ماذا وراء عاصفة الانشقاقات الحزبية في العراق؟

26 يوليو 2017
تطمح كل الكتل إلى تشكيل الكتلة الأكبر (حيدر هادي/الأناضول)
+ الخط -
قبل سبعة أشهر من انطلاق الماراثون الانتخابي في العراق، أُغلق بازار العملية السياسية على واحدة من أكبر الأزمات السياسية بين الكتل والأحزاب، من خلال انشقاقات لقيادات وشخصيات بارزة عن أحزابها. هذا الوضع طرح سيناريوهات عديدة، بينها ما يعتبر أن ما يحصل هو بداية لولادة أحزاب جديدة، غير تلك التي جاءت مع الاحتلال الأميركي عام 2003، فيما تخلص قراءات أخرى إلى أنها "عمليات انشقاق ستؤدي لالتئام جديد بعد الانتخابات".

المجلس الأعلى الإسلامي، حزب الدعوة، الحزب الإسلامي العراقي، وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، هي أبرز أحزاب السلطة، التي شهدت تصدعات كبيرة خلال الأيام الماضية. وما زال الباب مفتوحاً أمام تصدعات أخرى في نفس تلك الأحزاب وأحزاب ثانية تعاني من خلافات بين قياداتها. وعصفت في غالبية الأحزاب أسباب عدة للانشقاق، مثل التنافس على قيادة الحزب أو طروحات استبدال القيادات بوجوه جديدة للانخراط في الانتخابات المقبلة، أو تحميل أطراف دون أخرى، مسؤولية تراجع شعبية الحزب أو موقعه في الشارع العراقي.

المجلس الأعلى الإسلامي، أنهى ما وصفه أحد قيادييه "وجع الرأس المزمن". فقد وضعت الانشقاقات نهاية غير متوقعة لأحد أبرز أحزاب السلطة التي عرفها العراقيون بعد الاحتلال الأميركي لبلادهم، وذلك بعد إعلان رئيسه، عمار الحكيم، مساء الإثنين، انشقاقه رسمياً وتأسيسه حزباً آخر باسم "تيار الحكمة"، ساحباً معه قيادات بارزة في المجلس، في الوقت الذي خرجت في اتجاه آخر قيادات أخرى بارزة من المجلس نفسه من دون أن تحدد وجهتها السياسية المقبلة. وبحسب مصادر قيادية في "التحالف الوطني"، تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن "وفداً مشتركاً من حزب الدعوة والمجلس الأعلى وحزب الفضيلة، غادروا إلى إيران في محاولة منهم لوقف مسلسل تصدع التحالف الوطني". وأكد قيادي في التحالف أن "إيران تجد أن ما يحصل هو دورة حياة سياسية مهمة، ما دام الجميع لن يخرج من تحت عباءة التحالف الوطني الذي تدعم طهران كتله وأحزابه منذ عام 2003".

وكشف القيادي في حزب الدعوة، النائب منصور البعيجي، في حديث لـ"العربي الجديد"، عن تطورات جديدة بخصوص حزب الدعوة، مؤكداً أن "الحزب سيدخل بقائمتين منفصلتين في الانتخابات المقبلة: الأولى بقيادة نوري المالكي والثانية بقيادة رئيس الوزراء حيدر العبادي". وأضاف: "هناك انشقاقات واستقالات أيضاً ولا يوجد تكاتف داخل التحالف الذي يعتبر الخيمة لجميع الأحزاب الشيعية الحاكمة في العراق اليوم". وأشار إلى أن "الخلافات لم تعد أي جهة قادرة على إبقائها بعيدة عن وسائل الإعلام".


