين يتحرّكون في الظلام إلى التدخل، والقيام بمغامرةٍ قد تربك الجميع، وتجد من يدعمها من الداخل والخارج.
لا تزال تجربة الانتقال الديمقراطي في تونس هشّة، وعرضة لتهديدات جدية، ولن يحميها إلا أهلها المخلصون لها، والمؤمنون بأنها المدخل الحقيقي لتحقيق نهوضٍ سيأتي، ولو بعد حين.