بدوره، شهد الاتحاد الكردستاني بقيادة جلال الطالباني، في الأيام الماضية انشقاق عدد من أعضائه وانتقالهم إلى الخصم الكلاسيكي، أي الحزب الديمقراطي بقيادة مسعود البرزاني، حسبما ذكر القيادي في التحالف الكردستاني، حمة أمين. وأوضح أمين في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "سيتم الإعلان عن ذلك رسمياً، بعد انتقال القيادات المنشقة من السليمانية إلى أربيل". أيضاً، فإن الحزب الإسلامي العراقي، الجناح السياسي لحركة الإخوان المسلمين في العراق، شهد هو الآخر تصدّعاً كبيراً بين قياداته، فضحته عملية الانتخابات الأخيرة داخل الحزب التي قاطعها رئيس البرلمان سليم الجبوري. وقال القيادي في الحزب النائب، أحمد السلماني لـ"العربي الجديد" إن "سليم الجبوري خرج من الحزب الإسلامي مع قيادات أخرى وأسس (حزب التجمع المدني للإصلاح)". وأضاف أن "الحزب الإسلامي أجرى انتخاباته أمام مفوضية الانتخابات قبل يومين، وبات الآن إياد السامرائي، الأمين العام وبهاء الدين النقشبندي نائباً للأمين العام ورشيد العزاوي نائباً ثانياً. وخلت المناصب القيادية من سليم الجبوري أو القيادات الأخرى التي خرجت معه إلى حزبه الجديد". وتابع السلماني: "لا نستطيع القول اليوم، إن الحزب الإسلامي سيدخل بتشكيلين سياسيين في الانتخابات، بل بات لدينا اليوم حزب التجمع المدني بقيادة الجبوري والحزب الإسلامي بقيادة إياد السامرائي، وهو حزب آخر تماماً".


من جانبه، ذكر القيادي في اتحاد القوى العراقية، أثيل النجيفي، أن "الإعلان عن أحزاب جديدة من رحم الأحزاب الحالية، من دون تغيير المناهج الفكرية، هي محاولة لإقناع الشعب أن تلك الأحزاب هي نسخة عن تلك القديمة". وتساءل: "هل ما زالوا (قادة الأحزاب) يؤمنون بولاية الفقيه أم أنهم تخلوا عنها؟ وهل ما زالوا يؤمنون أن الدين لا يكتمل إلا بإقامة دولة يرأسها من هو بمواصفات قياداتهم الدينية؟ 

وأضاف: "ننتظر خطاباً سياسياً جديداً من خلال المنابر الدينية والسياسية على حد سواء، يظهر منهجاً يفصل بين التربية الدينية والأخلاقية والاجتماعية، وبين العمل السياسي المبني على تحقيق المصالح العامة". وأشار إلى أن "الخطاب السياسي الجديد يهدف إلى عدم إبقاء مجتمعنا في حالة الانفصام بين دينه وواقعه".

بدوره، كشف أحد المقرّبين من رئيس الوزراء، حيدر العبادي، لـ"العربي الجديد"، عن "قرب ولادة كتلة التحرير والبناء، برئاسة العبادي، ليدخل بها الانتخابات بعيداً عن عباءة حزب الدعوة الإسلامية برئاسة أمينه العام، نوري المالكي". ونوّه إلى أن "العبادي تمكن من ضمّ 103 أعضاء من كتل حزب الدعوة وأحزاب أخرى، ليكونوا معه في قائمته الجديدة. كما نجح في كسب شخصيات أخرى مدنية، فضلاً عن قياديين بمليشيا الحشد لهم شعبية في مناطق الجنوب العراقي، سيعلنون ترك العمل المسلح قريباً، ليتوافق ذلك مع قانون مفوضية الانتخابات العراقية".

وحول عاصفة الانشقاقات السياسية في العراق، قال أستاذ العلوم السياسية علي الخالدي، إن "أغلب الانشقاقات يمكن وصفها بالطبيعية، لأنها ناتجة عن تنافس وخوف بنفس الوقت من خسارة كل قيادي مقعده في الحكومة أو البرلمان المقبل". وأضاف الخالدي في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "بعض التصدعات يمكن اعتبارها مفتعلة أو تكتيكاً للأحزاب، فتنشق وتدخل بقائمتين منفردتين، ثم تعود لتتحد بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات، بغية تشكيل الكتلة الأكبر داخل البرلمان وتكون قادرة على تأدية دور سياسي أكبر". ولفت إلى أن "الأحزاب التي شهدت تشققات لم تطرح، حتى الآن، أحقيتها بالمناصب الحكومية، فكما هو معروف، فإن لكل حزب من الأحزاب التسعة الرئيسية بالسلطة، حصة من الحكومة، إذ تمّ تقسيم الوزارات والهيئات السيادية بين الأحزاب. لذلك في حال ظهرت تلك المشكلة، فإن الانشقاقات حينها ستكون فراقاً إلى غير رجعة، لا تكتيكاً".